يسأل أحدهم: هل القرآن محرف أم أننا محرفون؟

18 أبريل 2010
131
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمدٍ وآل محمد
واللعن على أعداء محمدٍ وآل محمد

يقول وكأن القول مقتطفٌ من كلام ما:
لكن بقولك أن القرآن غير محرف تقع في إشكال: لا يحق لأي أحدٍ أن يحكم بأن كتاباً ما – وهنا القرآن – هو طبق الأصل أو لا.. إلا إذا كان مطلعاً على الأصل! وللأسف أن المطلعين على القرآن النازل على محمد صلّ على محمد وآله وهم الأئمة الطاهرين عليهم السلام. والذين هم من لهم الحق ليحكموا على النسخ المتداولة بين الناس بأنها مطابقة للقرآن المحفوظ عندهم أم لا!! وقد أخبروا بأن نسخ القرآن المتداولة عند الناس محرفة! ثم يأتي الشيعة ويخالفوا المنطق والعقل لينجروا خلف المحرفين ويأيدوهم في دعواهم التي لا تستند لشهادة مطابقة الأصل!!! قل لي بربك هل أجد عندك ما يفك هذا الإشكال. لكن لا تقل لي: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، لأنها مصادرة لموضوع النقاش فلا تعتبر حتى يثبت الموضوع بدليلٍ خارجي! وللحديث بقية تعتمد في مصداقية ردكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين
واللعن على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،

واقع السؤال له من الغموض بمكان ما يجعل الساءل غير عارفٍ بحقيقة ما يُكتب فجاء بالتناقض، فأقول:
أولأً: وجود الروايات الدالة على تحريف القرآن لا نأخذ بها ونضرب بها عرض الجدار، سواءً تلك التي يرويها الشيعة أو التي يرويها أهل سنة الجماعة، لأن الكذَّابة كذبت على أهل البيت صلوات الله عليهم كما كذَّبوا على رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم، فجاء في بحار الأنوار ج 17: ص242: ح37 - سن : أبي ، عن علي بن النعمان ، عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كل شئ مردود إلى كتاب الله والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف. وصف الشيخ في التهذيب ج7: ص275 الخبر بالشذود ومخالفته لظاهر كتاب الله، وقال: كل حديث ورد هذا المورد فإنه لا يجوز العمل عليه، لأنه روي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وعن الأئمة عليهم الصلاة والسلام، أنهم قالوا: إذا جاءكم منا حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالفه فاطرحوه أو ردوه علينا!

فالأحاديث التي يرمي إليها المخالف، إن هي إلا زخرف، لا نأخذ بها ولا يوافق عليها أهل البيت صلوات الله عليهم.
أمير المؤمنين صلوات الله عليه وحركته الجبَّارة للحفاظ على كتاب الله جلّ وعلا
ثانياً: أهل البيت صلوات الله عليهم هم حفظة القرآن وحفظة تأويل القرآن ، فهذا القرآن الذي بين أيدينا هو ذات القرآن من دون نقص ولا زيادة منقولاً بالتواتر، وهو ما أتفق عليه شيعة وسنة مما كتبه أمير المؤمنين صلوات الله عليه وحفظه في مصحف، وحفظه القرَّاء عن لسان مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أي أن الحفظ قد تم كتابة وتلاوة من قبل أمير المؤمنين صلوات الله عليه ونقله إلى الناس، على أن نص القرآن الكريم قد حفظه رب العالمين من التحريف مهما حاول أعداء الإسلام، فالقرآن الذي بين أيدينا هو ذاك الذي نُقل عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه بلا زيادة وبلا نقصان، وإليك تفصيلاً للأمر:
الثابت عند الجميع أن الذي قام بدور ( يا للقرآن .. يا للمسلمين ) هو حذيفة بن اليمان الذي كان حاكماً على المدائن عاصمة كسرى ، وقائداً لجيش الفتح العراقي في آذربيجان وأرمينية .. وقد جاء خصيصاً مع وفد من جيش الفتح مستغيثاً شاكياً الى الخليفة عثمان .. فاستجاب الخليفة بعد أن كانت المسألة نصف ناضجة في ذهنه ، ولأن مطلب حذيفة حل مشكلة خطيرة داخل جيوش الفتح .. وأصدر الخليفة مرسومة التاريخي بتوحيد نسخة القرآن .. وبقي حذيفة في المدينة يواكب تدوين القرآن ، ثم قام بتنفيذ المرسوم عملياً بأمر الخليفة ونفوذ حذيفة الأدبي باعتباره شيخاً كبير السن من خاصة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، يشهد له ويحترمه الجميع ..

روى البخاري أن حذيفة بن اليمان موضع سر النبي صلى الله عليه وآله ، فقال في ج 4 ص 215 وج 7 ص 139 : ( ... عن إبراهيم قال ذهب علقمة الى الشام فلما دخل المسجد قال : اللهم يسر لي جليساً صالحاً فجلس الى أبي الدرداء ، فقال أبوالدرداء : ممن أنت ؟ قال من أهل الكوفة ، قال : أليس فيكم أو منكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ؟ يعني حذيفة ، قال قلت : بلى ، قال : أليس فيكم أو منكم الذي أجاره الله على لسان نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم يعني من الشيطان يعني عماراً ؟ قلت : بلى ... ) .

وروى عنه وصف نفوذ المنافقين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، فقال في ج 8 ص 100 : ( ... عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان قال : إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون .... عن أبي الشعثاء عن حذيفة قال إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان !! ) انتهى .

وأكثر ما تجد أحاديث الفتن التي حذر منها النبي صلى الله عليه وآله مروية عن حذيفة حتى ليمكن أن نسميه ( الصحابي المتخصص بأخبار المنافقين والفتن ) وكان بعض المنافقين المخفيين يخافون منه ويظهرون له الإحترام ، لأنه خبير بهم ، ومنهم الذين حاولو اغتيال النبي صلى الله عليه وآله ليلاً في رجوعه من حجة الوداع أو تبوك، فصعدوا الجبل ليلاً في الظلام ، وعندما صعد النبي العقبة ألقوا عليه الصخور ليقتلوه فجاء جبرئيل وسماهم له .. إلخ .

قال أحمد في مسنده ج 5 ص 390 : (... ثنا أبوالطفيل قال كان بين حذيفة وبين رجل من أهل العقبة مايكون بين الناس فقال : أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة ؟ فقال له القوم : أخبره إذ سألك ، قال : إن كنا نخبر أنهم أربعة عشر . وقال أبو نعيم فقال الرجل كنا نخبر أنهم أربعة عشر قال فإن كنت منهم ــ وقال أبونعيم فيهم ــ فقد كان القوم خمسة عشر . وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ! ) انتهى .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 361 : ( حذيفة بن اليمان . من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم ، وهو صاحب السر ... حليف الأنصار ، من أعيان المهاجرين ... عن ابن سيرين أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن اسمعوا له وأطيعوا ، وأعطوه ما سألكم ... ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر ، فبقي عليها الى بعد مقتل عثمان ، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة ... وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو . وعلى يده فتح الدينور عنوة . ومناقبه تطول ، رضي الله عنه . ... خالد عن أبي قلابة عن حذيفة قال : إني لاشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله ... أبونعيم : حدثنا سعد بن أوس ، عن بلال بن يحيى قال : بلغني أن حذيفة كان يقول : ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض . قالوا : وأنت ؟ قال : وأنا والله ! ) انتهى .

وكما كان حذيفة من حواريي النبي صلى الله عليه وآله وموضع سره ، صار بعده من خاصة شيعة علي وموضع سره ، وكان لا يقوم بعمل مهم إلا بأمر علي عليه السلام .. وهذا مما يقوي الظن بأن علياً كان وراء حركة توحيد نسخة القرآن .. !

فروى في كنز العمال ج 13 ص 532 : ( عن حذيفة أنه قيل له : إن عثمان قد قتل فما تأمرنا ؟ قال إلزموا عماراً ، قيل : إن عماراً لايفارق علياً ! قال إن الحسد أهلك الجسد ، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي ! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب ، وإن عماراً من الأخيار ــ كر ) انتهى .

وأرانا هنا بحاجة الى دراسة فقرات من النص التالي عن عبدالله بن الزبير لأنه يعطي ضوءاً هاماً على الشخص المحرك لحذيفة ، ويبين سعي علي عليه السلام لتوحيد نسخة القرآن من زمن الخليفة عمر.. قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 990 : ( حدثنا الحسن بن عثمان قال ، حدثنا الربيع بن بدر ، عن سوار بن شبيب قال : دخلت على ابن الزبير رضي الله عنه في نفر فسألته عن عثمان ، لم شقق المصاحف ، ولم حمى الحمى ؟ فقال قوموا فإنكم حرورية ، قلنا : لا والله ما نحن حرورية . قال : قام الى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رجل فيه كذب وولع ، فقال : يا أمير المؤمنين إن الناس قد اختلفوا في القراءة ، فكان عمر رضي الله عنه قد هم أن يجمع المصاحف فيجعلها على قراءة واحدة ، فطعن طعنته التي مات فيها ، فلما كان في خلافة عثمان رضي الله عنه قام ذلك الرجل فذكر له ، فجمع عثمان رضي الله عنه المصاحف ، ثم بعثني الى عائشة رضي الله عنها فجئت بالصحف التي كتب فيها رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم القرآن ، فعرضناها عليها حتى قومناها ، ثم أمر بسائرها فشققت ) انتهى .

فقد اعترض سوار بن شبيب ورفقاؤه على عثمان : لماذا اعتمد نسخة واحدة من القرآن ومزق الباقي ؟! وذلك لأن الناس تعودوا على الإختلاف ، وتعلموا من روايات الخليفة عمر أن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، وأنها جميعاً نسخ وقراءات صحيحة منزلة من عند الله تعالى ! ولذلك كان عثمان بتوحيده نسخة القرآن مخالفاً للخليفة عمر ومنحرفاً عن الإسلام !!

وعندما سمع عبدالله بن الزبير اعتراضهم أحس بهدفهم السياسي ضد عثمان ، وعرف أنهم فقدوا بتوحيد نسخة القرآن موقعهم كقراء خبراء في القرآن لهم أتباع من العوام .. فقال لهم : قوموا عني فأنتم خوارج ( حرورية ) أي تقولون بكفر عثمان !! فأكدوا له : لا والله ما نحن حرورية .. فحكى لهم قصة توحيد عثمان لنسخة القرآن، وقال لهم ما معناه:
إن المسألة فيها فتوى من الخليفة عمر فلا تعترضوا على عثمان ، لقد نوى عمر أخيراً أن يوحد نسخة القرآن ، ويترك مسألة الأحرف السبعة ، ولكنه قتل قبل أن ينفذ ذلك. ثم قال ابن الزبير : أنا لا أعترض على عمل عثمان لأن فيه فتوى من عمر ، وإن كنت أتحفظ على هذا العمل لأن الذي جعل الخليفة عمر يتخذ هذا القرار هو شخص سئ ، بالغ له في ضرر اختلاف الناس في القراءات ( قام الى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رجل فيه كذب وولع ، فقال : يا أميرالمؤمنين إن الناس قد اختلفوا في القراءة ، فكان عمر رضي الله عنه قد هم أن يجمع المصاحف فيجعلها على قراءة واحدة ، فطعن طعنته التي مات فيها . فلما كان في خلافة عثمان رضي الله عنه قام ذلك الرجل فذكر له ، فجمع عثمان رضي الله عنه المصاحف ...)

هذا النص يدل على أن ذلك الشخص الذي يكرهه عبدالله بن الزبير ويصفه بأنه ( فيه ولع وكذب ) كان يسعى الى توحيد المصاحف وكان من زمن عمر يشكو لعمر ظاهرة اختلاف المسلمين في قراءة قرآنهم بسبب عدم وجود نسخة رسمية للدولة ، وأن اللازم على الدولة أن تقوم بهذه المهمة وتسد هذا الفراغ ، وقد وافق عمر مبدئياً على رأي هذا الرجل السئ ولكنه قتل قبل أن ينفذه .. !

ثم يتابع عبدالله بن الزبير : ولكن هذا الشخص السئ نفسه واصل مسعاه مع الخليفة عثمان ونجح في هدفه ..!

فمن هو هذا الشخص الحكيم الحريص على قرآن المسلمين ، الذي حاول مع الخليفة عمر حتى أقنعه بخطورة ظاهرة الاختلاف في القراءات وأن تبرير ذلك بنظرية الأحرف السبعة لم يحل المشكلة ولم يمنع نموها ؟! ثم واصل مسعاه مع الخليفة عثمان محذراً من تفاقم مشكلة اختلاف الناس في نصوص القرآن ، وأن حلها فقط بتدوين القرآن على حرف واحد ؟!

الذي يعرف عبد الله بن الزبير يقول إنه يقصد علياً عليه السلام ، لأن ابن الزبير كان يكره علياً وشيعته حتى العظم ، بل روي عنه أنه ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله حتى لا يشمخ عليٌّ وآل محمد بأنوفهم على حد تعبير ابن الزبير !!

فالشخص الذي كان وراء توحيد نسخة القرآن إذن هو علي بن أبي طالب عليه السلام .. ومجئ حذيفة وأصحابه من قادة الفتح من أرمينية الى المدينة كان أوج هذه الحركة لقطف ثمرتها المباركة !

المصحف الذي بين أيدينا راجعٌ سنده إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه دون غيره
فقرآننا الفعلي هو نسخة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه

هل نستطيع القول إن عثمان يكذب في إدعائه أن اللجنة كتبت المصحف الإمام عن مصحف غض كتب بإملاء النبي صلى الله عليه وآله ؟!

كلا .. فليس للخليفة مصلحة في إخبار أهل الأمصار بذلك إلا أنه يريد أن يطمئنهم ويفتخر لهم بثقته بالنسخة التي كتب عنها القرآن .. وقرائن وصفه للنسخة وثقته بها تأبى أن يكون قوله افتراء !

كل ما في الأمر أنها نسخة علي عليه السلام وقد أراد عثمان أن يبتعد عن حساسيتهم من علي فنسبها الى عائشة ، ولعله أشرك عبد الله بن الزبير بن أخت عائشة في اللجنة وأرسله اليها وأحضر نسخة مصحفها العادية ، لكي ينسب التدوين اليها !!

أرانا ملزمين بهذه الفرضية ، لأنها تملك مؤيدات كثيرة ، ولأن كل فرضية أخرى للنسخة الأم تواجهها مُضَعِّفَاتٌ كثيرة !!

ولابد أن نستذكر هنا أن وجود سعيد بن العاص في مشروع تدوين المصحف الإمام بصفته معرباً ومملياً للمصحف ، وبصفته أموياً من أقارب الخليفة ، ومن أسرة موالية لعلي بن أبي طالب عليه السلام .. ووجود حذيفة الذي له مكانة مميزة بين الصحابة بصفته رائد مشروع توحيد القرآن ، ومن خاصة أصحاب علي عليه السلام .. يجعل لمصحف علي في اللجنة أسهماً وافرة في أن تكون نسخته هي النسخة الأم التي كتب عنها المصحف الإمام .

وقد روى الشيعة والسنة أن علياً عليه السلام كتب نسخة القرآن على أثر وفاة النبي صلى الله عليه وآله .. روى ابن أبي شيبة في مصنفه ج 7 ص 197 : ( حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا ابن عون عن محمد قال : لما استخلف أبو بكر قعد علي في بيته فقيل لأبي بكر فأرسل إليه : أكرهت خلافتي ؟ قال لا لم أكره خلافتك ، ولكن كان القرآن يزاد فيه ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم جعلت عليَّ أن لا أرتدي إلا الى الصلاة حتى أجمعه للناس ، فقال أبو بكر : نعم ما رأيت ) .

وروى في كنز العمال ج 13 ص 127 ( عن محمد بن سيرين قال لما توفي النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أقسم عليٌّ أن لا يرتدي برداء إلا الجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ، ففعل ، وأرسل إليه أبو بكر بعد أيام : أكرهت إمارتي يا أبا الحسن ؟ قال لا والله إلا أني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا الجمعة ! فبايعه ثم رجع ــ ابن أبي داود في المصاحف ) .

وقال ابن أبي شيبة في مصنفه ج 7 ص 204 ( ... عن ابن جريج وعن ابن سيرين عن عبيدة قال : القراءة التي عرضت على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في العام الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرأها الناس اليوم فيه) انتهى .

وَمَنِ الذي عرض على النبي صلى الله عليه وآله نسخته قبيل وفاته غير علي عليه السلام ؟! بل لم يدعِ ذلك أحد من المسلمين غيره ! وكفى بذلك دليلاً شرعياً !

وقد تقدم في تعداد أعضاء لجنة التدوين قول ابن سيرين ( كانوا إذا اختلفوا في الشئ أخروه حتى ينظروا آخرهم عهداً بالعرضة الأخيرة فكتبوه على قوله ) فهذا الكلام ولو كان ظناً من ابن سيرين ، لكنه يدل على أن المسلمين بمن فيهم اللجنة كانوا يعرفون قيمة النص ممن سمع العرضة الأخيرة من النبي صلى الله عليه وآله .. ومن يكون ذلك غير علي عليه السلام !

ثم إن من المعروف أن مصحفنا الفعلي الذي جمعه الخليفة عثمان ، بقراءة عاصم ، التي هي قراءة علي عليه السلام ! قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 426 : ( ... حفص ، عن عاصم ، عن أبي عبد الرحمن قال : لم أخالف علياً في شئ من قراءته ، وكنت أجمع حروف عليٍّ ، فألقى بها زيداً في المواسم بالمدينة فما اختلفنا إلا في التابوت كان زيد يقرأ بالهاء وعليٌّ بالتاء ) انتهى ، وهذه الرواية تكشف أن الذي صحح التابوت وجعله بالتاء هو علي عليه السلام ! وأن زيداً بقي يقرؤها بالهاء الى آخر عمره !

يبقى الإحتمال الرابع ، وهو أن يكون سعيد بن العاص أملى النص الذي وَثِقَ به أكثر من بين مجموع ما جمعوه ، وهو احتمال وجيه لكن لعمل اللجنة في المرحلة الأولى للجمع والتدوين حيث جمعوا من الناس مصاحف متعددة ، وصحفاً فيها أجزاء من القرآن أو سور ، وتناقشوا في بعضها .. ولكن سعيد بن العاص عندما يرى نسخة غضة كتبت بإملاء النبي صلى الله عليه وآله كما وصفها الخليفة عثمان بأنها ( القرآن الذي كتب عن فم رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم حين أوحاه الله الى جبريل ، وأوحاه جبريل الى محمد وأنزله عليه ، فإذا القرآن غض ) فهل يعقل أن يفضل سعيد عليها أيَّ نسخة أو رواية أخرى ؟!!

القران الذي بين ايدينا والمطبوع في المدينة المنورة روي انه ضبط على ما يوافق رواية حفص بن سليمان الكوفي لقراءة عاصم ابن أبي النجود الكوفي ، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي ، عن عثمان ابن عفان وعلي بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن ثابت وأبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه واله وسلم .

ولكن ما كتب من السند تثبت كتب الرجال بعضه وتنفي بعضه الاخر، فابوا عبد الرحمن السلمي لم يثبت انه سمع من عثمان وغيره وثبت سماعه من علي عليه السلام فنبحث هذه القضايا

اولا: سماعه من عثمان
فرواية ابي عبد الرحمن السلمي عن عثمان مشكوكة لم تثبت حيث ذكر الرجاليون ان ابا عبد الرحمن لم يسمع من عثمان

فهذا صاحب الطبقات ينقل انه لم يسمع من عثمان وسمع من علي

- الطبقات الكبرى - محمد بن سعد ج 6 ص 172 : (واسمه عبد الله بن حبيب روى عن علي وعبد الله وعثمان وقال حجاج بن محمد قال شعبة لم يسمع أبو عبد الرحمن السلمي من عثمان ولكن سمع من علي )

وكذلك ينقل صاحب الجرح والتعديل - الجرح والتعديل - الرازي ج 1 ص 131 : (حدثنا عبد الرحمن نا علي بن الحسن [ الهسنجاني - 1 ] ثنا احمد - يعني ابن حنبل - نا حجاج - يعني ابن محمد الاعور - قال قال شعبة : لم يسمع أبو عبد الرحمن - يعني السلمي - من عثمان ولكن [ سمع - 3 ] من علي) .

وهو ما ينقله ايضا ابن حبان في الثقات عن شعبة ويضم الى عثمان عبد الله بن مسعود ايضا

- الثقات - ابن حبان ج 5 ص 9 : (أبو عبد الرحمن السلمي اسمه عبد الله بن حبيب عداده في أهل الكوفة يروى عن عثمان وعلى وابن مسعود روى عنه الكوفيون مات سنة أربع وسبعين في ولاية بشر بن مروان على العراق وقد قيل سنة اثنتين وسبعين وزعم شعبة أن أبا عبد الرحمن لم يسمع من عثمان ولا عبد الله وسمع عليا)

ومثله الرازي في - الجرح والتعديل - الرازي ج 1 ص 131 : (حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا معاوية بن صالح بن ابي عبيد الله الاشعري قال حدثني يحيى بن معين نا حجاج بن محمد عن شعبة قال : لم يسمع أبوعبد الرحمن السلمي من عثمان ولا من عبد الله بن مسعود ولكنه قد سمع من علي) .

ثانيا:سماعه من زيد بن ثابت وابي بن كعب
ذكرت الكتب الرجالية من روى عنهم ابو عبد الرحمن السلمي فذكرت مجموعة صحت روايته عنهم ومجموعة اختلف في روايته عنهم من مثبت ومن ناف كعثمان وابن مسعود ولم يدع روايته عن زيد بن ثابت وابي بن كعب

- الجرح والتعديل - الرازي ج 5 ص 37 : 164( - عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمى القارئ روى عن عثمان وعلى وابن مسعود ، روى عن عمر ، مرسل ، روى عنه سعد بن عبيدة وابو اسحاق الهمداني وابراهيم النخعي ومسلم البطين وابو حصين والسدى وعاصم بن بهدلة وعطاء بن السائب سمعت ابي يقول ذلك ).

- معرفة الثقات - العجلي ج 2 ص 413 : ( 2196 ) أبو عبد الرحمن السلمي المقرئ الاعمى كوفى من أصحاب عبد الله ثقة وكان يقرئ في زمان عثمان إلى زمان الحجاج وقرأ على عثمان بن عفان وعرض على على بن أبي طالب )

مع ان القراءة الموجودة في المصحف تختلف عن قراءة زيد بن ثابت وأبي بن كعب فلا بد ان تكون قراءة غير قراءتهما والقدر المتيقن هو قراءة علي عليه السلام فأما انه لم يقرا عليهما أو قرا عليهما واخذ منهما القراءة الموافقة لقراءة علي وترك ما يخالف قراءته وإذا كان قد اخذ من عثمان فقد يكون الأمر كذلك أي أنه أخذ من عثمان ما يوافق قراءة علي عليه السلام وترك الباقي!

ويؤيد هذا الكلام ما روي في قراءته على عثمان عند من يؤمن بأنه قرأ عليه حيث قال بعضهم بأنه بعد قراءته على عثمان عرض ما قراه على علي عليه السلام ليصحح له القراءة فكانت القراءة النهائية هي قراءة علي عليه السلام

- معرفة الثقات - العجلي ج 2 ص 413 : ( 2196 ) أبو عبد الرحمن السلمي المقرئ الأعمى كوفى من أصحاب عبد الله ثقة وكان يقرئ في زمان عثمان إلى زمان الحجاج وقرأ على عثمان بن عفان وعرض على على بن أبي طالب

ثالثا: ابو عبد الرحمن يقول انه اخذ القراءة من علي
- الطبقات الكبرى - محمد بن سعد ج 6 ص 172 : أخبرنا عفان بن مسلم قال حدثنا أبان العطار عن عاصم عن أبي عبد الرحمن قال أخذت القراءة عن علي

رابعا: ونص ابو عبد الرحمن على ان اقرا الناس هو علي بن ابي طالب

ولا يعقل ان يراه اقرا الناس ثم يعتمد غير قراءته

- المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي ج 1 ص 390 : ( 21 ) حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن أنه قال : ما رأيت رجلا أقرأ من علي إنه قرأ بنا في صلاة الفجر بالانبياء قال : إذا بلغ رأس السبعين ترك منها آية فقرأ بعدها ثم ذكر فرجع فقرأها ثم رجع إلى مكانه الذي كان قرأ لما يتتعتع .

- شواهد التنزيل - الحاكم الحسكاني ج 1 ص 33 : 17 - أخبرنا أبو سعد الحافظ قال : أخبرنا أبو الحسين الكهيلي بالكوفة سنة ثلاث وثمانين قال : أخبرنا أبو جعفر الحضرمي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال : حدثنا ابن فضيل عن عطاء : عن أبي عبد الرحمان [ السلمي ] قال : ما رأيت أحدا أقرأ من علي عليه السلام .

- شواهد التنزيل - الحاكم الحسكاني ج 1 ص 34 : 19 - قال : [ و ] حدثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمان السلمي قال : ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب .

خامسا:يؤيد ما ذكرناه أن أبا عبد الرحمن السلمي كوفي وقد قرأ القران على علي في الكوفة أيام خلافته ونقلت عنه هذه القراءة بعد ذلك إلى زمن الحجاج فتكون هذه القراءة هي القراءة التي أخذها عن علي عليه السلام

ونتيجة البحث
1- عدم ثبوت قراءة ابي عبد الرحمن على غير علي عليه السلام للاختلاف في روايته وقراءته على غيره
2- ثبوت قراءته عن علي بل هي المجمع عليها والمنصوص عليها في كتب الرجال
3- على فرض قراءته على غير علي فقد عرض على علي آخر المطاف فكانت القراءة النهائية موافقة لقراءة علي عليه السلام

ابن مسعود حفظ من النبي سبعين سورة فقط وعلى رواية البخاري بضعا وسبعين والباقي حفظه من امامنا علي بن ابي طالب عليه السلام

- صحيح البخارى - البخاري ج 6 ص 102 : عمر بن حفص حدثنا أبى حدثنا الاعمش حدثنا شقيق بن سلمة قال خطبنا عبد الله بن مسعود فقال والله لقد اخذت من في رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بضعا وسبعين سورة والله لقد علم اصحاب النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم انى من اعلمهم بكتاب الله وما انا بخيرهم قال شقيق فجلست في الحلق اسمع ما يقولون فما سمعت رادا يقول غير ذلك

وقد نص بن مسعود في روايات اخرى انه اخذ الباقي من خير الناس علي بن ابي طالب

وزر بن حبيش قرا القران كله على علي ايضا وان كان قد قرا على ابن مسعود فابن مسعود قد قرا على علي فيعود القران الى علي عليه السلام

- كنز العمال - المتقي الهندي ج 2 ص 351 : 4221 - عن زر بن حبيش قال : قرأت القرآن من أوله إلى آخره على علي بن ابى طالب ، فلما بلغت الحواميم قال : لقد بلغت عرائس القرآن ، فلما بلغت رأس ثنتين وعشرين آية من حمعسق ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ) الاية بكى حتى ارتفع نحيبه ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : يا زر أمن على دعائي ، ثم قال : اللهم انى أسألك إخبات المخبتين ، واخلاص الموقنين ، ومرافقة الابرار واستحقاق حقائق الايمان ، والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ووجوب رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار *

فالقران مع علي عليه السلام ومنه اخذ!

فهذا المصحف مصحف امامنا علي عليه السلام رواه عنه شيعته وخواصه من اهل الكوفة فاين مصحف عثمان ومن رواه عنه؟

ثالثاً وأخيراً: كيف هان عليكم إتهام الشيعة بأنهم يوافقون على تحريف القرآن؟ لماذا هذا الإفتراء والكذب، والإتهام؟ أولم تعلم الآن مما ذكرنا أعلاه بأن الشيعة هم حفظة القرآن وهم من حافظوا عليه!

وأحب أن أضيف بأن هناك تحريف فعلاً حاصل، وهو تحريف تأويل القرآن، ولهذا وجدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد قاتل على التأويل، ولا يقاتل على التأويل إلا من حفظ القرآن نصاً وتأويلاً، وقد أخذنا القرآن عنه لا عن غيره فجاء في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن قدامة -واللفظ له- عن جرير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن عن أبي سعيد الخدري قال «كنا جلوساً نتظر ررسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فخرج إلينا قد إنقطع شسه نعله، فرمى بها إلى "علي"»، فقال: «إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله». فقال أبو بكر: أنا؟ قال: «لا»، قال عمر: أنا؟ قال: «لا»، ولكن صاحب النعل».

إسناده حسن، والحديث صحيح. والحديث أخرجه:
أحمد (3/31، 33،82)،
القطيعي في زوائد "الفضائل" (1071، 1083)،
بن أبي شيبة (12/64)،
أبو نعيم في "الحلية" (1/67)،
بن حبان(15/385/6937)،
الحاكم (3/122)،
بن عدي في "الكامل" (7/2666)،
البغوي في "شرح السنة" (10/33)،
الخوارزي في "المناقب"(243)،
بن المؤيد في "فرائد السمطين" (1/159-161، 280)،
أبو يعلى في "مسنده" (2/341/1086), وغيرهم. من طرق ؛ عن: إسماعيل بن رجاء به.
وقال الحاكم:«صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبي.
وإنما هو على شرط مسلم وحده، فرجاء بن ربيعة لم يخرج له البخاري.

يصرح علاء الدين الكاساني (ت587 هـ) وهو من علماء العامة بأن أمير المؤمنين صلوات الله عليه إمام حق منصوصٌ عليه من قبل الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله وأن يقاتل على التأويل كما قاتل رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله على التنزيل، فقال في بدائع الصنائع ج: 7 ص: 140: وكذا قاتل سيدنا علي رضي الله عنه أهل حروراء بالنهروان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم تصديقا لقوله عليه الصلاة والسلام لسيدنا علي إنك تقاتل على التأويل كما تقاتل على التنزيل والقتال على التأويل هو القتال مع الخوارج ودل الحديث على إمامة سيدنا علي رضي الله عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه قتال سيدنا علي رضي الله عنه على التأويل بقتاله على التنزيل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتاله بالتنزيل فلزم أن يكون سيدنا علي محقا في قتاله بالتأويل فلو لم يكن إمام حق لما كان محقا في قتاله إياهم ولأنهم ساعون في الأرض بالفساد فيقتلون دفعا للفساد على وجه الأرض وإن قاتلهم قبل الدعوة لا بأس بذلك لأن الدعوة قد بلغتهم لكونهم في دار الإسلام ومن المسلمين أيضا ويجب على كل من دعاه الإمام إلى قتالهم أن يجيبه إلى ذلك ولا يسعه التخلف إذا كان عنده غنا وقدرة لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية فرض فكيف فيما هو طاعة والله سبحانه وتعالى الموفق.. إنتهى.

وأضيف بأن حرب الإمام علي صلوات الله عليه هو حرب الرسول الأعظم صلوات الله عليه وهذا يشمل جميع حروب الإمام صلوات الله عليه فمن رفع السيف في وجهه كإنما رفعها ( بل رفعها فعلاً ) في وجهه صلوات الله عليه وعلى آله!

والحمد لله رب العالمين،،،