موقع المرأة في النظام الإسلامي

18 أبريل 2010
21
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بين الفينة والفينة تثار مسألة كرامة المرأة وقيمتها، مع التشويش على بعض أحاديث الآحاد التي لا اعتبار بها في التقليل من شأن المرأة ، وكأن الشخص اكتشف نقصاً في الإسلام فيحاول الطعن بالمرأة بعنوان أنه رأي الإسلام أو لازم ما يراه الإسلام.

والحقيقة أن هذا كله لا قيمة له إطلاقا ولا يصح أبدا.
والسر في اشتباه أبنائنا وبناتنا حفظهم الله ورعاهم ، يرجع إلى ( القراءة التجزيئية) بدل (القراءة الشاملة)
وهذه في الحقيقة تمثل معضلة حقيقية الآن في تناول القضايا الدينية ، لأن القراءة الجزئية أو التجزيئية تخرّب المفاهيم وتقلبها رأسا على عقب، ولعل من المفيد أن نشير إلى وجوب توقف المثقف عند حده حين يرى أنه قرأ جزئيا في موضوع بدون شمول وفهم لكامل الأطراف.
وقضية المرأة قضية خطرة جدا إذا قرأت بكل جزئي ، لأن القارئ إذا اختار خصائص المرأة التكوينية واعتبرها احتقارا لها فسيبني نظرية ظالمة للمرأة المكرمة في الإسلام وسوف يقوم بتشكيك المرأة بإسلامها بل بإنسانيتها،بلا سبب حقيقي وبفهم خاطئ جدا.

ولهذا أهيب بكل مسلم أن يقف موقف المتحرج من إصدار الإحكام في المواضيع الخطير كموضوع المرأة وغيره من المواضيع واللجوء إلى المتخصص في شرح الموقف، لأن المتخصص له الفرصة للقراءة الشاملة. وسوف يجيب بما يناسب الموضوع وبما يحفظ الحقوق والكرامات.

مبدأ الاشتباه عند المتسرعين من شبابنا حفظهم الله هو ( عدم التفريق بين نظام الحقوق والواجبات ،،،، وبين الأحكام المبنية على الفروق التكوينية) وهذا خلل في أساس تناول الأحكام.

إن الإسلام مبني على جملة قوانين أساسية منها أن الحكام تابعة لمصالح ومفاسد العباد ومنها أنها مبنية على الاستطاعة واستحالة التكليف بغير المقدور أو بما لا يطاق.

وكل الإحكام الفارقة بين الرجل والمرأة هي في الحقيقة تمثل العدل واستيفاء الحقوق .
وسأشرح ذلك بإيجاز ثم انقل نصوصا كاملة لعالم متخصص .

لا شك أن التساوي إجباري في نظام المعرفة والحقوق والواجبات والقيم ، ولكن الأحكام ليست جميعها نابعة من نظام الحقوق والواجبات، و إنما قسم منها يتعلق باستطاعة الإنسان نفسه وبنظامه التكويني والبنيوي.

الرجل يختلف عن المرأة في بعض الجوانب الجسدية متمثلة بالفروق الفسلجية والكيمائية الحيوية، وبالتالي الطبيعة التركيبية للعاطفة والعقل عند المرأة المختلف عنها عند الرجل.

مع التأكيد أن اغلب نقاط الاختلاف هي تعقيدات و رقي كبير في فسلجة المرأة وتكوينها البايولوجي.
أن من يحاول دراسة جسم الإنسان طبيا لا يعسر عليه أن يكتشف النظام، الشديد التعقيد، في جسد المرأة الذي يمثل تعقيدات كبيرة وغاية في التطور ، كما هي العلاقات بين الهرمونات والوظائف الإنسانية.
وكلنا يعلم بأن الجسد كلما ترقى وتعقد، رق وضعف ذاتيا، لأن التعقيد في الخلقة يتوازى مع الضعف النسبي .
ولكن لا يعني ذلك سرعة التلف بالضرورة فالمرأة وهي اكثر تعقيدا من ناحية بنائية واضعف بنية، ولكنها أقوى إرادة من الرجل، أطول عمرا، واكثر تحملا للظروف المناخية وللمشاكل النفسية، وهي اقل من الرجال تعرضا لأمراض عقلية ، بل هناك حقيقة مهمة جدا وهي أن المرأة مادامت دورة الحيض عندها مستمرة فلا يمكن أن تصاب بأمراض تصلب الشرايين والسكتة القلبية.
ولهذا لا تبدوا أعراض القلب على النساء إلا بعد سن الخمسين بينما الرجال غير محصنين من المرض حتى بأعمار الزهور.

وهذا يدل على أن من الخطأ إصدار حكم تعميمي مبني على نظرة إلى نقص محدد والبناء عليه ، فمن ينظر إلى ضعف المرأة في البنية العضلية ويعتبره نقصا فقد نسي أنها أطول عمرا واصح صحة في القلب والنفس.

فهل يصح أن نقول بأن الرجال ناقصوا عقول وناقصوا مروءة؟ لأن أعمارهم اقصر ولأنهم يصابون بالإمراض العقلية والنفسية بنسبة أكبر من النساء.

مثل هذه الأحكام مبنية على الخطأ من الأساس.

وهنا سأشرح فرقا واحدا ، من أجل أن أبين الفرق في تحليل النظر واترك الباقي لمتخصص يقول كلمته.

نقص العبادة بالنسبة للمرأة ، يعتبره الكثير نقصا على المرأة ، وهو في الحقيقة لا يعدو أن يكون حكما تابعا للنظام التكويني للمرأة وهو عين العدل في التكليف.
فالمرأة بدورتها النسائية تقوم بأهم شيء في وجودنا وهو بقاء نسلنا جميعا، وبقاء الإنسان على هذا الكوكب، وهذه أعظم مصلحة عند الإنسانية أجمع لا يمكن أن يضحي بها إلا مجنون.
وهذا العمل العظيم الذي تقوم به المرأة والذي يبدأ بمظاهر الدورة الشهرية، يعتبر ميزة وكرامة لها تستحق عليه تغييرا في شكل العبادة مما لا يتعارض مع التكوين السامي للمرأة ولمهمتها.
وعليه فإن من الممكن أن نقول بأن الوضع المؤذي للمرأة لا يسمح بالتكليف الاعتيادي لها من دون إعطائها تكريما لهذه الفترة .
واعظم تكريم لها أن نعترف بأهمية هذه الفترة ونميزها حكمياً من ناحية وأن نجعل الحكم يتوازى مع الواقع بحيث لا يكون تكليفا بما لا يطاق. وهذا قمة التكريم والاعتراف بالتميز.
ولهذا كان نقص العبادة في فترات نسائية مميزة.

فالنظر الواعي يقلِب النيل من الكرامة، إلى تكريم تام وكرامة غير منقوصة.

وهذا لا يتأتى من قراءة تجزيئية بسيطة بل هو وليد قراءة شاملة. فتعبير ناقصات الدين الذي ورد في روايات الآحاد يجب أن يحمل على النقص في التكليف وهو الدين، وهو تكريم لها لأن العبء الذي منع التكليف هو أجل واعظم ما يحمل الإنسان وهو الوجود نفسه.
ولا يصح قراءة النص على أنه مجرد تحقير لمقام المرأة، بل هو بيان للإعفاء من التكليف بسبب أهم من التكليف نفسه وإلا لما أعفيت المرأة من التكليف العظيم.

فهكذا يجب أن نقرأ النصوص بقراءة واعية شاملة، وليس بقراءة سطحية تجزيئية.




السلام عليكم ورحمة الله

وهنا في سبيل أن أحيل الأخوة الأفاضل إلى رأي أحد المتخصصين، وهو المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه- مسائل حرجة في فقه المرأة -الكتاب الثاني- أهلية المرأة لتولي السلطة .
وهو كتاب صغير ولكن بما انه غير متوفر في الأسواق فسأضطر إلى نقل النص المهم المتعلق بالموضوع أحياءِ لذكرى هذا العالم الجليل واستخراجا لكنوز العلم المدفون في الكتب والذي يغفل عنه شبابنا حفظهم الله.

وأنا متأكد انه حين يقرأ شبابنا هذا الكلام سيشعر براحة نفسية وأجوبة شافية تريحه من التخبط والشكوك والقراءة الجزئية المبتورة للنصوص.

مسائل حرجة في فقه المرأة
-الكتاب الثاني-
أهلية المرأة لتولي السلطة .
سماحة العلامة الحجة الشيخ محمد مهدي شمس الدين
رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان


الصفحة 12 وما بعدها

موقع المرأة في النظام الإسلامي


إن المرأة في النظام الإسلامي (نظام المعرفة والحقوق والقيم) تتبوأ نفس الموقع الذي يتبوأه الرجل في القيمة الإنسانية والمركز الحقوقي.

وقد دلت على ذلك آيات القرآن الكريم ، وأحاديث السنة الشريفة المتواترة المعنى.

فمما ورد في الكتاب العزيز في هذا الشأن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة)(النساء: من الآية1)

وقوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)(آل عمران: من الآية195)
وقوله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)(الاسراء: من الآية70)

ومما ورد من السنة جملة من الروايات نذكر منها:

1- رواية الكليني ، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب. وإنما زوّجه لتتضع المناكح، وليتأسوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليعلموا أن أكرمهم عند الله اتقاهم" . الكافي ، الفروع ج5 ص344 ح1

2- رواية ابن بابويه، في من لا يحضره الفقيه: " المؤمنون بعضهم أكفاء بعض" . من لا يحضره الفقيه ج3،ص249، ح1185
3- وبهذا المعنى ما روي في سنن أبي داود، ومسند أحمد ، وسنن الترمذي، من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال". صحيح الجامع الصغير ح 2329

وعلى هذا الأساس أكّد الإسلام أهلية المرأة الكاملة للحياة الروحية والتسامي فيها إلى أعلى المراتب، فأهليتها للتقرب من الله تعالى بالطاعة والعبادة كأهلية الرجل تماما.
وقد ورد التصريح بهذه الحقيقة في القرآن الكريم في عدة آيات منها قوله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب:35)

ومنها قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)

وبهذا أكد طهارتها الذاتية وبراءتها الأصلية في مقابل وصمها بالخطيئة الأصلية، لما نسب إلى السيدة حواء رضوان الله عليها من أنها ارتكبت المعصية الأولى بتناول الثمرة المحرمة، كما شاع ذلك في اليهودية والنصرانية وغيرهما من الديانات القديمة.

فبين الله تعالى أن مخالفة الإرشاد الإلهي لم تحصل من حواء وحدها بل شاركها فيها زوجها آدم عليه السلام، فنسب المخالفة إليها تارة ، وخص بها آدم عليه السلام أخرى.
فقال تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)(البقرة: من الآية36). )

وقال تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا)(لأعراف: من الآية20)
فبين أنهما استجابا لداعي الشيطان، ما ترتب على ذلك من عقوبة تمثلت في الأثر الوضعي للمخالفة بإخراجهما من وضع النعمة الإلهية الذي كانا فيه و ببدوّ سوآتهما.

كما أشار القرآن إلى تفرد الرجل (آدم عليه السلام) بالمعصية فقال تعالى: ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)(طـه: من الآية121)
ولعل نسبة مخالفة الإرشاد إليه وحده ، مع عدم انفراده بها ، ناشئة من مسئوليته القيادية في الحياة العائلية.

ولعل لذلك منشأ آخر أيضا وهو الإيحاء بالرد على العقيدة الشائعة في اليهودية والنصرانية بأن الشيطان أغوى حواء، فارتكبت معصية النهي الإلهي بعدم الأكل من الشجرة، كما ورد ذلك مفصلاً في بعض فصول التوراة والإنجيل المتداولة.

فما ربما يقال: من أن إفراد الرجل بالذكر في هذه الآية مشعر بمسئوليته القيادية في الحياة مطلقا، لأن إفراده يوحي بأنه اكثر مسؤولية من المرأة وأنها تابعة له ومتأثرة به.

لا وجه له: لما ذكرنا من جهة ولأنه تعالى حملهما المسؤولية معا وعلى نحو الاشتراك.

ثم أن الله تعالى بين ان آدم وزوجه تابا وقبل الله توبتهما، فقال تعالى: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (لأعراف:23)

ثم قطع الله دابر كل شبهة في سريان آثار الذنب إلى غير مرتكبه، وبين أن البشر بريئون مما ارتكب أبواهم، فقال تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة:134)

وقد رتب الله تعالى على تأكيد تمتع المرأة بالإنسانية الكاملة وأهليتها الروحية والأخلاقية الكاملة، وطهارتها وبراءتها الكاملة، ووجوب إكرامها واحترامها، وحرَم كل إساءة إليها وتشاؤم فيها. بنتا وأختا وأمّا وزوجة وعضوا في المجتمع.

فحرم الله وأد الأنثى وذم التشاؤم بها و كراهة ولادتها، وسمى ذلك حكما سيئا:

فقال تعالى في شأن الوأد : (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير:8-9)

وقال تعالى في شأن التشاؤم بالأنثى، في سياق بيان بعض ملامح ثقافة الشرك والجاهلية وسلوك المشركين: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ.يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (النحل:58-59)

و أوجب إكرام المرأة في المجتمع بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم)(الاسراء: من الآية70)

وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11)

وخصص المرأة بأعظم التكريم والرعاية والاحترام ، فقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً )(الاحقاف: من الآية15)

ورفع المرأة، الزوجة، من مستوى الرقيق، التابعة للزوج، إلى مستوى الشريك الكامل ، فقال تعالى من جملة آيات كثيرة : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)(الروم: من الآية21)
وقال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف)(النساء: من الآية19) .

لقد بين القرآن الكريم أصول النظرة إلى المرأة في جميع حالات و أصول السلوك تجاهها ، وفصلّت السنة ذلك في مئات الروايات التي لا تترك أدنى اثر للشك في مساواة المرأة للرجل في الكرامة ، والأهلية ، والحقوق.
وقد ترتب على ذلك وضع حقوقي اثبتة الشارع المقدس للمرأة في مجال الأهلية الشخصية (في الولاية على الذات)و الاقتصادية، فأثبت لها الولاية على نفسها ومالها وعملها حين تبلغ سن التكليف وتكون رشيدة في تصرفاتها.

ولم يجعل لأحد عليها ولاية في شيء إلا في موردين:

أولهما- الأب والجد للأب في شأن الزواج إذا كانت بكرا، على القول الراجح عندنا مقابل قول باستقلالها المطلق وعدم ولايتهما، وهو القول المشهور. وولايتهما – بناء عليها- ليست مطلقة ولا استبدادية ولا استقلالية، بل هي في حدود النظر لمصلحة البنت وبضميمة ولايتهما على نفسه.

المنار يقول: من يقول بولايتهما لا يبطل تصرفها خارج ولايتهما فإذا زوجت نفسها من دون أمرهما لا حق لهما بفسخ العقد.

وثانيهما – الزوج في خصوص ما يتعلق بحقوق الزوجية في مجال الاستمتاع ..

وفيما عدا هذين الموردين لا قيد لها ، ولا ولاية لأحد عليها .

لقد ساوى الإسلام بينها وبين الرجل في كل شيء، سوى بعض الموارد التي اختلف فيها وضعها الحقوقي عن الرجل لأسباب موضوعية ناشئة من نفس مجال الاختلاف، ولا طاعة
لها بكرامتها ولا بأهليتها العامة .

وهذه الموارد هي : الشهادة، والميراث، والدية، وحق الطلاق.

ونشرح فيما يلي بإيجاز منشأ الاختلاف في هذه الموارد ليتبين أنه ناشئ من (طبيعة الموارد) وليس من (دونية المرأة).




1- الشهادة :

قال الله تعالى( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)(البقرة: من الآية282) . فقد صرح المفسرون بأن المراد من الضلال هو النسيان كما في مجمع البيان، ولسان الاية لسان التعليل بذلك ، فأن قوله تعالى (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا )(البقرة: من الآية282) تعليل لاعتبار التعدد الهادف إلى تذكير في حالة النسيان

ان الشهادة –كما دلت عليه النصوص الشرعية ، وحققه الفقهاء- لابد أن تكون عن حس في جملته وفي جميع تفاصيلها، ولا يكفي فيها الاستنتاج والظن.
وهذا يقتضي معايشة مباشرة للأحداث والتصرفات والعلاقات المشهودة عليها، ولا يكفي فيها السماع أو الحضور الآني الحدود.

والمرأة –غالباً- مستغرقة في حياتها العائلية والمنزلية ، وشؤونها الخاصة، وقلما تعايش الأحداث والمنازعات والاتفاقات على نحو تكون قادرة على ضبط وقائعها ووعيها، بحيث تكون شهادتها فيها عن (حس) لجميع تفاصيلها وخصوصياتها.

ولو عايشت امرأة حدثاً على هذا النحو ، فإن اهتمامات حياتها اليومية ومشاغلها الأساسية في منزلها أسرتها وعلاقاتها الخاصة، إضافة الى مزاجها الخاص، تؤثر _بالتأكيد-على ذاكرتها ووعيها للوقائع والتفاصيل في موضوع الشهادة.
لهذه الأسباب الموضوعية الناشئة من طبيعة الشهادة ،التي تحكم حياة معظم النساء –ولا عبرة بالشذوذ – واحترازاً لحقوق الناس من الضياع اعتبرت الشريعة الإسلامية التعدد في شهادة المرأة، وعدم الإكتفاء بشهادة امرأة واحدة.
ولو شهد رجل عدل في قضية، وكان مصاباً بارتباك يؤثر على ضبطه لخصوصيات الموضوع المشهود عليه، ويعرضه لنسيان بعض التفاصيل والخصوصيات، فإنه لا يصلح للشهادة ولا تكفي شهادته، لهذا العامل الموضوعي لا لنقص في كرامته وأهليته الأصلية.

وقد صرحت الآية المباركة المشرعة لهذا المبدأ القاضي بالاعتبار الموضوعي المقتضي لهذا التشريع في قوله تعالى (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)(البقرة: من الآية282) فتتكامل شهادتان باستيفاء جميع عناصر القضية المشهود عليها، وسدّ الثغرات – إن وجدت – في شهادة إحداهما بشهادة الأخرى.

ويؤكد هذا العامل الموضوعي في اعتبار التعدد في شهادة النساء، وعدم نشوء اعتبار التعدد من أي نقص في الكرامة و الأهلية، قبول شهادة المرأة وحدها فيما يختص بشؤون النساء مما لا يطلع عليها –غالباً- سوى المرأة، من قبيل بكارة المرأة و ثيبوبتها وولادتها، والعاهات والعيوب الجنسية في المرأة ، وما إلى ذلك من شؤون النساء.

المنار يقول: إن مسألة حضور شاهدين عدلين في كثير من القضايا يعم الرجل أيضا، كالبينة وغيرها. بل هناك ما هو اكثر من ذلك.
وهو شرط الشهود الأربعة في شهادة الزنا وأمثاله.
وحتى في العقود والإيقاعات، فلا يكفي في شهادة الطلاق في مذهب أهل البيت أقل من حضور شاهدين عدلين.
وهذا لا علاقة له لقيمة الشاهد نفسه ،وإنما هناك قيمة موضوعية لموضوع الشهادة.

فكما قال المرحوم شمس الدين أن اشتراط الحضور والشهادة الحسية هي تكليف من هو قادر عليها، وأما من لا يكون عادة من الحاضرين لموارد العقود والخلافات، كالنساء، فلا يجب تكليفهم بما لا يطيقون من تحمل عبء الشهادة. وهذا قمة التكريم

فتكليف النساء بتعاضد الشهادة تكريم للمرأة وتقليل من تحميلها المسؤولية مع حفظ كامل حقوقها وحفظ كرامتها.
بل الإكرام لها أن لا تحمل ما تكون عادة قليلة الحضور فيه.
فوجود امرأة ثانية مساندة تذكرها تجعل من المسؤولية الضميرية أقرب للصواب.
وأنا كرجل لا أتمنى أبدا، أن أكون شاهدا مفردا، فهذه مسؤولية لا يتحملها ضميري لإمكان الاشتباه، فاحب أن يذكّرني من حضر معي الحادثة.
وهذا لا ينقص من شأني بل يزيد منه عزة وثقة في الشهادة والحكم.
فلو وجدت نصا شرعيا على مساندة شهادتي بشاهد أكون قد ارتحت ضميريا وزادت كرامتي اكثر لأنني سيصير لي بصيرة من الأمر يختلف عنها تحمل المسؤولية المفردة .

فهذه قراءة أخرى لمسألة الشهادة للمرأة وتكريمها بكون الأحكام الصادرة منها أكثر عصمة بينما لم يطلب الله هذا من الرجل ، فهو قد عصم المرأة من الاشتباه بزيادة عدد الشهود في القضايا ، ولكن يعصم الرجل من ذلك وجعله في ورطة حقيقية وتكليف كبير وصعب، وهذا بسبب تصديه للحياة الاجتماعية والتواجد أكثر من المرأة.

وبهذا تبين أن فهم السطحيين خاطئ جدا في تصور وجوب تعاضد شهادة المرأة على أنه نقص من كرامتها بل هو زيادة كرامة وحفظ لها من الخطأ لم يطلب من الرجل . فكل ما عداه من تصور إنما هو الخطأ بعينه.




2و3-الميراث والدية:

في الغالب حالات الإرث ، ترث البنت نصف نصيب الذكر، كما أن دية المرأة نصف دية الرجل.

وهذا التفاوت ليس ناشئاً من نقص في القيمة الإنسانية للمرأة وكون الرجل اكمل إنسانية منها.

بل هو ناشئ من أن المرأة ، بحسب ما قرره الإسلام في الشريعة، تتمتع بامتيازات اقتصادية على مستوى الأسرة لا يتمتع بها الرجل، بل يتحمل الرجل أعباء اقتصادية لا تتحملها المرأة.

فالرجل يتحمل مهر الزوجة، ونفقات العرس، وتأسيس بيت الزوجية وتأثيثه، وينفق على الزوجة وعلى الأولاد، وتقع عليه الأولوية الأولى في النفقة على أبويه إذا كانا فقيرين.

وهذه كلها نفقات واجبة عليه بحسب أحكام الشريعة ، ولا يجب على المرأة فيها شيء .

فحصة الرجل في الميراث معّرضة للإنفاق غالباً وليست موضوعاً للإحراز و الادخار،بينما حصة المرأة من الميراث لا تواجه أي عبء مالي إذ لا يجب عليها كما يجب على الابن والوالد والزوج من النفقة، فما يصل إليها من الميراث هو –غالباً-للادخار والإحراز.

وكذلك الحال في الدية :

فإن فقدان الرجل من الأسرة يفقدها كافلها وعائله بينما لا يسبب فقد الأسرة للمرأة انقطاع موردها الاقتصادية ، بل يسبب لها –كما يسبب فقد الرجل أيضا - نكبة عاطفية وخسارة معنوية، وهذا ما لا يقدر بالمال .

فلحظ الشارع في دية الرجل النكبة الاقتصادية بفقده، فجعل ديته على الضعف من دية المرأة ، ولاحظ عدم تأثير فقد المرأة على الأسرة من الناحية الاقتصادية غالباً ، فجعل ديتها نصف دية الرجل.

فتقدير الدية يخضع لاعتبارات اقتصادية محضة، وأما الاعتبارات الإنسانية والمعنوية والعاطفية ، فهي لا تقدر بالمال في الرجل والمرأة على السواء.

المنار يقول :
لا علاقة لمقدار الحصص في الإرث بكرامات الأفراد فالأم اكرم عند الله من الأولاد جميعهم ولكنها لا تأخذ اكثر من السدس مع الأب والأولاد وقد تحجب على ما زاد عن السدس مع الأب والبنت إذا كان له اخوة حاجبون لها وإن كانوا محجوبون بها .

فالبناء في الإرث على حسابات يعلمها الله ولكن نرى أن الرجل اكثر حصة إذا اجتمع مع المرأة وهذا ما يرجح كون الولاية الاقتصادية لها دخالة في التوزيع كما قال الشيخ رحمه الله.
و أما البناء في الدية فعلى ما قاله الشيخ، ويمكن إضافة أمر دقيق وهو أن الأحكام تتبع الغالب ، والغالب في القتل هو للرجال بحيث قد تكون النسبة واحد الى عشرة ، وهذا يعني أن الدية التي هي كعقوبة وكغرامة تكون اكبر كلما كان موضع العرض للجريمة أكبر من أجل زيادة الردع.





4- الطلاق:

جعل الإسلام سلطة الطلاق والولاية عليه بيد الزوج.

وهذا ليس لأن الرجل أكمل إنسانية من المرأة، أو لأن له ولاية أصلية عليها، بل لأن الطلاق إجراء خطير جداً حيث انه يحلّ كيان الأسرة ويحرر الزوجين من علاقتهما الزوجية،وهو إجراء كريه مذموم في الشريعة الإسلامية.

في غير حالات الضرورة التي لا ينفع فيها علاج ولا ينجح فيها إصلاح ينقذ الأسرة من التفكك، ويخلص أفرادها من الشقاء.
وطبيعة مؤسسة الأسرة ، ودرجة مسؤولية الزوج فيها وعنها من جهة ، وطبيعة الخلافات الزوجية التي تؤدي إلى الطلاق، تقضيان بجعل الطلاق من صلاحيات الزوج دون الزوجة.

فإن جميع الفروض العقلية في سلطة الطلاق -عدا كونها بيد الزوج- فروض بيّنة الفساد، تعرّض دائماَ الأسرة لخطر التفكيك، أو تخلق أوضاع لا يمكن التغلب فيها على المشاكل ولا يمكن التوصل فيها إلى حل سليم .

فإن الفروض العقلية لسلطة الطلاق منحصرة في الصور التالية:-

1- إما تجعل سلطة الطلاق للزوج فقط على نحو الاستقلال- في حالة عدم وجود شروط في العقد يقيّد هذه السلطة- وهذا ما قررته الشريعة الإسلامية .
2- أن تجعل سلطة الطلاق للزوجة فقط على نحو الاستقلال.
3- أن تجعل سلطة الطلاق للزوج والزوجة، إما بشرط اتفاقهما، أو بأن تكون لكل واحد منهما سلطة إيقاع الطلاق على نحو الاستقلال.
4- أن لا يكون لأي منهما سلطة إجراء الطلاق، بل تكون لطرف ثالث وهو المحكمة .
أن فحص جميع هذه الفروض يكشف عن أن ماعدا الفرض الأول - وهو ما قررته الشريعة الإسلامية- بيّنة الفساد و تعرّض الأسرة إلى أخطار الانحلال من دون مبرر حقيقي لذلك، أو الاضطراب .
و لا يحل مشكلة الزوج أو الزوجة أو هما معاَ عندما تتوتر العلاقات بينهما وتقع الخصومات لأسباب مسلكية،أو سبب خارج عن إرادتهما كالعقم أو المرض أو العجز الجنسي مثلاَ.
ونحلل فيما يلي هذه الفروض لنرى درجة صلاحية أي منها ليكون بديلا عما قررته الشريعة الإسلامية :

1- أما فرض جعل سلطة الطلاق للمرأة فقط على نحو الاستقلال، فيتوقف صلاحه على المرأة المؤهلة لذلك من الناحية النفسية والعاطفية من جهة وعلى مدى مساهمتها الاقتصادية في إنشاء كيان الأسرة وديمومتها من جهة أخرى .
أ- أما بالنسبة إلى العامل النفسي -العاطفي ، فإن التكوين النفسي والعاطفي للمرأة يجعلها شديدة التأثير والانفعال بالمثيرات العاطفية والنفسية ، سريعة الاستجابة إلى ما تقتضيه هذه المثيرات من ردود أفعال سلبية أو إيجابية .
وهذه خاصة من خواص الحالة النفسية للمرأة تعتبر فضيلة لها وعنصر من عناصر التكامل والعافية في شخصيتها إذا كان مجال فعلها في الأسرة الأبوية والزوجية، لأنها في هذين المجالين عنصر من عناصر التلاحم والتوحيد و الاستقرار.
أما في مجال السلطة على تفكيك المؤسسة الزوجية وحلها ، فإن هذه الخاصة النفسية تكون عاملاَ سلبيا ضاراَ يهدد الأسرة دائماَ بالتفكك والانحلال، لأن سرعة التأثر العاطفي والانفعال النفسي تدفع بالمرأة إلى الاستجابة باستخدام سلطة الطلاق عند أي خلاف بينها وبين زوجها
وقد أثبتت الدراسات الميدانية والاحصاءات هذه الحقيقة في المجتمعات التي أعطت المرأة سلطة الطلاق.

ب- وأما بالنسبة للعامل الاقتصادي من حيث ما يستلزمه تكوين الأسرة وديمومتها من تكاليف مالية واقتصادية، فإن الزوج هو الذي يدفع المهر إلى الزوجة، وهو الذي يدفع نفقات العرس والزفاف، وهو الذي يشتر أو يستأجر بيت الزوجية ويؤثثه، وهو الذي ينفق على الزوجة والأولاد، ويدفع نفقة الزوجة أثناء عدتها بعد الطلاق. والزوجة هي المستفيد من كل ذلك.
فجعل سلطة الطلاق للزوجة على نحو الاستقلال، يسلطها على التصرف بتدمير مؤسسة لم تتحمل في تكوينها وديمومتها أية نفقات، ويعرض الزوج لنكبة اقتصادية قد تحرمه جني عمره من دون أن يكون له أدنى رأي في ذلك.
بينما تتمكن الزوجة – باستعمالها لسلطة الطلاق- من استغلال تحررها من علاقتها الزوجية بالاقتران بزوج جديد بمهر وبيت ونفقة، في حين يواجه الزوج – المطلَّق – إذا أراد تأسيس حياة زوجية جديدة، مسئولية بذل نفقات جديدة على مهر وعرس وبيت زوجية.

2- و أما فرض جعل سلطة الطلاق لكل من الزوج والزوجة:

أ . فإن كان بشرط اتفاقهما، فإنه يجعل الطلاق شبه مستحيل حتى في الحالات التي تقضي الضرورة بإيقاعه فيها، بل انه يدخل عنصرا جديدا في الخصومة بين الزوجين زائدا على الخلاف حول طبيعة العلاقة الزوجية.
وهو الخلاف على إيقاع الطلاق وعدمه، فيتربص أحدهما بالآخر، والمتوقع في هذا الفرض لأن تسيطر روح النكاية والانتقام والحقد بينهما فينقض أحدهما ما يبرمه الآخر، وتزداد بذلك الحياة الزوجية شقاء، وإذا كان ثمة أولاد فإنهم ينشئون في جو أكثر فسادا وشرا.
ب . وإن كان لا بشرط اتفاقهما، فإن مفاسد استقلال المرأة بالطلاق في هذه الحالة هي بعينها ما ذكرناه في الفرض الأول.

وقد يدفع جعل سلطة الطلاق على هذا النحو بالزوج إلى المبادرة بالطلاق خشية أن تبادر الزوجة إلى ذلك قبله.

هذا مضافا إلى نشوء حالة الحذر والتربص عند كل منهما تجاه الآخر.

3- و أما فرض جعل سلطة الطلاق بيد طرف ثالث هو المحكمة، فإنه يتسبب في مفاسد كثيرة من دون أن يحصن الحياة الزوجية، ومن دون أن يشكّل حماية للزوجة.

إن هذا الفرض يجعل أسرار الحياة الزوجية الجنسية وغيرها، وخصوصيات الزوجين الجنسية وغيرها، عرضة للهتك والتداول بين الناس، وما أكثر ما تتحوّل الاتهامات إلى حقائق تمس شرف المرأة وعفتها، وشرف الرجل وعفته، فيستعصي الإشكال البسيط على المعالجة، وينتهي الأمر بتعميق المشكلة، وهو ما يؤدي غالبا إما إلى الطلاق وإما إلى شلّ الحياة الزوجية وتعطيلها.

وفي احسن الحالات فإن المحكمة تباشر قضية الطلاق من دون تحسس بأبعادها في علاقات الزوجة والزوج، بل باعتبارها موضوعاً قانونيا بحتاً.
وغالبا ما تنتهي دعاوى الطلاق بالطلاق أو شل الحياة الزوجية، ونادرا ما ينتهي بعودة الوفاق حيث يمكن ذلك أو بإيقاع الطلاق حيث يتعيّن ذلك.

4- بعد هذا العرض تبيّن أن أسلم الفروض و أبعدها من المفاسد وأوفقها بمصلحة الزوجين والأسرة، هو جعل سلطة الطلاق بيد الزوج على نحو الاستقلال، مع تقييده بأن يقع في طهر لم يواقعها فيه، وأمام شاهدين عادلين (على مذهب الإمامية) وعدم البينونة الكاملة بمجرد إيقاع الطلاق، بل لا بد من أن تعتد المطلقة بثلاث حيضات في بيت الزوجية، تحت سمع الزوج وبصره، وهو ما يحمل الزوج على إعادة النظر في موقفه من زوجته، وربما يدفعه إلى مراجعتها وإعادة العلقة الزوجية إلى عافيتها.
إن هذا الفرض هو الأليق بقدسية العلاقة الزوجية وخصوصيتها، وبكرامة الزوجين وأولادهما وسمعة الجميع في المجتمع .

إمكانية ولاية الزوجة على الطلاق:

على أن الاجتهاد الفقهي قد أدى إلى اكتشاف صيغة لإنشاء علاقة زوجية تتمكن الزوجة فيها أن تجعل لنفسها الولاية على طلاق نفسها، وذلك استنادا إلى إطلاق أدلة الشروط الدالة على مشروعية الاشتراط وإلزامية الشرط للمشروط عليه، إذا لم يكن الشرط مخالفا للكتاب والسنة.
فللمرأة – بمقتضى هذا الاجتهاد- أن تشترط لنفسها- في عقد الزواج – الوكالة عن الزوج في إيقاع طلاق نفسها منه عندما يخلّ بالتزاماته نحوها، أو يحدث بينهما خلاف يتعذر رفعه.
ونحن نذهب إلى صحة هذا الشرط ونفاذه، وقد أفتى بذلك كبار الفقهاء، نذكر منهم أستاذنا المعظم الخوئي رضوان الله تعالى عليه.
فقد أفتى في هذه المسألة بقوله:
" كما يجوز أن تشترط الوكالة على طلاق نفسها عند ارتكابه بعض الأمور: من سفر طويل، أو جريمة موجبة لحبسه، أو غير ذلك. فتكون حينئذ وكيلة على طلاق نفسها، ولا يجوز له عزلها. فإذا طلقت نفسها صح طلاقها"

ولا يرد : على ولاية الزوجة على الطلاق عن طريق الاشتراط ما أوردناه على فرض استقلال الزوجة بالولاية على الطلاق عن طريق التشريع الأصلي.
لأن: الزوج في مقامنا يتناول ولايته على الطلاق بتفويض الزوجة، وهو قد أعطاها هذه السلطة طوعا وعن وعي منه.

خلاصة :

استطردنا هذه الإستثناءآت لنثبت أن اختلاف الوضع الحقوقي للمرأة عن الرجل في الشهادة والميراث والدية والطلاق، ناشئ من أسباب موضوعية تتصل بالمركز الاقتصادي – الاجتماعي للمرأة، وبطبيعة العلاقة الزوجية ومؤسسة الأسرة، ولا تعبر عن نقص في كرامتها التي اعتبرها الشارع مساوية لكرامة الرجل، وأهليتها العامة التي أعتبرها الشارع مساوية لكرامة الرجل، وأهليتها العامة التي اعتبرها الشارع مساوية لأهلية الرجل.

انتهى ما عرضه المرحوم العلامة الشيخ مهدي شمس الدين قدس الله نفسه.

يقول المنار:
أن المرحوم شمس الدين له خبرات كبيرة جدا، لأنه مسؤول كبير عن العلاقات الاجتماعية والقضائية، وقد نطق بخبرة واسعة.

وهنا لي بعض التعليقات الصغيرة حتى لا نؤثر على ما قاله الشيخ.

1- لا شك أن الطلاق ليس ميزة حتى يطالب أي شخص بأن يكون الحق بيده لأنه عمل كريه.
فإعفاء الشرع للمرأة من هذا الأمر –جزئيا- كأنه تكريم لها أَجَلّ تكريم، حيث طهّر يدها من مسؤولية هدم الأسرة وتحطيم العلاقة الزوجية.
ولم يكن الأمر تكريما للرجل بقدر ما هو مسؤولية صعبة فالمطالبة بحق الطلاق لأي أحد إنما هو مطالبة بحق هدم الأسر وهذه مطالبة قبيحة على كل حال.
فلهذا فإن أصل الموضوع فيه خطأ في الفهم، فليس الحق في فسخ روابط الأسرة حق سهل أو حق مشرّف حتى يطالب به من يسمي نفسه من أنصار المرأة زورا.
ومع أن حق الطلاق بيد الزوج فإن الطلاق ليس مطلق بدون شروط، فالطلاق التعسفي منهي عنه شرعا لأنه ظلم والطلاق بدون توفر الشروط باطل والشروط كما قال الشيخ شمس الدين أنفا تعطي فرصة للتأخير وإعادة النظر.
مع كل هذا فقد اغفل الشيخ رحمه الله قضية في غاية الأهمية، وهي ان حسب مذهب أهل البيت فإن الطلاق بيد الرجل في حال تقدير ضرر العلاقة بين الزوجين، ولكن في حال الضرر على الزوجة أو النفور الزائد منها له أحكام تعطي المرأة الحق في طلب الطلاق إما من الزوج ويسمى المخالعة وهذا طلاق بائن تبذل فيه الزوجة للزوج ما يقابل منافعه من أجل طلاقها لحل مشكلة اقتصاد الأسرة وما يتبعها من تعقيدات.
وهناك طلاق آخر من حق المرأة أن تطلبه وهو طلاق الحاكم الشرعي، وهو بأن تبين الزوجة مقدار الضرر اللاحق بها من الزوج فيقدر الحاكم بدينه وتقواه ما يجب فعله فإذا رأى أن الشكوى لها وجه، فيطلق الزوجة رغم انف الزوج المعاند والضار بزوجته. فلا يوجد ما يسمى بفقد الزوجة لأي سلطة على تطليق نفسها من زوجها إذا كان الزواج مضرا بها.
ولهذا فإن الدعوات بوضع الطلاق بيد الزوجة هي دعوات غير واعية لواقع التشريع ولا تدري ما تقول.

2. هناك ملاحظة مهمة حول طليق المحكمة: لقد أخذت بعض المحاكم في العالم الإسلامي من فقه أهل البيت (عليهم السلام) جواز طلب التفريق القضائي، ولكنهم أسرفوا في القبول، و أنا شخصيا لي معرفة دقيقة في هذا الأمر، وقد كان فيه من الأمور التي لاحظتها عدة أمور خطيرة منها:
الكذب في الادعاءات المتبادلة، مما يفقد احترام المحكمة لهذه الأسرة.
ومنها كشف الستر عن المستور من العلاقات الزوجية بما يسيء إلى سمعة الأسرة أبناءً وآباء وأقارب.

ومنها تزايد العداوة وطولها الشديد مما يؤدي إلى شبه جرائم واقعة فعلا ومشخصة قانونيا، وتزايد العداوة ليس أمرا هينا في المجتمعات المحافظة، بينما إيقاع الطلاق من قبل الزوج حين الاقتناع بوجوب فسخ العلاقة يسهل الأمر ويلغي العداوة، ولعل من أسباب العداوة هو أن الطلب من المحكمة يقتضي تأخير الحكم لأقصى حد ممكن وهذا ما يساعد على تأجيل الخلاف وكثرة تناقل الوشاية بين الطرفين ونشر الأساليب العدائية، ولعل من أسباب العداوة هو أن طلب التفريق في الغالب يكون بين زوجين غير مجتمعين في بيت الزوجية بخلاف حالة الطلاق فإنهما حتى بعد الطلاق لا يجوز إخراج الزوجة من بيت زوجها إلا بعد انقضاء عدتها مع بقاء الطلاق متزلزلا (طلاق رجعي) بحيث يحق لهما الرجوع حين يرغبا من دون حاجة لشيء. والطلاق بهذا الشكل منضبط بعدد معين لا يجوز تجاوزه.

3-عندي ملاحظة على شرط الوكالة على الطلاق في العقد، وهذا بحسب الموازين الفقهية أمر لا مانع منه، وهو مستخدم في محاكم إيران، ولكنني افضّل أن يكون مشروطا بأمور تصدر من الزوج كما وضّح السيد الخوئي رحمه الله ، وليس بشكل مطلق كما يفعل بعض الايرانيين، وبتطبيق هذا الأمر انكشف الخلل الكبير في إعطاء الزوجة حرية اتخاذ قرار الطلاق، فقد بلغني بأن هناك بعض الأزواج الذين مَنَحوا الوكالة بالطلاق لزوجاتهم بشكل مطلق غير مشروط بتقصير منه، يعيش حالة من القلق المخل بنظام الأسرة وضعف إدارة الأسرة مما يؤدي إلى اعتبارها مؤسسة فاشلة ومعرضة للزعزعة، وهذا خلاف ما يريده الشرع من استقرار واستدامة للأسرة، ولهذا فإن إعطاء الوكالة لا بد أن يكون مشروطا بحالات التقصير والقصور كالسفر الطويل والحبس وارتكاب الجرائم والتقصير المالي المتعمد أو التقصير في الفراش المتعمد. وهذا من أجل أن لا يهتز التلاحم الأسري لمجرد نزاعات عاطفية وزعل آني. كما حدث في إيران حيث حدثني بذلك بعض الثقات عن بعض الحالات التي وقعت، وعلى كل حال فليس من حق المرأة بعد هذا الشرط أن تقول أنها لا تملك في الشرع الإسلامي قرار الطلاق منفصلا عن الزوج بل هو نوع من أنواع تمليك القرار ولكن بالاتفاق والتشارط مع الزوج نفسه.
وهنا يجب التنبيه إلى أن إعطاء الوكالة لا يعني فقد الزوج لقرار الطلاق و إنما هما مالكان للطلاق كل على حدة، بدون نقص من ملكية قرار الزوج للطلاق.

هذا بعض ما أردت التعليق عليه .

وسأعلق لاحقا على المهم من أسئلة الأخوة إذا رأيت أهمية لذلك. ومنها أسئلة الأخ سعيد ابراهيم حفظه الله.

مع تحيات

المنار



الحقيقة إن إيجازي وشرحي للموقف ونقل جزء من كتاب العلامة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين، كان يعتمد على التلخيص وليس البسط لموضوع يتشدق به الكثير من الجهلة وكارهي الإسلام بدون فهم لما يقولون، وكان الموضوع من أجل تنبيه من لم يتنبه إلى أن الإسلام لم يكن بهذه الصورة التي صورها بها، والأخطاء الاجتماعية تجاه أي جهة لا يتحملها الدين والإسلام.

غير أنني اعترف بأن هناك الكثير من المسائل لم يعرف الكتّاب الإسلاميون الإجابة الشافية عنها أو عرضها بصورة جيدة، لأن السؤال تولد فجأة نتيجة انهيار الحضارة الإسلامية عسكريا وسياسيا بسبب ممارسات العثمانيين وغبائهم وغباء بقية الدول الإسلامية حين لم تعتن بالعلوم وترقيتها للمجتمعات والقدرات بشكل عام. فكانت هناك حالة من الفاصل الزمني الكبير بين استقرار الممارسة الاجتماعية وبين ظهور التساؤلات.
فعلى سبيل المثال مسألة التعامل الزوجي مع المرأة أثيرت كثيرا في البحوث حول أوضاع المرأة المسلمة. وقد وجهت نقود واتهامات كثيرة لمبادئ الإسلام بسبب نوع تعامل الزواج مع زوجاتهم، ناسين أن 80% من نساء أمريكا يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن ، ونسبة مقاربة في البلدان الأوربية ، بينما لا يوجد لدينا إحصائيات حقيقة في هذا الموضوع فقد تكون النسبة اقل .
على كلٍ فقد كان الناس قديما في المجتمع الإسلامي يرون فارقا في التعامل بين المتحضرين المتعلمين، فأن النساء عند المتعلمين أميرات مالكات للقلوب والعقول والعواطف ... وبين تعامل العوام من الخشونة المبنيّة على مفاهيم الذكورة والرجولة المستلزمة للتعامل الخشن وظلم النساء، وكانت هذه الحالة تعتبر بين المثقفين المسلمين حالة دالة على تخلف الإنسان الممارس لها وهي مستنكرة شرعا وذوقا ولكن لا يمكن ترقية الجاهل إلى رتبة العارف المتذوق للحياة بسهولة خصوصا وان نظام التعليم بأيد غير إسلامية.
فقد نقل لي جدي عن آبائه بأن المجتمع المتمدن عندنا كان متعلقا بالمرأة متذوقا لحسنها وأنوثتها وتفوّقها على الرجل في مجالها الحيوي وهو الإدارة الأسرية،و أنهم كانوا ينظرون باشمئزاز لكل مظاهر التعامل الظالم للمرأة في الأرياف غير المتحضرة وفي بعض المدن من قبل العاطلين عن حلية العلم، وكان هذا الحال من مواضيع التندر والفكاهات لتشخيص السلوك المتخلف لبعض الرجال مع زوجاتهم.

ولكن ما أن جاءت الحضارة الأوربية بمفاهيمها وإشكالاتها حتى أصبح تعامل رجل الريف الجاهل الجائر على زوجته وبناته وأخواته هو الصورة الإسلامية التي يوجّه لها النقد.

ولم يتم أي التفات لطبيعة تعامل المتحضرين مع زوجاتهم في العالم الإسلامي، فرجل العلم لا يجيب عن إشكالات الأوربيين على ظلم بعض الرجال لزوجاتهم، لأنه هو من ينتقدها أيضا ويعتبرها حالة تخلف فهو يتفق في نقد الحالة، ولكن المزعج هو نسبة هذه الحالة إلى الإسلام.
وبالمقابل بما أن اغلب العالم الإسلامي هو عالَم جاهل و أميّ غير متحضر بفضل الحكومة العثمانية العلية، فكان أغلب من يقرأ تلك الإشكالات الغربية يقول: أي والله هذا الكلام صحيح ، لأنه يرى صورة أمه وأخته وظلامتهن في التعامل ماثل بين يديه. بينما حين يقرأ أبن الأصول الراقية في المجتمع الإسلامي هذا الكلام يتعجب ويتهم الكتّاب الغربيين ومن سار على منوالهم بالكذب والنيل من الإسلام.
قد لا يفكر المثقف المسلم أن هؤلاء الباحثون يقومون بدراسات اجتماعية إنسانية يعكسون فيها الممارسة الخاطئة على المبادئ والمفاهيم التي انحدر منها فكر المجتمع، كالإسلام مثلا، وهذا من المغالطات المكشوفة التي مُرِرَت على المثقفين المسلمين.
لقد سألت أحد الأخوة المفكرين عن سر عدم كشف المثقفين وذوي الأصول العلمية عن طبيعة الممارسة الفعلية لتقديس المرأة واحترامها وحبها في الطبقات الراقية من المجتمع الإسلامي، فقال لي في الحقيقة أنا أخشى من عوام المجتمع أن اكشف عن سلوكنا الأسري لأن الكثير من الجهلة يعتبرون ذلك مما لا يليق بالرجولة حيث معاملة المرأة كأميرة متمكنة في بيتها، مستنكر عندهم.
و أضاف بأنه واجه سخرية من بعض الجهلة حين نصحه بتعاهد زوجته بالحب بدل المعاناة والتعامل المنفر فنصحه بأن يعطيها فرصة الخروج من البيت للزيارات والتعارف مع صديقاتها وغير ذلك كما تفعل نساء البيوت الراقية حيث يسرفن في اللقاءات والمجالس النسائية الفاخرة والحوار والمجاملات مما يقتضيه روح التحضر، فقال له هذا أسلوب الخانعين الذين يسمحون لنسائهم بالتصرف على هواهن.
وهذا فكر جاهلي لا علاقة له بالإسلام، وإن أراد بعض السلفية و أمثالهم من المتخلفين، التزويق لهذه الممارسة بفكرة أن المرأة عورة وغير ذلك، ولا أدري ما علاقة كون المرأة عورة كالجوهرة التي يجب الحفاظ عليها مع المعاملة الخشنة وكبت الحريات ومنع اللقاءات الاجتماعية الراقية.
لو قبلنا الممارسات الاجتماعية على أنها هي الدين الفعلي وهي الإسلام الفعلي لكان الإسلام متخلفا في الواقع للتخلف الظاهر في المجتمع الإسلامي ، ولهذا فجميع الأبحاث الأنثروبولوجية إذا تعدت مداها من دراسة (واقع التجمع الإنساني ووصفه) إلى كون نفس الموصوف هو (التطبيق العملي للدين) ومن ثم هو (الدين) ، فقد انحرف هذا العلم إلى الدجل والخبث وفساد الدليل والنتيجة.

وهذا المنهج هو ما نعانيه في كثير من الأحيان فيأتيك أحدهم ليقول لك أن التشيّع هو ضرب السيوف على الرؤوس ، أو أن يأتي أحد ليختزل لك الإسلام بأنه لا يقبل شهادة المرأة في مواضيع خاصة ، أو يأتي باحث ويقول بأن المرأة الكردية أو الشركسية المسلمة تعاني من عقد اضطهاد القوامة الزوجية والبقاء في البيت وقد يغفل في نفس الموضوع فينساق إلى وصف رقص النساء الكرديات والشركسيات أنفسهن في المناسبات الاجتماعية والدينية، وما ذلك إلا للجهل ولتعمد الإساءة لما يكنّ من كره مشوب بالإعجاب فيذم المرأة لدينها ويمتدحها لرقصها، مما يدل على انه ليس باحثا وصفيا و إنما هو محلل بأسس مبرمجة مسبقا للوقيعة بمن يدرسهم، وهذا منتهى فقدان الأمانة.

فالمشكلة محددة تماما ، وهي الخلط المتعمد بين المكونات الاجتماعية وبين المفاهيم الدينية الأساسية وعكس الممارسة الاجتماعية كصورة عن الفكر الإسلامي وهذا عمل متعمد ومرفوض إسلاميا لأن الإسلام نفسه يجاهد في سبيل تحويل المجتمع الحالي إلى مجتمع مسلم يتمتع بالذوق الرفيع والسمو في الروح والمعنى والمبنى.


نأتي ألان إلى الأجوبة على بعض الأسئلة وأبتدأ بتشنجات الأخ جان جاك روسو .

في البداية اشكره على التنبيه للأخطاء الإملائية رغم صياغة التنبيه صياغة تحقيرية ، وكأن اكتشاف بعض الأخطاء الإملائية ينقص من قدر المثقف خصوصا وأن الكتابة المباشرة بطريقة غير حِرَفية يحدث فيها أخطاء مضحكة من قبل الكتاب المحترمين.
لقد قلت للأخ جان في الرسائل الخاصة بأنني في الغالب لا وقت عندي للمراجعة الدقيقة للإملاء وأنا اعترف بأنني اعثر على أخطاء كثيرة مثل كتابة يبدو بألف بعد الواو وغير ذلك من أخطاء تشيع بين الكتاب نتيجة سبق اليد إلى الكتابة.
وهذه الأخطاء هي أخطاء نسخ في الغالب لأننا الآن نقوم بدور النساخ بالإضافة إلى كتابة الأفكار ، لأننا نكتب مباشرة على الكيبورد، ولكثرة الكتابة والأشغال يصعب الملاحقة الدقيقة، ومن الأمور المضحكة أن أجد عندي بعض الأخطاء النحوية الواضحة كنصب المرفوع وغير ذلك مما لا يمكن أن يصدر مني عن وعي، لأنها من أوضح الواضحات، ولهذا فإن وجود مثل هذه يعتبر دليلا على الخطأ الكتابي والسرعة في الكتابة ليس إلا .

وأكرر اعتذاري عن أي خطأ إملائي خصوصا عند من اسماهم سيدنا الصدر كُناس الهمزات.

ولكن يبقى السؤال المحيّر هو : ما وجه السقوط بوجود خطأ في حرف أو ما شابه ذلك؟

ولماذا الترصد والقراءة الخاصة لجمع الأخطاء الإملائية؟

أترك هذا لكل حر يحترم ذاته. ولا يسعني إلا شكر الأخ على الترصد للأخطاء الإملائية ، وبدوري أرجو من المشرف أن يصحح ما يستطيع بلا أمر عليه.

وهنا أقول لمن لا يخطأ في الإملاء أبدأ: يا سيدي كانت قراءتك لأخطائي الإملائية في هذا المقال ناقصة وقاصرة ولهذا أنا أتمم لك قائمة الأخطاء التي عثرتُ عليها بقراءة عابرة ، بالإضافة إلى ما وجدته أنت فقد وجدت هذه :
الخطأ = الصواب
--------------
والرمأة= والمرأة
أحياءِ= إحياءً
اقوله= أقوله
واقول ان هذا= وأقول إن هذا
اسس= أسس
التعلق= التعليق
حول طليق المحكمة= حول طلاق المحكمة
الى= إلى
وتكوينها البايولوجي = وتكوينها البيولوجي
مادامت = ما دامت
ووجدت كثيرا من أخطاء الهمزة ولم أتقصاها هدية مني لكنّاس الهمزات.
--------------

هذا ما عثرت عليه من أخطاء إملائية وردت في المقال. واعتقد هناك أخطاء أخرى لأنني قرأت الموضوع بسرعة مخلة.

إشكالات الأخ روسو الخطيرة جدا:

قال الأخ جان جاك روسو:

(اذا كان الموروث الاسلاموي(ولا اقول الاسلامي لان اسلام اليوم ليس اسلام محمد فكثير من العادات والتقاليد البالية اُدخلت فيه) لا يحتقر المرأة وان هذا ناشئ من (طبيعة الموارد) وليس من (دونية المرأة) : )

أقول:
ليته كان ملتزما في نقده لما أسماه الموروث الإسلاموي (رغم انه تعبير مبهم وغير مناسب) ولكنه في الحقيقة كان يُشكل على نفس الإسلام في بعض قوله، بلا فرق بينه وبين أي شاتم للإسلام . فلم يكن إشكاله أحيانا على كلام المتأسلمين و إنما كان إشكاله على الإسلام نفسه بما هو مسلم ولكن سأبين انه لم يفهم القضية فأشكل.

بقوله هذا يريد أن يرد على ما قررته وقرره الشيخ شمس الدين رحمه الله من أن أحكام المرأة لم تكن تعبر عن نقص في المرأة و إنما عن طبيعة التوافق بين الحكم والموضوع . وإشكالاته تقول بل هذه المسألة تنبع عن (دونية) وعدم مناسبة بين الحكم والموضوع.

إذن علينا أن نقرأ بتفحص ما تفضل علينا بالسؤال حفظه الله.

قال :
س1: فلماذا لا تقبل شهادة المرأة في ثبوت الهلال حتى ولو نظرها أقوى من زرقاء اليمامة وأوثق من كل الرجال ؟ ما دخل الفسلجة والبيولوجية والعاطفة هنا ؟ رغم انه يقبل روايتها في الحديث الذي يقام عليه الدين كله ويترتب عليه أحكاما جنائية؟!

أقول :
الشهادة تكليف صعب.
وليس في الإعفاء من التكليف إلا التخفيف.
فأين الإهانة؟
جيد.. لنبحث الأمر من زاوية أخرى.
إذا كان المراد هو (التحقق العلمي) من (حدوث) الشيء فهذا لا علاقة له بامرأة أو رجل .
فإن إثبات الأمور الخارجية تبع لكل وسائل الإثبات الخارجي، كلُ بحسبه من الحس والنقل والتجربة والاستنتاج وغير ذلك من الوسائل والمناهج، وبالنسبة لصحة النقل فهو يعتمد على الثقة بالناقل وصدقه وسلامته من الوهم والنقص في الحس والتعقل. وهذا يعني أن فردا ثقة ضابطا لما يحيط به يكفي أن يورث عندي علما بحادث خارجي، سواء كان امرأة أو رجلا، بلا فرق في ذلك، والهلال واحد من هذه الأمور، فإذا كان التكليف هو تكليف شخصي، فلا يحجر على الفرد أن يحكم لنفسه بما يحصّله من طريق علمي لثبوت الهلال وغيره. وأما لو بلغ حد العلم القاهر بثبوت الهلال بالشياع من النساء أو من الفساق (وهم لا يعدون من البيّنة) لثبت بهم الهلال قطعا من دون التفات لكل النصوص في منع المرأة من الشهادة في الهلال.
مشارق الشموس (في شرح الدروس للشهيد) - المحقق الخوانساري ج 2 ص 472 :
[ولو حصل بهن الشياع أو بالفساق ثبت]، قد مر البحث عن ثبوت الهلال بالشياع في أول الدرس ولا ريب في إمكان حصول الشياع بالنساء وبالفساق بأى معنى فسر من المعنيين السابقين.


ولكن إذا كان الأمر يتعلق بحكم يصدر للناس فيفطرون عليه عيدهم جميعاً, فهذا تحمّل مسؤولية، فيجب أن يكون الطريق العلمي مقيدا بالطرق الشرعية للإثبات وهي (البيّنة) بل (ما يزيد عليها أحيانا) كما سيأتي من كلام السيد الخوئي، بحسب الشروط التي نص عليها الشرع. فهنا الموضوع مختلف، وهو التقيد بالنصوص الشرعية التي لا نعرف العلل فيها، و إنما قد نستكشف الحكمة منها. ولهذا لا يُقبل بأقل من البيّنة حين يشترط التعدد والعدالة بينما في الطريق العلمي لا يشترط إلا الصدق والضبط ولو كان من فرد واحد ممن تطمئن له النفس بما يقوم به الحجة العقلية.
ولهذا الفرق نبه السيد الخوئي رحمه الله :
كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 2 ص 165 :
فصل لما حققناه في بحث الاصول من [أن العلم حجة بذاته والردع عن العمل على طبقه أمر غير معقول] كما أشرنا إليه في مباحث المياه . لاطلاق دليل حجيتها إلا فيما دل الدليل على عدم اعتبار البينة فيه كما في الزنا لانه لا يثبت بالبينة بمعنى شهادة عدلين بل يعتبر في ثبوته شهادة عدلين بل يعتبر في ثبوته شهادة أربعة عدول ، وكذلك ثبوت الهلال - على قول - وتوضيح الكلام في المقام : ان البينة لايراد منها في موارد استعمالاتها في الكتاب والسنة إلا مطلق ما به البيان وما يثبت به الشئ كما هو معناها لغة لان البينة بمعنى شهادة عدلين اصطلاح جديد حدث بين الفقهاء فالبينة في مثل قوله عز من قائل : إني على بينة من ربي ( فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر ) وغيرهما ليست بمعناها المصطلح عليه قطعا وانما استعملت بمعناها اللغوي أعني ما به البيان والدليل كما ان المراد بها في قوله صلى الله عليه وآله إنما اقضي بينكم بالبينات والايمان ، مطلق الدليل وكأنه صلى الله عليه وآله أراد أن ينبه [على ان حكمه في موارد الدعاوى والمرافعات] وكذا حكم أوصيائه ليس هو الحكم النفس الامري الواقعي لان ذلك كان مختصا ببعض الانبياء وإنما حكمه حكم ظاهري على طبق اليمين والدليل . ثم ان النبي صلى الله عليه وآله [في موارد القضاء لما طبق البينة] - بهذا المعنى اللغوي - على شهادة عدلين فاستكشفنا بذلك اعتبار شهادتهما وانها مصداق الدليل والبينة وهذا باطلاقه يقتضي اعتبار البينة بمعنى شهادة العدلين في جميع مواردها إلا فيما قام الدليل على عدم اعتبارها فيه كما مر.

فقد صرح هنا السيد الخوئي بأن العلم حجيته ذاتية ولا يعقل أن يردع الشارع المقدس عنه إذا حصل من أي طريق كان حتى لو كان بنقل أمرأة أو رجل، والبينة دليل معتبر شرعا وعقلا ولكن الحكم الإسلامي في مجال الشهادة في الزنا وفي الهلال كان على خلاف (البينة) أصلا لأن البينة تكفي فيها شهادة عدلين ، وهنا لا يقبل إلا أربعة أو اكثر. فكل ما أطلقت كلمة بيّنة يعتبر فيها المعنى العرفي وهو شهادة عدلين إلا ما خرج بالدليل كما في الشهادة على الزنا وعلى ثبوت الهلال.

ولعل من هذا الباب قول الإمام الباقر عليه السلام في الرواية التالية :

- تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي ج 6 ص 273 :
151 - محمد بن أحمد بن يحيى عن عبيدالله بن أحمد عن الحسن بن محبوب عن العلا عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس فأما ما كان من حقوق الله أو رؤية هلال فلا .

فالمسألة فيها تسهيل أو تغليظ حسب جهة الموضوع، فلعل هناك تسهيل في موضوع للشهادة يكفي فيه شهادة بسيطة ليتحقق كما تتحقق الشبهات التي تدرأ الحدود بأي مستوى كان من الشهادة أو الالتباس، وكذا مسائل الحقوق، بينما هناك أمور أراد الشرع تعقيد التحقق منها من أجل حفظ الناس كحالة الزنا ، أو أمر أراد التشدد به لأنه حق الله وليس للناس فيه دخل كأمور العبادات كالصوم والحج.

وعدم قبول شهادة المرأة في عيد الفطر مما أجمعت عليه الأمة الإسلامية فهو مما خرج بالدليل سواء في المرأة أو في أصل البيّنة .

وفي الروايات الشيعية فأن عدم قبول شهادة النساء مروي عن الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام.
فهل علي بن أبي طالب (إسلاموي) عند الأخ جان.

وروايات الشهادة بالنسبة للهلال تنقسم إلى أقسام:
- منها ما ينص على وجوب شهادة قسامة (خمسين نفرا).. ولو تعذرت الرؤية في البلد، يقبل من شاهدين من خارج البلد، يشهدون على ثبوت الرؤية في بلد كانت السماء فيها صاحية ومرتفعة الموانع. والروايات تعلل تعليلا صحيحا بأن هذه حالة كونية إذا رآها واحد رآها ألوف، فلا يصح شهادة واحد أو اثنين منفردين . وهذه الروايات متروكة لأن العمل جرى على قبول (البينة).
- منها أن الثبوت شخصي لكل مسلم. ومن لم يستطع التثبت من الهلال يقيم البينة ، والبينة هي شاهدان عادلان .
- منها عدم قبول شهادة المرأة في الهلال مطلقا والطلاق وهو مروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
- منها عدم قبول شهادة المرأة في الفطر فقط وأما في هلال رمضان فتقبل وهو مروي عن الصادق عليه السلام.

ويرى صاحب الحدائق الناضرة في روايات البينة أنها لا تعني الجواز مطلقا ، بل (غاية ما تدل عليه هذه الاخبار ثبوت الهلال بالشاهدين في الجملة وهو من ما لا نزاع فيه) ج 31 ص 254 ، ويناقش في ان الهلال لا بد أن يثبت بالشياع والرؤية العامة. كما في روايات شهادة القسامة على الهلال ، لخصوصيته.

وهنا قد نتسائل لماذا أعفيت المرأة من الشهادة في الهلال؟
ولماذا التشدد في الهلال أساسا ؟

اعتقد ان مسألة الهلال بالنسبة للمجتمع لها خصوصية في الظاهرة الاجتماعية الدينية ولهذا فإنها مسؤولية على الحاكم حين يكون هو المسؤول عنها المتصدي لها، من أجل توحيد العيد والصوم، وهذا يعني ان مسؤولية الهلال خطيرة في تبعاتها تجاه الله من جهة لأنها تتعلق بعبادة، وتجاه المجتمع من جهة ثانية، فمن الحكمة أن يتحملها ذوي الأحمال والمسؤولية والمحاسبة ، فإبعاد النساء عن هذه المسؤولية تخفيف عنهن.
ولكن يجب أن نشير إلى أن الإبعاد إنما هو لامرأة أو امرأتين أو ما شابه ذلك ولكن لو كان بهن الشياع بحيث أن مجموعة من النساء كن واقفات في زاوية تمكّن من رؤية الهلال وشاع بهن علم ذلك فيثبت بهن الهللا قطعا كما قال في الدروس - الشهيد الأول ج 1 ص 285 :
ولو حصل بهن الشياع أو بالفساق ثبت .

باعتبار أنهن ممن لا يثبت بهن الهلال منفردات بما دون الشياع وكذا شهادة الفاسق غير مقبولة من الأساس.

فإذن المسألة ليست للدونية ولا لغير ذلك، ومن اعتبر ذلك من الدونية فهو مشتبه حتى لو كان فقيها، فالقضية قضية نص ، وقضية مصالح العباد التي يعرفها الله ، وقضية إعفاء من قضية خطيرة لها تبعات خطيرة.
ولهذا يبقى تكليف المرأة في الشهادة فيما عدا المنصوص ، وأما روايتها للدين فهو ليس من باب الشهادة ولكنه شبيه به وهذا دليل على أن الإسلام يحترم حتى نقلها للدين فلا مشكلة في تكريمها واعتبارها كاملة الأهلية.

يبقى أن الأخ جان قال حانقا مستخفا :

ما دخل الفسلجة والبيولوجية والعاطفة هنا ؟
أقول:
الكلام كان عاما في أحكام النساء بشكل عام ولا علاقة لخصوصية الشهادة ، و إنما كل ما أشرت إليه هو أن هناك مناسبة بين الحكم والموضوع ، والأحكام تابعة للحقائق الخارجية التكوينية ، فكان تساؤله يحتوي على سخرية في غير محلها. وقد مثلت بنقص العبادة بالنسبة للمرأة، فكيف خلط هذا بموضوع الشهادة ؟
وهل ينفي العلاقة بين الحكم والموضوع ، بحيث يصحح وجوب أحكام الحيض للرجل؟! أليس غريبا أن نفكر بهذه الطريقة من خلط الأوراق، ومع ذلك لا تخلو خصوصية المرأة من عدم توريطها في ثبوت الهلال كما بيّنت لأن عنوان المرأة الصادر في الحكم الشرعي لا بد أن يكون لمصلحة ومناسبة خاصة بالمرأة لأننا نعتقد بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد وهي دائما منحازة لمصلحة المكلّف، فلهذا لا بد أن تكون خصوصية المرأة التكوينية والاجتماعية لها دخالة بهذا، رغم أننا لا نستطيع تشخيص العلة بدقة، فهذا غير لازم بالنسبة للعبد المطيع لله المستلم أوامر دينه من الله عبر نبيه الكريم.


قال الأخ جان جاك روسو:

س2 : ولماذا لا يجوز للمرأة أن تكون إماما للمسلمين ( ولية أمر المسلمين) فهمناها بتفاسيركم العجيبة ولكن.. لماذا لا يجوز لها ان تأم جماعة المسلمين في الصلاة ولو على نحو شقيقاتها النسوة ؟!

أقول :
مع شديد الأسف فقد اشتبه الأخ جان هنا أيضا، فقضية تولية المرأة الحكم، لم يفهما كما يبدو.
واختصارا أقول له بأن الكتاب الذي نقلتُ عنه النصوص الجيدة للشيخ شمس الدين ، هو بحث كامل عن تولي المرأة السلطة ، قال فيه : لم يحرر فقهاء الشيعة الامامية مسألة تولي المرأة للحكم. (أهلية المرأة لتولي السلطة صفحة 42)
وقد أشار أن القول بعدم توليها ليس قولا شيعيا فالشيعة يقولون بأن الإمامة بالنص وكان النص على هؤلاء الأئمة المعروفين، ولو نص على امرأة لما كان لنا خيار في ذلك، و أما نفس المرأة فتتولى ما دون الإمامة بدون مانع شرعي وقد ناقش كل الأقوال خصوصا الحديث الصحيح سنيا الضعيف شيعيا: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )، وقد ذكر إن اشترط الذكورة في الحاكم رغم انه مشهور عند السنة إلا أن ابن حزم ينقل فيه الخلاف في المحلى : ج9 ص523 قال : ( وجائز أن تلي المرأة الحكم، وهو قول أبي حنيفة ، وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه ولّى " الشفّاء" – امرأة من قومه- السوق) وأكمل الموضوع ونتائجه أنه جائز تولي المرأة الحكم، رغم الكثير من التصورات المخالفة لذلك ولكنها لا ترقى إلى رتبة الحكم.
فلا ادري من أين أتى الأخ جان بعدم جواز تولي المرأة الحكم وتهكمه بتفاسيرنا العجيبة؟؟؟
ثم تسائل لماذا لا تكون إمام جماعة ولو للنساء ؟
فأما إنها لا تكون إمام جماعة للرجال فهذا صحيح، وهو حكم تعبدي.
ولكن إمامتها للنساء جائز وهو حكم تعبدي أيضا فلا اعرف من أين أتى بحكمه . فلو راجع أبسط الرسائل العملية لما أشكل هذا الإشكال الخطير وإليه هذا المثال:

كلمة التقوى - الشيخ محمد أمين زين الدين ج 1 ص 220 :
المسألة[ 732 ] يصح للمرأة أن تؤم النساء إذا توفرت فيها شرائط الإمامة ، وتقوم في صفهن على الأحوط ولا تتقدم عليهن .

وفي كل الرسائل العملية يقولون هذا، فتبين انه أشكل إشكالين دفعة واحدة بتصور وجود شيء وهو غير موجود أصلا.


قال الأخ الكريم جان جاك روسو:

(اما قول الشيخ ((بعض أحاديث الآحاد التي لا اعتبار بها في التقليل من شأن المرأة )) فغريب من شيخ علامة درس السطوح يعتبر ان حديث الآحاد لا اعتبار له 00فمن المتفق عليه ان حديث الآحاد حجة ومعتبر في الاحكام 00 صح لا يعتبر حجة في العقائد 00 اما عند غالبية السنة فهو حجة في الاحكام والعقائد)0

أقول :
مفهوم جملتي هو تقييد خبر الآحاد بعدم الاعتبار حسب الوصف، لا عدم اعتبار خبر الآحاد، فما سطره اشتباه منه بعيد جدا، ومع ذلك فهو قد أبعد في القول بأن خبر الآحاد معتبر وحجة في الأحكام، وادعى الاتفاق عليه، والحقيقة انهم يقولون بأن خبر الآحاد دليل ظني معتبر شرعا - بطريق الجعل لا بنفسه- إذا لم يُعرض عنه أو يعارض بما هو أقوى منه بجهة من الجهات، فلا وجود لما يدّعيه من اعتبار أخبار الآحاد مطلقا، وعليه أن يفهم ما هي مبررات بحث الانسداد العويص؟، وهذه مسائل مبتدئين لا اشغل نفسي بها و إنما أردت التنبيه إلى انه بنى جبلا على قاعدة من الهواء .

أسئلة الأخ الكريم سعيد 2002
السؤال:
" - الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم "
يتضح عندنا أن الآية الكريمة تنص بالقوامة للرجل على المرأة لإعتبارين :
الأول : " بما فضّل الله بعضهم على بعض " ،
والثاني : "وبما أنفقوا من أموالهم "
وسؤالي هنا : ما هي طبيعة هذا الفضل أو التفضيل الذي تشير إليه الآية ؟!
الجواب : القوامة هنا ليست قوامة سلطنة وقد اشتبه من تصور ذلك بل هي بمعنى كفالة الحقوق على أحسن التصورات، ومعناها في الآية كما قال ابن البرّاج في المهذب ( يعني أنهم قوامون بحقوق النساء التي لهن على الأزواج)المهذب-كتاب النكاح – باب القسمة بين الأزواج.
والتفضيل هو تفضيل في النفقة ببيان العطف وموضعه الحياة الزوجية لا خارجها. فالأمر متعلق بالأسرة وصورة تكليف رب الأسرة من القيام بمهامه.
ولو فسرت القوامة بالولاية فهي لا تزيد عن ولاية رب الأسرة أيضا، لان الرجل خارج الأسرة لا ولاية له على المرأة إلا إذا كان حاكما أو قاضيا وفي الأول قلنا إنها يمكن أن تكون هي أيضا وليّة عليه وفي القضاء للدليل الخاص وهو الإجماع. وهذا مورد منفرد لا يمكن تفسير الآية عليه بتفضيل صنف الرجال على صنف النساء. فالأمر إذن منحصر في الأسرة وهو تكليف اكثر منه امتياز.

- السؤال:
الأمر الثاني ، في قوله تعالى :
" ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة "
تشير هذه الآية إلى أن المرأة مساوية للرجل في الحقوق ،
إلا أمراً واحداً عبر عنه بقوله تعالى : وللرجال عليهن درجة "
فما هو المقصود بالدرجة هذه ؟

الجواب : ان الدرجة هنا هي القوامة في الأمور الزوجية سواء كانت بمعنى تكفل حقوق الزوجة ، أو بمعنى ولاية الزوج على زوجته في الأسرة ، والآية تلمح إلى تساويهما في الحقوق وارتفاع درجة الرجل في الواجبات والله اعلم .
وهذا يعتبر تفضيل تشريفي مجرد لما يشرّف به أصحاب التكاليف ظاهرا. وعلى كل حال ليس في الآية أي انتقاص من مقام المرأة

السؤال:

- الأمر الثالث :
أعطى الله الرجال مراتب لم يعطها المرأة ، فمثلاً :
في النبوة والإمامة ..
في الصلاة ، المرأة لا تؤم الرجل في الصلاة ..
كيف نفسر هذه الأمور على أنها ليست نقصاً في المرأة ؟

الجواب : هذه تكاليف توقيفية لا علاقة لها بالنقص أو الزيادة، فليس في عدم إمامة المرأة للرجل أي دليل على نقصها في نفسها، ولعل لطبيعة الأنوثة دخل بأحكامها تلك.
كما قد يكون لطبيعة نقصان عبادتها وتعقدها دخل بعدم تكليفها بإمامة الصلاة ، فالمرأة في حالة الاستحاضة الكبرى تتوضأ لكل صلاة وتغتسل لكل وقت من الأوقات الثلاثة، فتصوّر كم هو أمر غير مستحب أن تخرج للوضوء في كل صلاة لأنها في استحاضة. أو أن إمام الجماعة (المرأة) في عطلة لمدة أسبوع لأنها في حالة حيض، أعتقد هذا تأشير عليها بما لا تحبه هي، وهذا فيه سلب لبعض كرامتها. إن أحكام المرأة خاصة بها وبطبيعتها، فلهذا لا يمكن أن نعتبر هذه الأحكام دالة على نقص فيها أو (دونية) كما يعبر الأخ جان جاك روسو.


أسئلة الأخ الكريم المستفسر الهادئ:

السؤال:

- هل ترتبط كرامة المرأة مع إسلامها ؟ أي لا كرامة للمرأة إلا إذا أسلمت.

الجواب: الإسلام دين الله الذي يرؤف بعباده ويكرمهم ويهديهم سبل رشادهم، وكل أحكامه تعود لمصلحة المكلف وليس له مصلحة في التكليف ، ولكن يمكن لكل إنسان أن يكرّم المرأة ، ويمكن لكل قانون أن يسعى لإكرام المرأة، وإكرام المرأة غير تحقيق مصالحها، فالمرأة في الإسلام تحقق أمرا شاملا هو مصالحها وكرامتها، على أن مفهوم الكرامة مفهوم نسبي يزيد وينقص عند البشر. ففي عرف الشواذ في أوربا أن تكريم المرأة هو الفرح بتعريها أمام الأصدقاء!!! ولكن لا شك إن السماح بالعمل والملكية للمرأة هو تكريم لها وهذا مكفول في الإسلام إلا عند من يجيزون أن تسوق المرأة الجمل ويحرّمون عليها قيادة السيارة!! ووجهة نظر الإسلام تتفق مع النظرة الأوربية وقد سبقها بأكثر من ألف سنة.

السؤال:

- هل ما حدث في عام الوفود سلب لإنسانية المرأة إلا أن تحفظها بنطقها الشهادتين؟
الجواب: لم استوضح السؤال جيدا، ولعل هناك أشباه في تصور الموضوع.

السؤال:

- هل غض الإسلام النظر عن كرامة المرأة المسبية ؟

الجواب: بل العكس ، فقانون الرق كان قانونا عالميا جاء الإسلام بضوابط له تلغيه تقريبا ، ولم يجز الإسلام استخدام المسبية كحيوان مجرد عن الإنسانية، كما فعلت ديانات ونظم كانت تحكم البشرية، فقد وصل بهم الأمر إلى نفي الإنسانية للعبيد. فلم يغض الإسلام الطرف وإنما قنن قوانين تلغي الرق من جهة وقوانين تكرم الرقيق من جهة ثانية لا مجال لتفصيلها، غير أنني اعتقد بأن المسلمين لم يحسنوا تطبيق النظام الإسلامي في الرق.

السؤال:

- قد أباح الإسلام للرجل أن يتزوج من أربعة نساء في آن واحد وإن كانت له جاريات فهن غير داخلات ضمن العدد ، ألا نفهم من ذلك أنهن لا كرامة لهن ؟

الجواب : التعدد لا علاقة له بالكرامة ، وأما كون الإماء لا عدد لهم فلأنهم إماء ولسن بزوجات ، إنما العدد هو للزوجات. ومن المعلوم أن نفس الرق هو تقييد للحرية مرفوض. ولكنه اختراع بشري أفضل من قتل السبي أو سجنه المؤبد. فقانون الرق هو عبارة عن انخراط الرقيق في المجتمع الإسلامي ومن ثم تحريرهم بصور اختيارية وإجبارية.

السؤال:

- ألا يعد بيع الجاريات ( الإماء) أو إهدائهن سلب لكرامة الإنسان؟

الجواب : هذا يتعلق بموضوع الرق سواء كان الرقيق رجلا أم امرأة ولا علاقة له بموضوع المرأة بخصوصها. وكما قلت قبل قليل إن نظام الرق هو نظام عالمي واختراع إنساني ممضى من الشرع لأسباب لا نفهمها ولعل الحكمة هو مقابلة الحكم بالحكم، أو أسباب أخرى، وهو يعد من الأساليب الرحيمة في معاملة الأسرى ، حيث كانوا في الغالب يذبحون ويبادون عن بكرة أبيهم. أو أن يسجنوا حتى الموت ، أو أن يسجنوا ليقدموا للسباع في حفلات بهيجة كما عند الرومان، وغير ذلك من الأساليب الوحشية، والرق يمثل عملية تملك واحتواء، أسس الإسلام لها أحكاما تحدد مسؤولية السيد والرقيق ، وأحكاما تشجع على التخلص من العبودية. والموضوع ليس هنا بحثه ولكن هذا هو اختصار الفكرة. وسلب الحرية قد يكون فيه سلب كرامة حسب الظاهر، ولكن في الواقع لا ترابط بينهما، فلا يجوز تحقير الرقيق مثلا، وهذا هو سلب الكرامة، والمهم هل قال الإسلام بأن الرقيق في مرتبة أقل من المرتبة الإنسانية كما قالت النظم اللا إسلامية. الجواب لا قطعا. وهذا هو المهم. وعلى كل حال فالموضوع ليس له علاقة بخصوص المرأة و إنما هو لعموم قضية الرق التي خلّصنا الله منها ما عدا بعض الدول الإسلامية المتخلفة بتخلف فكرها (على ما يقال).


مع تحيات
المنار