التخنث الفكري

18 أبريل 2010
21
0
0
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت دون العشرين من العمر حين كنت مصغيا إلى أحد علماء البلاغة يشرح لي بعض أسرار البلاغة، وبين كلماته العذبة سألته عن مقولة لكاتب عرف بانحرافه الفكري، فأجابني بما هالني من جواب فقال لي: اترك عنك كلام المخنثين.

الحقيقة أنني صدمت إلى درجة الانفجار . كيف يصف هذا العالم كاتبا مهما اختلف معه بالتخنيث. ولكن تبين بعد ذلك أنه لم يكن يختلف معه بل له معرفة به دقيقة جدا .
فضحك الرجل وقال : يا بني التخنث لا يقتصر على السلوك الشاذ، بل هو حالة فكر شاذة، واخطر ما نواجهه من الوصوليين والمنافقين هو التخنث الفكري .

وحاول ان يشرح لي وقد بدا عليه الحرج من الموقف فأنا ذاهل عنه منزعج من وصفه ، وهو يحاول أن يقنعني بأن الكلمة ليست كما أراها من القباحة لأنها تتعلق في الجانب الفكري وهو أمر خطير يجب الانتباه إليه.

وبعد مرور الزمن، بدأت افهم أنني كنت اجهل حقيقة خطيرة في داخل التركيب العقلي للإنسان، وهي حقيقة كون الاستقامة الفكرية والسلوكية لهما قوانين متقاربة ويمكن أن يستفاد من طرف لفهم الطرف الآخر.

فأخذت أترصد أفكار المخنثين وسلوكهم الفكري و أطبقه على أفكار أهل الباطل ودعاة الفرقة ودعاة تدمير المجتمعات، فوجدت حالات من التطابق عجيبة جدا، دعتني إلى الاعتقاد بأننا في الحقيقة نجابه مخنثين فكريين ولسنا بوارد في حوار علمي مع طلاب علم فضلا عن العلماء.

قد يقول لي البعض هلا شرحت اكثر ؟

فأقول إن الشرح والتنظير لهذه الفكرة سهل جدا ولكن ما هو أسهل منه هو إجراء مقارنات بسيطة يقوم بها المتأمل فسيجد هناك عوامل مشتركة للتخنث وإن التخنث الفكري هو واقع عملي يمارسه الإنسان في مجال الفكر.



1- من مظاهر التخنث عدم الحياء والخجل من فعل أي شيء:
وهذا نواجهه يوميا فأنت ترى بعض المحاورين يأتيك يوميا بفكرة أو رواية لينقض عليك فكرك وأنت تثبت له يوميا بأنه على خطأ وأنه يكذب، وتستخرج له الكذب بالأرقام والمستندات، فلا يدعوه ذلك لخجل أو أي وقفة مع الذات بل يستمر ، ويستمر، ويستمر .. وكأنه فاقد لكل معاني شرف الذات والحس بالعزة الشخصية، فلا تسبب له الاحراجات أي مشكلة أبدا ، فلا يحرج بكشف كذبه، ولا يحرج بكشف جهله ، ولا يحرج بكشف عدم لياقته في مجابهة الخصوم المتمكنين.
وحين تقول له هذا سلوك من كشف عورته في صفين فيجيبك بلصق ابتسامة!!!!
فهل هناك تخنث اكثر من هذا؟
وهذا يذكرني بشخص كان في هجر ينزل يوميا نصوصا يكتشفها بعبقريته في كشاكيل الشيعة وحينما يثبت له الأخوة خطأه فيصر على الخطأ ولكن في الأثناء يوميا أو بين يوم ويوم ينزل مثله وقد راقبته طيلة سنة ونصف تقريبا لم ينزل موضوعا إلا وقد رُد وبان خطأه وسوء تقديره للأمر فلم يكن منه أبدا إلا التكرار، بشكل شككني به لأن أخنث المخنثين لا يستطيع أن يقوم بهذا الدور الممل المخجل الذي لو صدر من إنسان كامل لقرر الانتحار من ثاني مرة أو ثالث مرة يقوم بمثل هذه المغامرات السخيفة. ولهذا فمثل هذا النصف رجل من حقه على المجتمع الإنساني أن يعطى شهادة المخنث الفكري الثقيل من الدرجة الأولى.



2- من مظاهر التخنث رمي الغير بعيب النفس:
وهذا أمر معروف عن المخنثين ، ونحن يوميا نواجه تهم ما انزل الله بها من سلطان ولا واقع لها، ولكن المشكلة انها تهم ممن يمارسها فعلا وعلنا، فبعض المخنثين الفكريين يطرح موضوعاً مبني على الباطل وحين يجيبه المثقفون ويعلنون بأن هذا بنفسه موجود عندهم، يقوم بتوزع الابتسامات وكلمات السخرية وسوء الأدب ويثبت للجميع انه منحدر من قلب البارات والكابريهات ويعرف مصطلحاتهم ويحاور بها.
وفجأة يتوقف ليقول لك ، ما هذا الخروج عن الأدب ؟
وكيف ترد علي بخشونة ؟
بل يطور الأمر لشتم أئمة المسلمين بناءً على اكتشافه المفاجئ لسوء خلقك معه!!!
وهو لم يدع شيئا من البذاءة إلا مارسها. ولو شئنا أن نسرد الأمثلة لهذه الحالة لاحتجنا أن نسرد 80 % من حوارات هؤلاء في الانترنت . وكلها تقع تحت عنوان ( رمتني بدائها وانسلت).

( ملاحظة مهمة جدا: وهي أن الفرقة الوحيدة التي تصف غيرهم ممن يخالفهم بالمخنثين هم نفس من يناقض الشيعة في تفكيرهم ويهجم على التشيع بدون مبرر معقول، وهؤلاء وصفوا الأشاعرة بأنهم مخنثي المعتزلة وقالوا عن المعتزلة بأنهم مخنثي الخوارج ، وقد ترى منهم لمناسبات كثيرة وصف مخالفيهم بالتخنث، مع أن سلوكهم وعملهم الفكري كله مبني على التخنث (رمتني بدائها وانسلت) وقد يأتيك مخنث فكرٍ ليقول لك ألم يرد التخنث وذمه على لسان رسول الله ص وعلى لسان عقلاء البشر فنقول هذا الجواب عين التخنث لأنه من غير جنس النتيجة ولا علاقة له بها.
فالكلام في وصف المخالفين بالتخنث كما هو حال المخنثين سلوكيا حيث يصفون كل الناس بالتخنث والخنا حتى للأشراف
وليس الكلام في ذم التخنث أو السخرية به كحالةٍ كما قال أحد الكتاب عن جمعٍ خارج المنطق اللغوي فوصفه أنه (جمع مخنث سالم) ..
قال رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/258-260): ويقولون إن المعتزلة مخانيث الفلاسفة والأشعرية مخانيث المعتزلة. وكان يحيى بن عمار يقول: المعتزلة الجهمية الذكور والأشعرية الجهمية الإناث.
وقال : فالمعتزلة فى الصفات مخانيث الجهمية‏.‏ وأما الكلابية، فيثبتون الصفات فى الجملة، وكذلك الأشعريون، ولكنهم ـ كما قال الشيخ أبو إسماعيل الأنصارى ـ‏:‏ الجهمية الإناث، وهم مخانيث المعتزلة‏.‏ ومن الناس من يقول‏:‏ المعتزلة مخانيث الفلاسفة‏.‏ وقد ذكر الأشعري وغيره هذا؛ لأن قائله لم يعلم أن جهماً سبق هؤلاء إلى هذا الأصل، أو لأنها مخانيثهم من بعض الوجوه، وإلا فإن مخالفتهم للفلاسفة كبيرة جداً‏.‏ وقال: فالمعتزلة في الصفات مخانيث الجهمية، وأما الكلابية في الصفات‏.‏ وكذلك الأشعرية، ولكنهم كما قال أبو إسماعيل الأنصاري‏:‏ الأشعرية الإناث هم مخانيث المعتزلة، ومن الناس من يقول‏:‏ المعتزلة مخانيث الفلاسفة؛ لأنه لم يعلم أن جهما سبقهم إلى هذا الأصل، أو لأنهم مخانيثهم من بعض الوجوه، مجموع الفتاوى المجلد الثامن ( 160 من 645 )

وقال: وهذه حال كثير من أهل الكلام المعتزلة؛ ولهذا قيل‏:‏ هم مخانيث الفلاسفة‏.‏ مجموع الفتاوى المجلد التاسع ( 181 من 645 )

وقال: ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء، كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثًا، ويسمون الرجال / المغنيين مخانيثا، وهذا مشهور في كلامهم‏.‏ مجموع الفتاوى المجلد الحادي عشر ( 237 من 645 )

وقال: وقدم تقدم أن أهل الكلام المبتدع في الإسلام هم من فروع الصابئين، كما يقال‏:‏ المعتزلة مخانيث الفلاسفة‏.‏ فظهرت هذه المقالة في أهل العلم والكلام، وفي أهل السيف والإمارة، وصار في أهلها من الخلفاء والأمراء، والوزراء والقضاة، والفقهاء ما امتحنوا به المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الذين اتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم، ولم يبدلوا ولم يبتدعوا، وذلك لقصور وتفريط من أكثرهم في معرفة حقيقة ما جاء به الرسول واتباعه، وإلا فلو كان ذلك كثيرًا فيهم لم يتمكن أولئك المبتدعة لما يخالف دين الإسلام من التمكن منهم‏.‏ مجموع الفتاوى المجلد الثاني عشر ( 244 من 645 )

وقال في معنى التخنث والفروخ واصفا الفكر الأشعري في مسألة قدم القرأن والكلام النفسي: (وفروخ ‏[‏اللفظية‏]‏ المثبتة الذين يقولون‏:‏ إن القرآن ليس إلا الحروف والصوت، تحكي عن منازعيها ‏:‏ أن القرآن ليس محفوظًا في القلوب‏.‏ ولا متلوًا بالألسن، ولا مكتوبا في المصاحف، وهذا ـ أيضًا ـ ليس قولاً لأولئك، بل هم متفقون على أن القرآن محفوظ في القلوب متلو بالألسنة، مكتوب في المصاحف، لكن جهالهم وغاليتهم إذا تدبروا حقيقة قول مقتصديهم ـ أن القرآن العربي لم يتكلم الله به، وأنه ليس إلا معنى واحد قائم بالذات، وأصوات العباد ومداد المصحف يدل على ذلك المعنى، وأنه ليس لله في الأرض كلام في الحقيقة، وليس في الأرض إلا ما هو دال على كلام الله، ولم يقل إلا ما هو دال على كلام الله، وكلام الله إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا، وهو معنى واحد لا يتعدد، ولا يتبعض، ولا يتكلم الرب بمشيئته وقدرته، إلى / أمثال ذلك من حقائق قول المقتصدين ـ أسقطوا حرمة المصحف، وربما داسوه ووطؤوه، وربما كتبوه بالعَذِرَة أو غيرها‏.‏
وهؤلاء أشد كفرًا ونفاقاً ممن يقول الجلد والورق كلام الله؛ فإن أولئك آمنوا بالحق وبزيادة من الباطل، وهؤلاء كذبوا بالكتاب وبما أرسل الله به رسله، فسوف يعلمون؛ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون‏.‏
وأما أهل العلم بالمقالة وأهل الإيمان بالشريعة، فيعظمون المصحف ويعرفون حرمته، ويوجبون له ما أوجبته الشريعة من الأحكام؛ فإنه كان في قولهم نوع من الخطأ والبدعة، وفي مذهبهم من التجهم والضلال ما أنكروا به بعض صفات الله وبعض صفات كلامه ورسله، وجحدوا بعض ما أنزل الله على رسله، (( وصاروا مخانيثا للجهمية الذكور المنكرين لجميع الصفات))، لكنهم مع ذلك متأولون قاصدون الحق‏.‏
وهم مع تجهمهم هذا يقولون‏:‏ إن القرآن مكتوب في المصحف مثل ما أن الله مكتوب في المصحف، وأنه متلو بالألسن مثل ما أن الله مذكور بالألسن، ومحفوظ في القلوب مثل ما أن الله معلوم بالقلوب، وهذا القول فيه نوع من الضلال والنفاق والجهل بحدود ما أنزل الله على رسوله ما فيه، وهو الذي أوقع الجهال في الاستخفاف بحرمة / آيات الله وأسمائه حتى ألحدوا في أسمائه وآياته‏. مجموع الفتاوى المجلد الثاني عشر ( 257 من 645 )

وقال عن أهل الإعتزال من المسلمين: فالمعتزلة فى الصفات مخانيث الجهمية‏.‏ وأما الكلابية، فيثبتون الصفات فى الجملة، وكذلك الأشعريون، ولكنهم ـ كما قال الشيخ أبو إسماعيل الأنصارى ـ‏:‏ الجهمية الإناث، وهم مخانيث المعتزلة‏.‏ ومن الناس من يقول‏:‏ المعتزلة مخانيث الفلاسفة‏.‏ وقد ذكر الأشعري وغيره هذا؛ لأن قائله لم يعلم أن جهماً سبق هؤلاء إلى هذا الأصل، أو لأنها مخانيثهم من بعض الوجوه، وإلا فإن مخالفتهم للفلاسفة كبيرة جداً‏.‏ والشهرستانى يذكر عن شيوخهم‏:‏ أنهم أخذوا ما أخذوا عن الفلاسفة؛ لأن الشهرستانى إنما يرى مناظرة أصحابه الأشعرية فى الصفات ونحوها مع المعتزلة، بخلاف أئمة السنة والحديث؛ فإن مناظرتهم إنما كانت مع الجهمية، وهم المشهورون عند السلف والأمة بنفى الصفات‏.‏ مجموع الفتاوى المجلد الرابع عشر ( 288 من 645 )





و حتى في المواعظ لا ينسون التخنث مما دل على انه حالة لصيقة بالنفس والفكير العقلي: .... قال ابن القيم: يا مخنث العزم! الطريق تعب فيه آدم، وناح نوح، وألقي في النار إبراهيم، وتعرض للذبح إسماعيل، وأوذي فيه موسى، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح فيه السيد الحصور يحيى… إلى آخر ما قال.
وهكذا المخنثون الفكريون يصفون غيرهم بالتخنث بمناسبة أو بدون مناسبة كما هي هذه الأمثلة التي لا مناسبة فيها، فما معنى مخنث العزم؟ وكيف يكون ؟ .


3- من مظاهر التخنث التمسك بما لا دليل فيه لتبرير حالة التخنث والشذوذ:
إذا أردت أن ترشد مخنثا للطريق القويم فسيقول لك فورا: بما أن فلان يشرب الخمر فلا مانع أن أقوم أنا بما أقوم به، أو بما أن فلان يضرب زوجته وهذا يعني أنه يشك بها فإذن يجوز لي أن افعل ما أشاء.
وكذا تجد بعض المحاورين الاشاوس يبرر خطأه بما لا علاقة له بالموضوع شكلا او مضمونا، واضرب لذلك أمثلة :

المثال الأول: تحجج بعضهم لسوء أخلاقه مع الشيعة ومع أهل البيت بالذات لأنه وجد رواية تقول (ابهتوهم) [وهي تعني بكل تأكيد بيان بهتانهم]، ولكنه كمخنث فسرها بمعنى (اكذبوا عليهم) ولهذا فهو يرى أن لا داعي لالتزام الأدب مع الشيعة ومع آل البيت لأنه عثر على مثل هذا النص
وهذا يكفيه بأن يكذب ليل نهار ويزور الحقائق، وهذا سلوك المخنثين بأدق التفاصيل.

والمثال الثاني : سب بعضهم أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب علنا, وحين صاح عليه الناس قال لأن الشيعة سبوا الشيخين فأنا اسب علي ابن ابي طالب، وهذا كما ترى من أجلى مظاهر التخنث. ناسيا دعواه أنه على دين الصحابة وتقديسهم, فكيف جاز له أن يكسر تقديس الصحابة ويسب سيد الصحابة لأن فاسدا كما يحسب قد كسر هذه القدسية.
لا تفسير إلا التخنث الفكري.

المثال الثالث: نرى بعض المخنثين الفكريين يدور بين الناس يستعطي فكرة اثبان ان الخليفة عمر تزوج بنت علي، يستدل بذلك على حسن العلاقة مما يدل عنده على صحة مخالفة نصوص رسول الله ص، وكأنه نسي أن المصاهرة الثابتة مع رسول الله الذي هو اشرف من علي بما لا يقاس ، لم تكن مصححة لسلوك خاطئ أو معذرة للخروج عن الشرع.
ولكن التخنث الفكري يريد أن يجعل من غير الدليل دليل كتسمية الأولاد والتزاوج وما شابه ذلك.
وأن هذا الحدوث عنده دليل صحة الخلافة والشرعية، ونسي هذا المفكر أن خلافةً تأخذ شرعيتها من المصاهرة عندهم والقرابة هي خلافة باطلة ودكتاتورية لا تصح من اي كان، كما يحاورون وويقولون مجرد الفضائل لا تدل على شرعية أمامة الإمام علي مع انها نصوص بالإمامة فيحولنها الى مجرد فضائل، وهي غير دالة عندهم، ولكن فضيلة الصاهرة بين عمر وعلي دليل الرضا بينهم والرضا دليل الشرعية وإلا كفر علي لكونه صاهر كافرا كما يقولون ويبرمجون حسب تخنثهم الفكري.
ولكن طبعا هذا إذا تعلق بمدح زواج علي من فاطمة الذي هو الحالة الوحيدة من المصاهرة التي ورد فيها هذا القدر من التكريم بنصوص صحيحة. بينما لم يرد لرسول الله أي مدح لمصاهراته
ولو كان كذلك لكان اليهود أهل حق في الخلافة لأن رسول الله تزوج اثنان منهم وتسرى بواحدة .
ولكان النصارى أهل حق لأن رسول الله تسرى بمارية.
قد تزوج بنت زعيم الشرك وقائد قوات بدر ضد رسول الله ابو سفيان فهل يدل هذا على إمامة ابي سفيان وهو يقود جيوش بدر وأحد والخندق؟؟ .
ثم نسي هذا المفكر الخنثوي أن عمر نفسه قد صاهره رسول الله ص وهو غير محتاج لتحرير مصاهرة ثانية فاشلة كما يعتقد بأنه عطش لمصاهرة رسول الله.
كما أن من أخنث ما رأيت انه يستدل على وقوع المصاهرة وقيمتها العملية من الرواية المتكلم فيها: (ذاك فرج قد غصباه) فهل رأيتم كم حجم المصيبة التي يقع فيها هؤلاء؟ يستدل بهذا على انه كلام معصوم على وقوع المصاهرة وأنها فضيلة تصحح الخلافة وتصحح العلاقة الحميمة بين علي وعمر رغم بعض الاضطرابات في أول الأمر كما يقول بفكره الثاقب. يا سلام على هذا الفكر الأرتوازي العميق!!!.


4- من مظاهر التخنث عدم الالتزام باللوازم والاصرار على تغافل ذلك:
لو قلت لمخنث بما إنك تدعي حب الشرف فلماذا لا تلتزم بكلامك؟
فسيكون كلامه ضحكة مجنونة... ثم يقول لك: سألتزم وبعد ذلك يضحك, ولن تستطيع ان تلزمه بشيء أو تأخذ منه شيء.
وهذا السلوك نواجهه يوميا مع اشاوس الحوار من عمق التمسلف، فلا ولن تستطيع الزامه بمبدأ يدعيه فكلما تلزمه بمبدأ يدعي التزامه به تجده يفر منه مراوغا وكأنه ليس من مبادئه وإنما من مبادئ جيرانه وهو الآن في حالة عداوة معهم فلا يمكن أن يلتزم بلوازمهم.
فلو ألزمته بلوازم علم الحديث ستجد نفسك في دوامة عدم القدرة على الإمساك برأس الخيط فلا الصحيح مطلوب عندهم ولا هناك حرمة لحديث بل هو حذاء بال، مع أنهم يدعون بأنهم عباد سند فيتحولون إلى أعداء السند لمجرد كونه يخالف هواهم ويوافق هوى الله ورسوله.
مثلا يأتيك دافعا صدره بعلم الحديث ويقول لك اثبت لي فضائل علي فإنها غير ثابتة عندي و انا لا اعمل إلا بالصحيح ، وبالصحيح فقط، ولكن حين تسأله من قتل مرحب اليهودي يقول لك فورا انه محمد بن مسلمة فتطالبة بالدليل ؟ فيقول لك أنه من كتب السيرة وان كتب السيرة افضل من كتب الحديث لأن هذا الموضوع سيرة وليس حديثا ويأخذ يبرر لك بكل تخنث فكري ترك الصحاح وعلم الحديث في هذا الباب.
فتجده يعتمد على ما يقولون عنه متروك لمجرد انهم لا يحبون ان ينسبوا انتصار المسلمين لعلي بن ابي طالب عليه السلام في تلك الواقعة، ويبررون عدم التزامهم بعلم الحديث وبما يدفعون صدروهم له بأنهم يرون ذلك الطريق اصح لأن السيرة اقصر سندا واقرب للرسول من البخاري ومسلم.
فهل تعجب من مثل هذا التخنث؟؟
وهكذا يأتيك دافعا صدره ينادي بالإلتزام بظاهر الألفاظ ويطالب بحمل ألفاظ التجسيم على حقيقتها ويستميت من أجل هذه المهمة المستحيلة عقلا .
وبمجرد أن يبدأ معك حوارا حول وصايا رسول الله فيتبين ان كلام رسول الله كله يجب أن يحمل على غير الحقيقة ويستحيل ارادة الحقيقة..... (فالوصية) معناها عدم الوصية، و(ولاية) امور المسلمين تعني المناصرة والتأييد لمجموعة القتلة و(العترة) تعني اللا شيء و(آل البيت) تعني كل العشيرة حتى الرضع وحتى الزوجات وقد يضاف الحيطان والخيطان اذا اعجبهم ذلك، و(أنت خليفتي) يعني الجلوس مع النسوان ، و(أعلمكم علي) يعني انه لا يؤخذ منه العلم، و(أنت مني بمنزلة هارون) تعني عدم الخلافة لأن هارون مات قبل موسى كما يقولون مع أن موسى لا يعلم كيف مات ومتى مات؟ و ( علي إمام كل تقي ) لا تعني شيئا فهي مجرد ترضية وتطييب خاطر مكسور، و ( لا ينال عهدي الظالمين) تعني وجوب طاعة الفاجر الظالم وإن تجاهر، وهكذا بتأويل أو ببلطجة المهم يصبح الظاهر غير مطلوب والفهم السليم من الممنوعات ويجب لي الكلام وتحطيم الجمل ونكران المواقف.
فهل هناك تخنث فكري أكبر من هذا؟؟



وللحديث يقية فقصة التخنث الفكري لا تنتهي بسهولة


مع تحيات

المنار




بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم وحدّ المخنثين الفكريين وأجعلهم إما إلى هؤلاء أو هؤلاء.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


قلنا أن من مظاهر التخنث عدم الالتزام بما هو ملزم.

وهذه ظاهرة عامة عند المخنثين الفكريين، وتراهم لا يستحون ولا يخجلون من عدم الالتزام بشكل يدعو للدهشة .

وسوف نأتي ببعض الأمثلة الإضافية على التخنث الفكري في باب - عدم الالتزام بما هو ملزم- .

المثال الأول :

الكل يعلم بأن الخلاف الحقيقي بين المسلمين إنما هو حول معاوية وحكم بني أمية العضوض.
وأما الخلاف حول الشيخين أو غيرهم فهو مما يعتبر خلافا على تفسير السلوك وقبول المبررات، وهذا يختلف عن الاختلاف حول معاوية بالخروج عن ربقة المسلمين.
فالاختلاف حول الشيخين أو الثلاثة يمكن الأخذ فيه والرد وسنأتي إلى موضوع ثان فيه، ولكن الخلاف حول معاوية إنما تحدده النصوص الصحيحة عند من يدعي الالتزام بالصحيح، بأنه خلاف بين الإسلام والكفر ولا علينا من رأي الشيعة في ذلك .
بل لنأتي إلى موضوع الإلزام باللوازم اللازمة المحكمة.

ونأتي بمثال على موضوع الإلزام بضلال معاوية الذي تمسكوا بولايته ومسألة حرب الإمام علي عليه السلام
يدعون أنهم يتبعون صحاح الأحاديث كما يلتزمون أو يدعون الالتزام به.

وصحيح الحديث يقول أن عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار
وهذه صراحة ما بعدها صراحة
ودعوتهم إلى النار هي الدعوة الى الكفر كما قال مفسروهم في قوله تعالى ( وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) (غافر:41)
قالوا ان الدعوة الى النار هي الدعوة الى الكفر.
وهذا قولهم لا قولنا.

فانظر أولا الى النصوص وبعد ذلك فكر في تخنث المخنثين الفكريين وعدم التزامهم بما يلزمون به أنفسهم.

- صحيح البخارى - البخاري ج 1 ص 115 :
حدثنا مسدد قال حدثنا عبد العزيز بن مختار قال حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال لى ابن عباس ولابنه على انطلقا إلى ابى سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم انشأ يحدثنا حتى اتى ذكره بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول ((ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)) قال يقول عمار اعوذ بالله من الفتن

- صحيح البخارى - البخاري ج 3 ص 207 :
حدثنا إبراهيم ابن موسى أخبرنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال (( ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار))

وهذا من كتاب البرهان للزركلي في تفسير يدعونه إلى النار.


- البرهان - الزركشي ج 2 ص 260 :
وقوله تعالى مالي أدعوكم الى النجاة وتدعونني الى النار وهم لم يدعوه الى النار إنما دعوه الى الكفر بدليل قوله تدعونني لاكفر بالله لكن لما كانت النار مسببة عنه اطلقها عليه وقوله تعالى فاتقوا النار أي العناد المستلزم للنار


يا مخنثي الفكر المعوج هذا صريح قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بأن عمار يدعوا قاتليه إلى الجنة وهو الإيمان ويدعوهم إلى النار وهو الكفر ومقولته.

فهل تلتزمون بهذه الصحة والصراحة؟

أم يعمل التخنث فيكم عمله الشديد فتأخذون بالضحك وتوزيع أيقونات الابتسامات.
شكرا لكم على الابتسامة الصفراء.

وهكذا تنظرون إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيح نظرة المخنث الذي لا يلتزم بما لا يعجبه.

وأي التزام هو هذا ؟

فهو تركُ طريق بني أمية الضال والانتكاس الكلي وتبديل المذهب الفاسد.

فهل تستطيعون أن تحددوا موقفكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فموقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العدائي تجاه من يدعو إلى النار واضح جدا فما موقفكم يا أنصار من يدعو إلى النار من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ عدو اتجاهكم.

سيكون موقفهم مثل موقف من طلبنا منه أن يتبرأ من أعداء رسول الله فطلب التبرؤ من أعداء الصحابة ويقصد بهم أعداء معاوية الصحابي الجليل عنده.

فقد بان تخنثه لأنه يدعي الإسلام وهو يتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه يعلم علم اليقين وبصحيح الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدو معاوية كما هو صريح بصحيح حديث عمار كما يرويه البخاري .

فهل من الضروري أن يعالج هذا الإلزام؟

وموقف عمار يشكل معضلة حقيقية

فهو قد بيّن أن وقوفه إلى جانب الإمام علي، هو وقوف مع الله وشريعته ومن يحارب الإمام علي إنما هو حرب لله وشريعته .
ولهذا فعمار رض حين اقدم على اقتحام الحرب رغم عمره الذي لا يسمح له بقتال، فسلوا أي مخنث لعله يجيبكم هل يحسن أن يخرج شاب لقتال شخ عمره يناهز التسعين عاما؟ فأي تخنث هذا؟ وأين الذوق العربي والإسلامي؟

المهم لنتأمل نقل البخاري في الصحيح في من يقاتل علي ابن أبي طالب ونرى مدى التزام المخنثين بالصحيح.

تأمل :

- صحيح البخارى - البخاري ج 4 ص 220 :
حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن الحكم سمعت ابا وائل قال لما بعث على عمارا والحسن إلى الكوفة ليستنفر هم خطب عمار فقال انى لا علم انها زوجنه في الدنيا والآخرة (( ولكن الله ابتلا كم لتتبعوه أو اياها))

هذا ما يرويه في الأثر الصحيح . رغم إقحام كلمة (والآخرة) التي تجعل من كلام عمار متناقضا كما هي أمانة بني أمية وحزبهم ولكننا سنغض الطرف عنها ونلزمهم بالتزامهم بالصحيح عندهم.

والحديث يدل بلا أدنى شك بأن عمار يرى أن اتّباع علي إنما هو اتّباع لله وهذا امتحان من الله بين أن يطاع هو جل جلاله وبين طاعة السيدة عائشة كطاعة ضد الله .

فما يقول أخوة الخناثى ؟

فعمار يزج نفسه بالحرب ويضع نفسه في المقدمة لأنه يعلم أين طاعة الله و أين الكفر وطاعة أضداد الله.

وبشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وهذا بالحديث الصحيح الملزم

فهل ترون تخنثا اعمق من هذا يا اخوتي ؟


المثال الثاني:

يعرّفون عصمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنها الامتناع عن الكذب والمعاصي، ولا يشملون بذلك الخطأ ولا الجهل ولا المعصية الصغيرة ولا حتى الكبيرة مع الاستغفار. وبعضهم يجامل الرسول فيقول يمتنع عليه الكبائر. ويستميتون في الاستدلال بعتاب الله وتوعده بالعذاب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبقية الأنبياء بطريقة لي عنق الكلام.

وبالنتيجة تكون العصمة هي العصمة في التبليغ والعصمة من الكذب في أداء الرسالة. وما عداه ممكن.

هل يلتزمون بهذا المعنى ؟
لننظر ؟
عدالة الصحابة ما هي ؟
هل يكذب الصحابة ؟
الجواب لا مطلقا وحديثهم يؤخذ به به وهم من رتبة فوق رتبة التوثيق.
هل يعمل الصحابة الكبائر ؟
الجواب بالنسبة للثلاثة لا مطلقا وبالنسبة لغيرهم سكوت وعدم جواب.
هل يمكن أن يعملوا الصغائر او الكبائر مع الاستغفار؟
الجواب نعم

هذا رأيهم وقولهم على الإطلاق.

هل يلتزمون بالقولين ؟

الجواب : يستحيل الإلتزام .

فلا يلتزمون بتعريف عصمة الرسول حين يطلب منهم الالتزام بلوازمه فقول رسول الله لعمار يحدد معالم الطريق أن بني أمية ودولتهم إنما هم كفرة ودولة كافرة بتحديد ما صح عن رسول الله عندهم. ولا يلتزمون بكل لوازم العصمة من وجب اتباع قول المعصوم الذي لا يبلغ كذبا في أمر الدين ومستقبله. ويجيزون الاجتهاد مدعين إنما صدر من السابقين لعدم إتعاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ورأفة به.

لكن هل يلتزمون بمعنى عدالة الصحابة ومطابقتها الكلية للعصمة عندهم؟

الجواب لا .

لأن لفظ عصمة مما يشتموه فكيف يقولون به؟

ولكنها العصمة بحذافيرها عندهم و بأدق التفصيلات.

فأين أعداء العصمة والقائلين بكفر من يقول بعصمة علي ابن أبي طالب وباقي المعصومين؟؟؟
فنحن نقبل تعريفكم للعصمة ، وعليه فكل الصحابة ومن على منوالهم من المعصومين.

فلماذا (الحيدة) ؟

فهل رأيتم تخنثا أعظم من هذا .

فإلى تخنث فكري آخر.


مع تحيات وقبلات عارف المخنثين

المنار




بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر الأخوة الذين نبهوني لمداخلة الأخ الباقر في هذا الموضوع

الأخ الباقر المحترم سلام من الله عليك .

ما حشرك مع هؤلاء؟

وهل يمكنك أن تفسّر لنا هذا الدفاع المستميت عنهم؟

اعلم أخي العزيز أن المخنث يختلف عن الطبيعي بأنه يلتذ بالسوء والفاحشة بأهله. ويبرر ذلك بأمور لا تخطر على البال، بإرجاع الأمور إلى غير أسبابها بلا خجل أو حياء، ولكنه في الحقيقة ينساق لشهواته الجامحة، من دون ضبط وربط ، ولهذا ترى الناس يصفون من يَقْبَل أن يُفعل بأهله بأنه مخنث، بل وصفوا به من يقبل بأن تتعرض نساءه لسوء الكلام ولا يعمل شيئا ولا يدافع عن شرفه.
وكما قلنا بأن سلوك المخنثين فيه ميول نحو منطقٍ فاقعٍ غير منضبطٍ وحالة نفسية غريبة تتمنى للجميع أن كونوا كحالهم.

والتخنث الفكري: هو أن يسلك المفكر مسلك المخنثين حيث يتحرك بدوافع نفسية واطئة فيهجم بسرعة ويتراجع بسرعة، بحجج ليس لها علاقة بالموضوع ، مثل أن يستدل على صحة هبوط أخلاقه مع خصومه بهبوط أخلاق الآخرين، كما يفعل الوهابية حين يستدلون برواية (باهتوهم) على سقوط الحشمة والأخلاق في التعامل مع الشيعة معللين ذلك بأن إمام الشيعة جوّز البهتان على أعدائهم بدون قيود - كما يحصرون الرواية بهذا الفهم - ولهذا فهم يفعلون جميع أنواع السقوط الأخلاقي بناء على هذا الدليل التخنثي.
وهذا هو التخنث المقصود بالمقال.
وهذا بعيد جدا عما نقلته من قول عالمين متأخرين.

المشكلة أنك لم تفرّق:

بين من يقول بأن كلمة (باهتوهم ) تبرر سوء الأخلاق في التعامل مع الشيعة، لأنها تعني اكذبوا عليهم، وهذا يدل على أن إمام الشيعة ساقط أخلاقيا ودينيا ولهذا لا يجب استعمال الأدب والأخلاق مع الشيعة. فيأخذ في السب والبذاءة الأخلاقية لهذا التبرير. كما صدر من كثيرين منهم ، ومنهم من عرف باسم عدو المشركين الذي سب الإمام علي عليه السلام واستدل بهذا الحديث على جواز سب الإمام علي عليه السلام.
وبين تفسير ابهتوهم أو باهتوهم واحتماله بمعنى اكذبوا عليهم (لمصلحةٍ) لأن حكم الكذب ليس واحدا، بل فيه الحرمة والجواز والوجوب. فإذا كان هناك مصلحة مثل درء الخطر فواجب، فإذا جاءك قاتلٌ وهابيٌ يسألك عن مؤمن مختبئ في دارك فلا يجوز لك الصدق شرعا لتعرّض حياته للخطر فيجب عليك أن تكذب عليه وتبهته بهذا المعنى، وتقول لا اعرف أو هو في المكان الفلاني لحين تدبير أمر تخليص المؤمن من هذا الوحش، فيبهت الوحش ويتحيّر في مراده ولا ينال ما يريد من تدمير مح الإسلام وهو المؤمن. والأعلام ذهبوا لهذا الطريق لا أن يقولوا فيهم ما ليس فيهم من الدعايات الكاذبة كما يفعل المجرمون من الكذب المحرم. وإنما يقصدون الكذب المحلل بل الواجب. وهذا على وجه العموم (وسنأتي لمعالجة النصوص التي نقلتها) فهذا الفهم يختلف تماما عن موضوع كلامنا.

فأين هذا من التخنث الذي قلنا عنه انه الاستدلال على صحة السقوط القيمي، لقولهم أن الإمام قال باهتوهم، وهذا يعني الكذب عليهم بدون قيد أو شرط ؟ فيجب استعمال سوء الخلق معهم.

فقد اشتبهت الطريق يا أيها الباقر حفظك الله.

وسنبيّن الآن فهم النصوص التي أوردتها

أولا: لا شك عند علماء الشيعة عدم جواز القول في الآخرين بما ليس فيهم. كتابا وسنة وإجماعا. إنما يجوز في حال الضرورة المبيحة كإخفاء الحقائق وتشويش ذهن الظالم لدفع البلاء عن المؤمن، وما شابه ذلك.
ثانيا: لو ورد لفظ شرعي مطلق يخالف قاعدة شرعية معينة ، فيُحمل الإطلاق على قيد عدم المخالفة تلك، وهذا من ضروريات الفهم العرفي فضلا عن الفهم الفني للنص. فلو واجهنا قول يقول: يجوز المباهتة لشخص. ونحتمل أن معناها يشمل الكذب وليس منحصرا بمعنى إلقاء الحجة وبهت المخالف بها، فيجب حملها على قيد ما كان جائزاً. وهو مثلا هنا قيد المصلحة المبيحة وليس المصلحة غير المبيحة، فهناك فرق بينهما.
ثالثا: يجب فهم الكتلة الكلية للنص بموجب قواعد تحليل النص ، وأهمها هو ارتباط القواعد الفقهية مع بعضها ، وفهم مصطلحهم، كقولهم (المقتضى) ويقصدون به الظهور الابتدائي الأولي. فلا يصح الاقتطاعات مع وجود سياق ومصطلح.
رابعا : ما أوردته في تعليقك إنما هو نصان وليس ثلاثة نصوص. و نص السيد الگلپايگاني قد اعترض عليه تلميذه في الهامش لأنه فهم من كلام المرحوم السيد الگلپايگاني هو: أن الظهور الأولي للنص يعني (الكذب) . فرد عليه قائلا ان هذا غير صحيح بتاتا. وانما الظهور الأولي هو مجابهة الخصم بما يسكته. واستدل بمقولة للعلامة المجلسي حين أورد المعنى الأصلي، واحتمل هذا المعنى، وردّه، معتمدا على المعنى اللغوي.


معنى كلام السيد الگلپايگاني:

يرى السيد الگلپايگاني بأن الأصل عدم جواز الكذب عليهم بما ليس فيهم والذي يظهر من كلمة (باهتوهم) أنه بمعنى الكذب والافتراء بدواً، دون معنى إلقامهم الحجة الفاضحة، فيجب حمل النص على العذر المبيح لذلك. وهو المصلحة المبيحة وشرح كيفيتها ، وليس من الجائز القول فيهم بما ليس فيهم، وإنما الكذب عليهم لمصلحة مبيحة ككشف ما يسقط جاههم ودجلهم . وفي الهامش الذي يبدو انه لأحد تلاميذه فقد اعترض عليه قائلا بأن الظهور الذي جزم به السيد رحمه الله غير مسلّم أصلا، لكون البهت لغة بمعنى أخذه بغتة، فيكون الظهور الأولي هو المباغتة على هذا الأساس فلا يحتاج إلى جريان قاعدة معالجة التعارض بالجمع العرفي. كما ذهب إليه شيخه السيد الگلپايگاني قدس الله نفسه ، واستدل بقول العلامة المجلسي بأن الظهور الأولي هو إلزامهم الحجة وبهتهم بها، وليس بمعنى الكذب عليهم، وان احتمل ذلك. ولكنه بعيد من إرادة النص له. وقد استدل المجلسي بقول الجوهري إن مادة بهت أي أخذه على حين غرة. وهي بعيدة عن الكذب أصلا في اللغة. فلا يصح دعوى انسباق الفهم إلى معنى الكذب، وهذا هو تفسير النص فاقرأ جيدا :


در المنضود - السيد الگلپايگاني - ج 2 - ص 148
........ وأما المبتدع فيجوز ذكره بسوء لأنه مستحق للاستخفاف ففي رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام - ويحذر هم الناس - ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة ( 1 ) . ترى أنه قد جوز بمقتضاها البهتان والافتراء عليهم وحيث إن الكذب غير جائز فلا بد من القول بأنه قد جوز الكذب هنا للمصلحة وهي سقوط اعتبار المبتدع وكسر جاهه في أنظار الناس كيلا يميلوا إليه فيضلوا به وإلا فالبهتان والكذب ليسا بجائزين ( 2 )

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 148 › ( 1 ) وسائل الشيعة ج 11 ب 39 من أبواب الأمر بالمعروف ح 1 . ( 2 ) كأنه دام ظله العالي كان قاطعا بأن قوله عليه السلام : باهتوهم بمعنى البهتان والحال أنه محل البحث فإنه أن : بهته بهتا أي أخذه بغتة . وقال العلامة المجلسي قدس سره في مرآة العقول ج 11 ص 81 بشرح الخبر : والظاهر أن المراد بالمباهتة إلزامهم بالحجج القاطعة وجعلهم متحيرين لا يحيرون جوابا كما قال تعالى : فبهت الذي كفر ، ويحتمل أن يكون من البهتان للمصلحة فإن كثيرا من المساوي يعدها أكثر الناس محاسن خصوصا العقائد الباطلة والأول أظهر قال الجواهري : بهته بهتا أخذه بغتة وبهت الرجل بالكسر إذا دهش وتحير إلخ . وقال في رسالته الفارسية الموسومة ب حدود وقصاص وديات ص 28 : عند ذكر الرواية : وبر ايشان حجت تمام كنيد تا ايشان طغيان نكنند در فاسد كردن دين اسلام . وترى أن صاحب الرياض بعد نقل الرواية قال : ولا تصح مواجهته بما يكون نسبته إليه كذبا لحرمته وإمكان الوقيعة فيه من دونه إلخ .

أقول : قوله: (دام ظله العالي) يعني أن الكتاب في زمن السيد نفسه، وليس بعده. فإذا أضفنا تقريظ السيد للكتاب، فيتأكد هذا المعنى. ولكن يبدو أن اكتمال طبع الكتاب كان بعد وفاته رحمه الله بحدود السنة .

وفي هذا النص تأكيد على عدم جواز الكذب على المخالفين بمعنى القول فيهم بما ليس فيهم. وعلى أساس هذا التعارض يعالج النص بطريقة حمل المطلق على المقيّد فاستنتج أن الجائز هو ما كان له غرض مبيح شرعا واسماه المصلحة.

وفي نص العلامة المجلسي في شرح الاحتمال الذي اضرب عنه ، نص غير مفهوم الدلالة لعله لوجود خلل طباعي كما يحدث غالبا، وهو قوله ( فإن كثيرا من المساوي يعدها أكثر الناس محاسن خصوصا العقائد الباطلة) فهذا قد ورد مورد التعليل. ولا يعرف كيفية التعليل به ؟ فإذا كانت المساوي حقيقية فأين الكذب؟ وإذا كانت ليست حقيقية فكيف تكون مساوي؟ لأنها غير موجودة أصلا. وإذا كانت المساوي الحقيقية كالعقائد الباطلة وهي حسنة عند الناس وسيئة في الواقع، فكيف يكون بيان سوءها كذبا؟ ولا يعقل انه يريد بيان فساد العقائد السليمة واعتبارها مساوئ فهذا فرض غير معقول مطلقا في الفكر الشيعي. فالنص فيه خلل ولعل فيه سقطا يوضّح المراد لم يتبين كيفيته، وإلا فإن هذا التعليل ينفي المعلل وهو صحة البهتان (بناء على معنى الكذب) إلا إذا كان البهتان هنا بمعنى البهت والمباغتة وليس الكذب فيصح التعليل، وهذا بعيد لكونه إضرابا. والإضراب يستدعي المغايرة، وعليه فما الفارق بين أصل قوله وهو بمعنى البهت وبين إضرابه بقوله (ويحتمل أن يكون البهتان)؟

وقد أكد في الهامش بأن السيد الطباطبائي رحمه الله في كتابه الرياض أكد عدم جواز الوقيعة بما ليس فيهم. وتأكيدات صاحب الرياض في الرياض تعبّر عن إجماعات منقولة أو محصّلة بالاستقراء ، كما يعلم أهل الصنعة من طبيعة بحث الرياض.
ولو كان ما فهمه السيد الگلپايگاني من باهتوهم بأن الفهم الأولي هو الكذب الذي حاول معالجته باستثناء المحرّم منه وهو القول فيهم بما ليس فيهم ، فهذا الفهم غير واقعي لغويا وهو كما قال المحقق في الهامش.
ويجب الاعتراف أن في عبارة السيد اضطراب لعلها من الترجمة أو من الاختصارات التسامحية لأنه ينبغي ان يكون النص بطريقة أكثر وضوحا . مثل قوله (للمصلحة وهي سقوط اعتبار المبتدع وكسر جاهه في أنظار الناس كيلا يميلوا إليه فيضلوا به)
لأن سقوط الاعتبار ليس هو المصلحة بل هو الملاك في الحكم إذا كان المراد من الرواية بيان من يسقط اعتباره لأن الأساس في حرمة الكذب هو الاعتبار، فلو كذب احد على جماد او مما لا يعقل فهذا لا اعتبار له فالحكم فيه ساقط ، وأما المصلحة فهي بيان بدعة المبتدع. وهذه المصلحة لا تستوجب الكذب لأن البدعة هي الكذب نفسه وليس العكس. فبيان الكذب لا يكون كذبا. فهو فرض خيالي لا مجال له للتحقيق العملي. ولهذا حرّم علمائنا الكذب حسبة وغير ذلك. قائلين بقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: لا يطاع الله من حيث يعصى.
وأما قوله (وحيث إن الكذب غير جائز فلا بد من القول بأنه قد جوز الكذب هنا للمصلحة ) فهو يحتاج أيضا إلى إعادة صياغة مثل (وحيث إن الكذب غير جائز شرعا فلا بد من القول بأن جواز الكذب مستند للمبيح وهو المصلحة، كإخفاء الحقيقة أمام الظالم المبتدع او تغييرها لدفع الضرر المبيح للكذب كما هو التحقيق) حتى يصح التطبيق العملي. وإلا فان المبتدع هو الكاذب الذي لم يستخرج الحكم من أصله الصحيح. فكشفه هو الحقيقة وهو الصدق، فلا تطبيق للموضوع إلا بهذا الشكل . لأن النص غير مانع مما لا يصح دخوله فيه.


أما نص السيد الخوئي رغم انه عالج احتمالا للتعارض بطريق علمي. وهو خارج تماما عما فهمت ، ومع ذلك فإنني اجزم بوجود خطأ طباعي وزيادة كلمة (ليس) في قوله (وذكرهم بما ليس فيهم افتضاحا لهم) ليكون (وذكرهم بما فيهم افتضاحا لهم) لمعرفتي الشخصية بالسيد الخوئي رحمه الله وبمقاصده ولمعرفتي بسياق الكلام فإن كلامه لا يمكن ان يتجه لهذا الاتجاه قطعا وبالتحقيق، فهو يقول بأن ذكرهم بما ليس فيهم محرّم كتابا وسنة وإجماعا. وقد تقتضي المصلحة بهتهم فإن المصلحة هي تبيان شؤونهم لضعفاء المؤمنين. وهذا يعني انه يجب أن يذكروا بما فيهم من الباطل. وليس بما ليس فيهم ، لأن تبيان شؤونهم الحقيقية لا يكون بالكذب عليهم، وليس هو بالكذب أصلا، وهذا هو المذاق العام في فهم النص ومساره ولو كان فهم السيد الخوئي كما هو مثبت في نصه فيكون هناك خطأ ما، يجب الإعراض عنه. لمخالفته لصريح مذهبنا القائل بما قاله سيدي أمير المؤمنين عليه السلام بأنه : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فالمصلحة هنا لا تبيح الكذب بما ليس فيهم. لأنه هو الباطل بعينه نعم المصلحة تبيح الكذب عليهم وقايةً للمؤمنين وحفظا لدمائهم، وعلى هذا التقرير ينبغي فهم نص السيد الخوئي :

مصباح الفقاهة - السيد الخوئي - ج 1 - ص 701
وهل يجوز هجو المبدع في الدين أو المخالفين بما ليس فيهم من المعائب ، أو لا بد من الاقتصار فيه على ذكر العيوب الموجودة فيهم . أما هجوهم بذكر المعائب غير الموجودة فيهم من الأقاويل الكاذبة ، فهي محرمة بالكتاب والسنة ، وقد تقدم ذلك في مبحث حرمة الكذب ، إلا أنه قد تقتضي المصلحة الملزمة جواز بهتهم والازراء عليهم ، وذكرهم بما ليس فيهم افتضاحا لهم ، والمصلحة في ذلك هي استبانة شؤونهم لضعفاء المؤمنين ، حتى لا يغتروا بآرائهم الخبيثة وأغراضهم المرجفة ، وبذلك يحمل قوله ( عليه السلام ) : وباهتوهم كي لا يطمعوا في الاسلام.
انتهى

فهذا واقع النصين رغم أنهما أصلا لا علاقة لهما بالتخنث الذي قصدناه ، فإن فهمك للنصين لم يكن موفقا حيث طابقت بين معالجة التعارض وبين قول المخنثين بأن كلام الإمام عليه السلام يعني الكذب بدون قيد أو شرط . واستدلوا بهذا النص على جواز السفالة والسقوط الأخلاقي لهم. كما يفعل ذووا الأخلاق الهابطة حين يعاتَبون على خلقهم المنحط فيقولون: إن فلان وفلان أخلاقهم سيئة فيجوز لنا أن تكون أخلاقنا سيئة.

ويجب ان تلاحظ بأن هذا الاحتمال ورد عن فقهاء متأخرين ليسوا حجة في اللغة والتشخيص اللغوي. وإنما لهم اجتهادهم الذي يناقش بكل سهولة كما ناقش تلميذ السيد الگلپايگاني شيخه في كتابه في حياته وبإشراف السيد نفسه وتقريظه، من دون أن يرفع هذه التعليقة النافية لأصل مطلبه فلعله رأى أن ما ورد عنه يستحق التعليق والتراجع فسمح به.

وأما ما نقلته عن السيد المدرسي حفظه الله فهو كلام وعظ وإرشاد. ومن المعلوم إن المرشدين يتسامحون في التعبيرات وقد يصححون كلامهم في أثناء الحديث إذا التفتوا ولو نبهوا وأبانوا الحقيقة فإذا أصر القائل وتلاعب فهنا تحدث المشكلة. وهذا السيد ليس من هذا القبيل. بل له رأي صريح مكتوب نقله الأخ الحزب خالف ما نقلته ، بل إن ما نقلته أنت لا يدل على هذا الاتجاه مطلقا وهو متماش مع أصول مذهبنا .
ومع ذلك فسأناقش ما نقلته أنت على أساس نقلك فقط من دون ان يكون هناك حاجة للتشكيك في نقلك فانا لحد الآن لا اتهمك بالنقل وإنما رأيت عدم ضبط للنص كما هو ظاهر لي.

و قبل كل شيء أنني قلت عن قول المخنثين : [ و(أنت مني بمنزلة هارون) تعني عدم الخلافة لأن هارون مات قبل موسى كما يقولون مع أن موسى لا يعلم كيف مات ومتى مات؟]
أرجو أن تلتفت لقولهم الذي ينشرونه بأن هذا الحديث دليل على عدم إمامة أمير المؤمنين لتبريرهم السابق وقد يقول آخرون بأنه لا يدل على الإمامة بأي شكل من الإشكال بناء على هذه الشبهة وهؤلاء غير مقصودين بالتخنث الفكري. ولم أتطرق إلى السؤال : هل النص كافي بمفرده أم بما يحفه من القرائن أو بتكملة النص الدال على الإمامة بل أكثر.

و هذا نص قولك:
(فقال بما معناه : بأن حديث المنزلة ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ليس دليلا على الولاية أو الخلافة لأن هارون مات قبل موسى وثانيا لأن وصي موسى هو يوشع وليس هارون ولكن هذا الدليل يدل على أمر أخر نفهمه من القران ثم جاء السيد المدرسي بهذه الآيات من سورة طه (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) أي الإمام علي شريك الرسول في النبوة فلولا عليا لما قام الإسلام )

وهذا النص فيه الملاحظات التالية التي تنفي التطابق بين ما قاله وبين قول المخنثين:

الأول: انه من المستحيل ان يقول هذا السيد المشتغل بأن حديث المنزلة بكامله ليس دليلا على الخلافة الشرعة للإمام علي لما فيه من ملابسات وتكملة دالة على المطلوب قطعا، ولكن يمكن أن يقول بأن نفس النص القصير (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) قد لا يدل دلالة واضحة على الخلافة مجردا عن القرائن والنصوص الحافة والشارحة والمؤكدة ، وما نقلته أنت يؤكد هذا المعنى. وهذا المعنى قد أشار إليه وناقش فيه علماء الشيعة وقد كتب في ذلك الشيخ الصدوق في كتاب الهداية .
ثانيا : السيد يعلم وكل محقق يعرف بأن النصوص الحافة والقرائن لا تقبل الشك بشرح النص على انه نص في الخلافة كقول رسول الله ص المتمم للحديث: (إنه لا ينبغي أن أذهب إلا و أنت خليفتي) وقد أورد الشيخ الصدوق رواية عن جابر الأنصاري يذهب فيها إلى أن معنى حديث المنزلة هو الخلافة للرسول في حياته وبعد وفاته. قال جابر رض : [استخلفه بذلك والله على أمته في حياته وبعد وفاته وفرض عليهم طاعته فمن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين] (الهداية للصدوق ص 157 الحديث :1) . وهو قد ذهب إلى ما قاله القدماء منا بأن التشبيه فيه نكتة وهي المطابقة مع التخويل القرآني لهارون كشريك في مسؤولية الدين وليس في الزعامة فقط. وهذا أعظم بكثير مما يراد إثباته من الخلافة. وقد قال بهذا السيد المذكور بحسب نقلك لمفهوم كلامه.
ثالثا: أن الكلام في حديث المنزلة هو البحث عن المنزلة من النبي. وهذا ما يبحثه الشيعة حيث يتوصلون من المنزلة إلى الإمامة . وليس بحثهم عن الخلافة مباشرة، ولهذا فلا يضر فيه موت هارون قبله ، لأن موضوع الحديث هو المنزلة من رسول الله في حياته كمنزلة هارون من موسى في حياته ، ومن هنا الانطلاق . وما يبحثه الوهابيون من التحريف هو أنهم يقولون بأن الحديث ينص على عدم إمامة علي بن ابي طالب وخلافته لرسول الله لأنه مشبَّه بهارون وهارون لم يصبح خليفة باعتباره مات قبل موت موسى فيعني أن علي ابن ابي طالب ليس خليفة لرسول الله بنص هذا الحديث. فالتفت لذلك.
وقد عرض الشيخ الصدوق كيفية الاستدلال غير المباشر أو المباشر بالقرائن في كتابه الهداية من صفحة 159 إلى 161 فراجع. ففيه معالجات لمختلف الإشكالات المتمحورة حول عدم بقاء هارون بعد موسى.
وقد استدل السيد المرتضى بالدليل العقلي على تقديم الأفضل واستشهد بقول رسول الله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى . على انه شهادة حسية من الرسول نفه بأنه أفضل أهل زمانه كما كان هارون كذلك. بدون شبهة أو خلاف في ذلك. (راجع رسائل المرتضى الجزء الرابع صفحة 76 -77 ) فقد اعتبر الحديث مورد تشخيص الأفضل الذي يجب تقديمه عقلا . وبهذا فهو يشخّص الإمام خارجا، لا أنه يعيّنه من حيث النص. ولكن التشخيص مع الانحصار يكون تعيينا كما لا يخفى. وهو المطلوب.

وأكتفي بهذا القدر من التنبيهات .

واكرر حتى لا يبقى عذر ، فأقول بأن المشركين الوهابية يستدلون بحديث المنزلة على عدم إمامة الإمام علي عليه السلام مستدلين بعدم بقاء هارون بعد موسى ليكون خليفة، وهذا تخنث منهم ما بعده تخنث، بينما ما نقلتَه أنت عن السيد المدرسي حفظه الله متوافق مع ما يذهب إليه الشيعة من إن حديث المنزلة مهمته تشخيص الأقرب والأفضل بعد رسول الله ص وبالتطبيق يكون هو الإمام المعين ، هذا إذا كان مجردا عن القرائن، وأما مع القرائن والنصوص الداعمة فهو اقرب للنص إن لم يكن نصا على الإمامة والخلافة لأمير المؤمنين عليه السلام.
فأين هذا من ذاك.

شكرا لك يا ولدنا وأرجو أن لا تتعجل مرة أخرى في كلام لا ينفعك مطلقا . ونسأل الله أن يبعد عنك الوساوس التي تشكك في تخنث هؤلاء .

وتحياتي لك ولأسرتك الكريمة وفقكم الله جميعا .