بحق في أن الذبيح هو اسماعيل .. وقول النبي ( أنا ابن الذبيحين )

18 أبريل 2010
48
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم


السر وراء ترجيح المصادر السنية لحديث الاسرائيليات وأن الذبيح إسحاق ؟!!


قالت اليهود إن الذبيح هو إسحاق وليس اسماعيل .

قال السيد جعفر مرتضى في ( الصحيح) من السيرة ج 2 ص 47 : السؤال الذي يلح في طلب الاجابة عليه هو :
من أين جاء هذا الامر الغريب : أن الذبيح هو إسحاق ! والجواب : هو ما قاله ابن كثير وغيره ( إنما أخذوه والله أعلم من كعب الاحبار ، أو من صحف أهل الكتاب . وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك من أجله ظاهر الكتاب .(1)
فاليهود إذن قد أرادوا ترويج عقيدتهم بين المسلمين ، وتخصيص هذه الفضيلة بجدهم إسحاق حسب زعمهم . ولكن اليهود أنفسهم قد فاتهم أن التوراة المتدوالة نفسها متناقضة في هذاالامر فإنها في حين تقول ( خذ ابنك ، وحيدك ، الذي تحبه إسحاق . وإذهب الى أرض المريا، وأصعده هناك محرقة على ..الخ .(2) فقد عبرت هنا بكلمة وحيدك الدالة على أن إسحاق هو أكبر ولد ابراهيم ولكنها تعود فتكذب نفسها وتنص على أن إسحاق لم يكن وحيدا وإنما ولد وعمر إسماعيل أربعة عشر سنة . انتهى .
وقال في هامشه :
(1) البداية والنهاية ج 1 ص 161 و159 وراجع السيرة الحلبية ج 1 ص 38 عن ابن تيمية .
(2) سفر التكوين : الاصحاح 22 ، الفقرة 1-33 ولتراجع سائر فقرات الاصحاح أيضا.
(3) سفر التكوين الاصحاح 16 فقرة 15-16 نص على أن عمر ابراهيم حين ولادد اسماعيل 86 سنة . وفي سفر التكوين الاصحاح 17 والاصحاح 18 نص على أنه ولد له إسماعيل وهو ابن 99 ، أو مئة سنة . انتهى .

وأماإخواننا السنيون فقد تحيروا في من هو الذبيح ، وروت مصادرهم روايات ( صحيحة ) متناقضة !
فقد روى الحاكم مثلا عدة روايات في أن الذبيح المذكور في القرآن هو اسماعيل وصحح بعضها على شرط الشيخين !

قال في ج 2 ص 430 : حدثنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي ثنا الحسن بن المثنى العنبري ثنا أبو حذيفة ثنا شبل بن عباد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل : وإن من شيعته لابراهيم ، قال من شيعة نوح ابراهيم على منهاجه وسنته . بلغ معه السعي ، شب حتى بلغ سعيه إبراهيم في العمل . فلما أسلما ، ما أمرا به .
وتله للجبين ، وضع وجهه إلى الارض فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني فلا تجهز علي ، إربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي على الارض فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحك المدية حتى نودي : أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا ، فأمسك يده ورفع .
قوله فديناه بذبح عظيم ، بكبش عظيم متقبل . وزعم ابن عباس أن الذبيح اسمعيل هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . انتهى .
وقال في ج 2 ص 554 : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح اسمعيل . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . انتهى .

وروى في الصفحة التي بعدها : عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : المفدى اسمعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود . انتهى .

ثم روى الحاكم عدة روايات في أن الذبيح هو إسحاق ، وأنه هو الذي يشفع للموحدين ولم يذكر فيها شيئا عن شفاعة نبينا صلى الله عليهما وآلهما ، وصحح بعضها أيضا على شرط الشيخين ! قال في ج 2 ص 557 عن إحدى رواياته : قال الحاكم : سياقة هذا الحديث من كلام كعب بن ماتع الاحبار ، ولو ظهر فيه سند لحكمت بالصحة على شرط الشيخين فإن هذاإسناد صحيح لا غبار عليه .

وقال في ص 559 : حدثنا إسمعيل بن الفضل بن محمد الشعراني ثنا جدي ثنا سنيد بن داود ثنا حجاج بن محمد عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الاحوص عن عبد الله قال عبد الله قال : الذبيح إسحاق . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ...
وحدثنا محمد بن عمرو الاويسي عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال : لما رأى ابراهيم في المنام أن يذبح اسحاق أخذ بيده . فذكره بطوله ..
قال الحاكم : وقد ذكره الواقدي بأسانيده . وهذا القول عن أبي هريرة وعبد الله بن سلام وعمير بن قتادة الليثي وعثمان بن عفان وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وعب الله بن عمر وعبد الله بن عمرو ، والله أعلم . وقد كنت أرى مشائخ الحديث قبلنا وفي سائر المدن التي طلبنا الحديث فيها وهم لا يختلفون أن الذبيح إسمعيل وقاعدتهم فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : أنا ابن الذبيحين ، إذ لا خلاف أنه من ولد إسمعيل وأن الذبيح الآخر أبوه الادنى عبد الله بن عبد المطلب . والآن فإني أجد مصنفي هذه الادلة يختارون قول من قال إنه إسحاق . انتهى .

فقد بين الحاكم أنه يوجد عند إخواننا السنة اتجاهان في تعيين الذبيح : القول بأنه اسماعيل ، وهو الاتجاه الشعبي عند الناس وعند مشايخ الحديث الاكثر تقديسا للنبي صلى الله عليه وآله ،
ولم يكن في ذلك عندهم شك ولا خلاف .
والقول بأنه إسحاق ، وهو اتجاه ( مصنفي هذه الادلة ) ومجموعات الاحاديث أي اتجاه دولة الخلافة والعلماء الذين صنفوا الحديث برعايتها . ثم أشار الحاكم الى أن هذه الاحاديث أوجبت عليه أن يتوقف فيما هو مشهور عند مشائخ الحديث ، وأن يميل الى اتجاه المصنفين وأن الذبيح إسحاق !
ثم أورد رواية عن وهب ابن منبه ( اليهودي المقبول في مصادر إخواننا) تؤكد أن الذبيح إسحاق وأنه هو شفيع الموحدين !
قال : عن وهب بن منبه قال : حديث إسحاق حين أمر الله إبراهيم أن يذبحه : وهب الله لابراهيم إسحاق في الليلة التي فارقته الملائكة فلما كان ابن سبع أوحى الله إلى ابراهيم أن يذبحه ويجعله قربانا ، وكان القربان يومئذ يتقبل ويرفع فكتم ابراهيم ذلك إسحاق وجميع الناس وأسره إلى خليل له ، فقال الغازر الصديق وهو أول من آمن بابراهيم وقوله ، فقال له الصديق : إن الله لايبتلي بمثل هذا مثلك ، ولكنه يريد أن يجربك ويختبرك فلا تسوأن بالله ظنك ، فإن الله يجعلك للناس إماما ولا حول ولا قوة لابراهيم وإسحاق إلا بالله الرحمن الرحيم . فذكر وهب حديثا طويلا ، إلى أن قال وهب :

وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لقد سبق إسحاق الناس إلى دعوة ماسبقها اليه أحد ، ويقومن يوم القيامة فليشفعن لاهل هذه الدعوة ، وأقبل الله على ابراهيم في ذلك المقام فقال : إسمع مني ياابراهيم أصدق الصادقين . وقال لاسحاق : إسمع مني يا أصبر الصابرين ، فإني قد ابتليتكما اليوم ببلاء عظيم لم أبتل به أحدا من خلقي ، ابتليتك ياإبراهيم بالحريق فصبرت صبرا لم يصبر مثله أحد من العالمين ، وابتليتك بالجهاد في وأنت وحيد وضعيف فصدقت وصبرت صبرا وصدقا لم يصدق مثله أحد من العالمين ، وابتليتك يا إسحاق بالذبح فلم تبخل بنفسك ولم نعظم ذلك في طاعة أبيك ، ورأيت ذلك هنيئا صغيرا في الله كما يرجو من أحسن ثوابه ويسر به حسن لقائه ، وإني أعاهدكما اليوم عهدا لا أحبسن به : أما أنت ياابراهيم فقد وجبت لك الجنة على فأنت خليلي من بين أهل الارض دون رجال العالمين ، وهي فضيلة لم ينلها أحد قبلك ولا أحد بعدك ، فخر ابراهيم ساجدا تعظيما لما سمع من قول الله متشكرا لله . وأما أنت ياإسحاق فتمن علي بما شئت وسلني واحتكم أوتك سؤلك . قال : أسألك ياإلهي أن تصطفيني لنفسك ، وأن تشفعني في عبادك الموحدين ، فلا يلقاك عبد لايشرك بك شيئا إلا أجرته من النار .
قال له ربه : أوجبت لك ما سألت ، وضمنت لك ولابيك ماوعدتكما على نفسي وعدا لاأخلفه ، وعهدا لا أحبسن به ، وعطاء هنيئا ليس بمردود . انتهى .

والنتيجة أن الحاكم يشهد بأن الروايات القائلة بأن الذبيح اسماعيل صحيحة ومشهورةعند مشائخ الحديث وعامة الناس .
ويشهد أيضا بأن الروايات القائلة بأن الذبيح إسحاق صحيحة أيضا عند أهل المصنفات ، وهو يرجحها مع أنها مخالفة للمشهور .. لكن

يبقى السؤال : من أين جاء هذان الاتجاهان في المسألة ؟!

أما البخاري فقد تهرب في صحيحه من تعيين الذبيح ، ولكنه اختار في تاريخه أنه إسحاق وليس اسماعيل ، رغم وجود عدة روايات صحيحة على شرطه تقول إنه اسماعيل ،
ولا يصح القول إنه لم يرها !!!
قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 282 : وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : الذبيح إسحق . انتهى .
بل يمكن القول إن البخاري اختار في صحيحه أيضا أن الذبيح إسحاق ، لان الرواية اليتيمة التي رواها عن الموضوع اقتطعها وانتقاها من رواية مجاهد المتقدمة في مستدرك الحاكم ، وقد حذف منها أن الذبيح اسماعيل !
قال في صحيحه ج 8 ص 70 : باب رؤيا ابراهيم وقوله تعالى : فلما بلغ معهالسعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين . فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . قال مجاهد أسلما : سلما ما أمرا به ، وتله : وضع وجهه بالارض . انتهى .

وقد صرح مجاهد في أصل هذه الرواية وغيرها بأن الذبيح اسماعيل ، كما رأيت في مستدرك الحاكم ، وكما قال في الدرالمنثور ج 5 ص 280 : وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح اسمعيل عليه السلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن مهران وأبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح اسمعيل عليه السلام .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قالا : الذي أراد ابراهيم عليهالسلام ذبحه اسمعيل عليه السلام .
وأخرج ابن جرير عن الشعبي ومجاهد والحسن ويوسف بن مهران ومحمد بن كعب القرظي مثله . انتهى .

فمجاهد رأيه قاطع بأن الذبيح اسماعيل حتى في روايته التي نقلها البخاري ، ولكنه حذف منها ذلك ، دون أن يشير الى مافعل مع الاسف !
وأما مسلم فلم نجد فيه رواية تعين الذبيح ،
ولو كان يرى أنه إسماعيل لذكره ، لوجود روايات عديدة صحيحة على شرطه ، ومن البعيد أنه لم يرها ! فلا بد أنه كالبخاري والحاكم رجح أن الذبيح إسحاق .

أما لماذا فعلوا ذلك ؟

فالجواب : أنهم رأوا أهل المصنفات يميلون اليه ويسقطون الاحاديث الصحيحة بأن الذبيح اسماعيل !

أما لماذا فعل أهل المصنفات ذلك ؟ فالجواب : لحاجة في نفس يعقوب !! والحاجة التي في نفس يعقوب هي أن قريشا تبنت القول بأن الذبيح هو إسحاق حتى لاتضطر الى الاعتراف بحديث ( أنا ابن الذبيحين ) لانها تعطي لعبد المطلب مقاما شبيها بمقام ابراهيم ، وأنه كان وليا ملهما كالانبياء ، وأن الله تعالى امتحنه فأمره بذبح أحد أبنائه .. وإذا اعترفت بذلك فإن حق الحكم بعد النبي يجب أن يكون في بني عبد المطلب دون غيره من بيوتات قريش وقبائلها !!

فالافضل للقرشيين في تصورهم أن يقولوا إن عبد المطلب وأبا طالب وكل أسرة النبي الماضين كانوا كفارا وأنهم في النار ، وأن ورثة سلطان النبي هم جيل قريش الذين عاصروه !

ولهذا نجد أن شخص الخليفة يتدخل في هذا الموضوع ويصير راويا ويقول إن النبي لم يقل إنه ابن الذبيحين ولكن بدويا فقيرا تقرب اليه بهذه العبارة فتبسم لها !
روى الحاكم في المستدرك ج 2 ص 554 عن : عبد الله بن سعيد الصنابحي قال : حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم اسمعيل واسحاق بن ابراهيم فقال بعضهم : بل إسحاق الذبيح ، فقال معاوية : سقطتم على الخبير ، كنا عند رسول الله فأتاه الاعرابي فقال : يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابسا ، هلك المال وضاع العيال ، فعد علي بما أفاء الله عليك يابن الذبيحين ، فتبسم رسول الله ولم ينكر عليه !!
فقلنا يا أميرالمؤمنين وما الذبيحان ؟ قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده ، فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا : أرض ربك وافد ابنك . قال ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح واسمعيل الثاني . انتهى .

وفي ظني أن الراوي تصرف في القسم الاخير من كلام معاوية ، لانه في القسم الاول نفى مسألة الذبيح من أصلها بأن النبي نفسه لم يقلها بل قالها أعرابي وتبسم لها النبي ! ولا بد أن تكون بقية حديث معاوية في نفي الذبيحين بلسان معاوية أو عن لسان النبي صلى الله عليه وآله !
لقد التقت مصلحة القرشيين في هذه المسألة مع مصلحة اليهود ، وكعب الاحبار وتلاميذه حاضرون ، لايدعون هذه الفرصة ليثبتوا أن الذبيح اسحاق وليس اسماعيل ، ويأخذوا الشفاعة للموحدين من النبي صلى الله عليه وآله ويجعلوها لاسحاق !!

ويتضح عمل كعب في الموضوع من الرواية التالية التي رواها عبد الرزاق في تفسيره ج 2 ص 123 عن الزهري عن القاسم بن محمد في قوله : إني أرى في المنام أني أذبحك ، قال : اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة يحدث كعبا عن النبي ( ص ) وجعل كعب يحدث أباهريرة عن الكتب !! فقال : أبو هريرة قال النبي (ص ) : إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة ، فقال له كعب : أنت سمعت هذا من رسول الله ؟! قال نعم .
قال كعب : فداه أبي وأمي ، أفلا أخبرك عن إبراهيم إنه لما رأى ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان : إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهما أبدا ، فخرج ابراهيم بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال : أين ذهب ابراهيم بابنك ؟ قالت : غدا به لبعض حاجته ، فقال : إنه لم يغد به لحاجة ، إنما ذهب ليذبحه . قالت : ولم يذبحه ؟! قال : يزعم أن ربه أمره بذلك ! قالت : فقد أحسن أن يطيع ربه في ذلك ، فخرج الشيطان في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك ؟ قال لحاجته ، قال إنما يذهب بك ليذبحك ! قال لم يذبحني ؟ قال يزعم أن ربه أمره بذلك ! قال والله لئن كان أمره بذلك ليفعلن .
قال فتركه ولحق بإبراهيم فقال : أين غدوت بابنك ؟ فقال لحاجة ، قال : فإنك لم تغد به لحاجة إنما غدوت لتذبحنه ! قال ولم أذبحه ؟ قال تزعم أن ربك أمرك بذلك ! قال : فوالله لئن كان أمرني بذلك لافعلن . قال : فتركه ويئس أن يطاع . انتهى .

- وروى الطبري في تاريخه ج 1 ص 187 رواية معاوية وعدة روايات عن كعب الاحبار فيأن الذبيح إسحاق ، ومنها رواية عبد الرزاق بألفاظ مشابهة وزاد فيها : فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحق أعفاه الله وفداه بذبح عظيم قال إبراهيم لاسحق قم أي بني فإن الله قد أعفاك ، فأوحى الله إلى إسحق إني أعطيك دعوة أستجيب لك فيها ، قال إسحق : اللهم فإني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الاولين والآخرين لا يشرك بك شيئا فأدخله الجنة . انتهى .

وبذلك يقول لنا كعب !!!:
إن الذبيح هو إسحاق جد اليهود وليس جد العرب ، ثم إنكم تزعمون أن محمدا يشفع في الموحدين وقد سبقه الى ذلك إسحاق فلم يبق معنى لشفاعة نبيكم !

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 282 : وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الايمان عن كعب رضي الله عنه أنه قال لابي هريرة : ألا أخبرك عن اسحق ؟ قال بلى ، قال : لما رأى ابراهيم أن يذبح إسحق ... وذكر شفاعة اسحاق للموحدين بنحو رواية الطبري المتقدمة !

- وقال ابن خلدون في تاريخه ج 2 ص 38 : واختلف في ذلك الذبيح من ولديه فقيل اسمعيل وقيل اسحق ، وذهب إلى كلا القولين جماعة من الصحابة والتابعين ، فالقول باسمعيل لابن عباس وابن عمر والشعبي ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظي ، وقد يحتجون له بقوله صلى الله عليه وسلم : أنا ابن الذبيحين ، ولا تقوى الحجة به لان عم الرجل قد يجعل أباه بضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر !!
ويحتجون أيضا بقوله تعالى : فبشرناها بإسحق ومن وراء اسحق يعقوب ، ولو كان ذبيحا في زمن الصبا لم تصح البشارة بابن يكون له لان الذبح في الصبا ينافي وجود الولد ، ولا تقوم من ذلك حجة لان البشارة إنما وقعت على وفق العلم بأنه لا يذبح وأنما كان ابتلاء لابراهيم .
والقول بإسحق للعباس وعمر وعلي وابن مسعود وكعب الاحبار وزيد بن أسلم ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطا والزهري ومكحول والسدي وقتادة .انتهى .
وينبغي الالتفات هنا الى أن أصل القول بأن الذبيح إسحاق من شخصين حسب رواية ابن خلدون وغيره :

الاول : الخليفة عمر مؤسس الخلافة القرشية وصاحب مشروع عزل بني هاشم عن الخلافة .
والثاني : كعب الاحبار حامل راية الثقافة الاسرائيلية .

وقد ذكر الرواة المؤيدون للخلافة القرشية اسم علي والعباس ورووا عنهما أن الذبيح إسحاق ، لانهما من أولاد عبد المطلب ، ومن المناسب الاحتجاج بشهادتهما لسلب هذا المنقبة العظيمة عن عبد المطلب التي تجعله بنص الرسول صلى الله عليه وآله ابراهيم الثاني !
ويظهر أن قريشا وكعبا لم يستطيعوا إقناع جمهور المسلمين بمقولتهم المخالفة لظاهر القرآن ، ولا إسكات بني هاشم ومنهم ابن عباس بأن الذبيح هو اسحاق وإن رووا ذلك عنهم ، فبقي عوام المسلمين مع ظاهر القرآن وفطرتهم ، وبقيت روايات أهل البيت الصريحة ، وروايات ابن عباس التي تقدمت في مستدرك الحاكم ج 2 ص 555 : قال : المفدى اسمعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحاق ، وكذبت اليهود . انتهى .
بقي كل ذلك يتحدى رواة الخلافة القرشية واسرائيلياتها !

* رأي أهل البيت عليهم السلام
----------------------------
تؤكد مصادر أهل البيت عليهم السلام أن الذبيح هو اسماعيل عليه السلام ، وقد قوى العلماء رواياته وضعفوا رواية أن الذبيح إسحاق ، حتى صار ذلك من مختصات مذهبنا ..

ففي تفسير القمي ج 2 ص 226 : قال : وحدثني أبي عن صفوان بن يحيى وحماد عن عبدالله بن المغيرة عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألناه عن صاحب الذبح فقال : اسماعيل . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : أنا ابن الذبيحين ، يعني اسماعيل وعبد الله بن عبد المطلب .

- وفي تفسير التبيان ج 8 ص 517 : واختلفوا في الذبيح فقال ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن كعب القرطي وسعيد بن المسيب والحسن في إحدى الروايتين عنه والشعبي : إنه كان اسماعيل ، وهو الظاهر في روايات أصحابنا ، ويقويه قوله بعد هذه القصة وتمامها : وبشرناه بإسحاق نبيامن الصالحين ، فدل على أن الذبيح كان اسماعيل . ومن قال : إنه بشر بنبوة إسحاق دون مولده ، فقد ترك الظاهر لان الظاهر يقتضي البشارة بإسحاق دون نبوته .
ويدل أيضا عليه قوله : فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم يذكر اسماعيل. فدل على أنه كان مولودا قبله .
وأيضا فإنه بشره بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب ، فكيف يأمره بذبحه مع ذلك .
وأجابوا عن ذلك بأن الله لم يقل إن يعقوب يكون من ولد إسحاق .
وقالوا أيضا يجوز أن يكون أمره بذبحه بعد ولادة يعقوب . والاول هو الاقوى على ما بيناه . وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : أنا ابن الذبيحين ، ولا خلاف أنه كان من ولد اسماعيل والذبيح الآخر عبد الله أبوه . انتهى .

- وفي تفسير نور الثقلين ج 4 ص 421 : في أمالي شيخ الطائفة قدس سره بإسناده إلى سليمان بن يزيد قال : حدثنا على بن موسى قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : الذبيح اسماعيل عليه السلام .

- وفي مهج الدعوات في دعاء مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله : يامن فدى اسماعيل من الذبح .
- وفي مستدرك الوسائل ج 16 ص 98 : وفي العيون : عن أحمد بن الحسن القطان ، عن أحمدبن محمد بن سعيد الكوفي ، عن علي بن حسن بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين ، قال : يعني اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليهما السلام ، وعبد الله بن عبدالمطلب ... إلى أن قال : وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ، ونذر لله عز وجل أن يذبح واحدا منهم متى أجاب الله دعوته ، فلما بلغوا عشرة قال : قد وفى الله تعالى لي ، فلافين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم ، فخرج سهم عبد الله .. الخبر .
- ابن شهر آشوب في المناقب : تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة ، لما علم من حال اسماعيل ، فنذر أنه متى رزق عشرة أولاد ذكورا أن ينحر أحدهم في الكعبة شكرا لربه ، فلما وجدهم عشرة قال لهم : يا بني ما تقولون في نذري ؟ فقالوا: الامر اليك ونحن بين يديك ..الخبر . انتهى .

* بحث في إيمان عبد المطلب ورواية أنا ابن الذبيحين
-------------------------------------------------
نظرا لاهمية هذه المسألة وارتباطها بشفاعة النبي وشخصية أبيه وجده صلى الله عليه وآله .. نستعرضها بشكل موجز ونبين ظلامة عبد المطلب في مصادر إخواننا :
فقد روت مصادرهم بأسانيد صحيحة عن لسان أصدق الصادقين ، الناطق بإلهام رب العالمين صلى الله عليه وآله ، نقاطا ملفتة في مدح عبد المطلب توجب الاعتقاد بأن شخصيته شخصية ربانية ، وتوجب رفض الروايات التي تعارضها وتتهمه بالشرك وعبادة الاصنام !
فمن هذه الاحاديث :
أنه عندما انهزم المسلمون في حنين وتركوا نبيهم صلى الله عليه وآله بين سهام الكفار ورماحهم وسيوفهم ، في أشد ظروف الخطر ، ولم يبق معه إلا الملائكة وعلي وبعض بني هاشم .. ترجل للحرب وافتخر على الكفار بأمرين : نبوته ، وأنه ابن عبد المطلب ، وباهاهم بذلك وقاتلهم !
والنبي العادي لايفتخر بجده وآبائه إذا كانوا كفارا ، فكيف بسيد الانبياء والمرسلين وأتقى الموحدين صلى الله عليه وآله ؟!

قال البخاري في صحيحه ج 5 ص 98 : عن أبي إسحق قال سمعت البراء وجاءه رجل فقال: يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين ؟! فقال أما أنا فأشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول ، ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحرث ( بن عبد المطلب ) آخذ برأس بغلته البيضاء ( وهو ) يقول :
أنا النبي لا كذب .... أنا ابن عبد المطلب

وقال البخاري في ج 3 ص 220 : قال : لا والله ماولى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن ولى سرعان الناس فلقيهم هوازن بالنبل ، والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحر ث آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول : أنا النبي لا كذب .... أنا ابن عبد المطلب

- وقال في ج 4 ص 28 : رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول يومئذ ، كان أبو سفيانبنالحرث آخذا بعنان بغلته فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول :
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
قال : فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه ! ورواه مسلم في ج 5 ص 168 و 169

- وقال البخاري في صحيحه ج 4 ص 161 : باب من انتسب إلى آبائه في الاسلام والجاهلية . وقال ابن عمرو وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الكريم ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن ابراهيم خليل الله . وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنا ابن عبد المطلب .

ومن هذه الاحاديث :
مادل أن الله تعالى جعل في شريعته الخالدة مالية خاصة لابناء عبد المطلب الى يومالقيامة ، فحرم عليهم الصدقات لانها أوساخ الناس وجعل لهم بدلها الخمس ! وإن شخصا يكون في ذريته أبرار وأخيار بهذا المستوى الى يوم القيامة ، يستبعد أن يكون مشركا عابدا للاصنام !
- قال النسائي في سننه ج 7 ص 134 : عن مجاهد قال الخمس الذي لله وللرسول كان للنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته لايأكلون من الصدقة شيئا... قال الله جل ثناؤه: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .
- وقال أبو داود في سننه ج 2 ص 26 : حدثنا حسين بن على العجلى ، ثنا وكيع ، عن الحسن بن صالح عن السدي في ذي القربى ، قال : هم بنو عبد المطلب .
- وقال النسائي ج 5 ص 105 : باب استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة ...أخبرنا عمرو بن سواد بن الاسود بن عمرو عن ابن وهب قال حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عبدالله بن الحرث بن نوفل الهاشمى أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربيعة بن الحرث قال لعبد المطلب بن ربيعة بن الحرث والفضل بن العباس بن عبد المطلب ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له استعملنا يارسول الله على الصدقات ، فأتى علي بن أبي طالب ونحن على تلك الحال فقال لهما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعمل منكم أحدا على الصدقة ، قال عبد المطلب : فانطلقت أنا والفضل حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا : إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لاتحل لمحمد ولا لآل محمد .

- وفي صحيح مسلم ج 3 ص 118 عن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس ... وقال أيضا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدعوا لي محمية بن جزء ، وهو رجل من بني أسد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الاخماس . انتهى . ونحوه في سنن أبي داود ج 2 ص 28 ومسند أحمد ج 4 ص 166 والبيهقي في سننه ج 7 ص 31 - وشبهه في ج 6 ص 338 وروى إحدى رواياته الحاكم في المستدرك ج 3 ص 484 وقال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه .
- ونحوه في كنز العمال ج 6 ص 458 بعدة روايات .

ومعنى قوله ادعوا لي محمية : أدعوا لي المسؤول عن الاخماس التي هي شرعا لبني عبدالمطلب حتى أعطي هؤلاء منها . وهو يدل على أن النبي نفذ في حياته الحكم الشرعي في الخمس ، وجعل له مسؤولا هو محمية بن جزء ، ولكن ذلك انتهى بوفاته ولم يبق له أثر عند خلفاء قريش !
* *
وقد يشكل على هذا التشريع الاسلامي : بأنه قد أسس الطبقية في المجتمع الاسلامي وجعل أسرة النبي صلى الله عليه وآله من بني هاشم وعبد المطلب أسرة مميزة اجتماعي وماليا ، بل ومترفعة على غيرها ، فهي لا تأكل من أموال بيت المال التي تتجمع من الزكوات والضرائب لانها أوساخ الناس ، بل من ماليتها الخاصة في موارد الدولة . وقد اختلف الفقهاء في هذه موارد مالية بني عبد المطلب ، فحصرها فقهاء الخلافة القرشية بغنائم الحرب ، وجعلوا خمسها لذوي قربى النبي من بني هاشم .. وعممها فقهاء الشيعة لكل مايغنم في الحرب والكسب مما زاد على مصارف المسلم السنوية.. فقد يقال إن هذه الاموال تشكل ميزانية دولة ، فكيف يجعلها الله تعالى لاسرة النبي صلى الله عليه وآله ؟!

والجواب : أولا ، أن الخمس ليس لاغنياء بني هاشم ، بل هو مختص بفقرائهم المؤمنين .

وثانيا ، إن الاهتمام بالفقراء من أسر الانبياء والنابغين أمر حضاري ، فلو أن مجلس العموم البريطاني مثلا صوب قانونا بإعطاء أبناء آينشتاين من أموال الدولة مايكف لمعيشة فقراءهم ، بسبب أنهم من ذرية عالم نابغ ويؤمل أن ينبغ منهم آخرون .. لرأى فيه المعترضون على الخمس الاسلامي عملا عصريا صحيحا ، واهتماما في محله من دولة متحضرة بأبناء النوابغ !
فما هو الاشكال في أن تهتم الشريعة الخاتمة بذرية سيد الانبياء وأسرته ، وتجعل لهمميزانية من أزكى الموارد ، لمن آمن منهم وكان محتاجا ؟

وثالثا ، إن الذي يشكل على تشريع الخمس لآل النبي صلى الله عليه وآله ، عليه أنيرجع الى القرآن ليرى ماهو أعظم من الخمس ، فإن نبينا صلى الله عليه وآله هو الوحيد من بين الانبياء الذي أوجب الله تعالى على أمته إعطاءه أجر تبليغ الرسالة ، وجعل هذا الاجر : مودة آله ، فقال ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ولذا أفتى كل فقهاء المذاهب بكفر الناصبي الذي يكره آل النبي ، أو بنفاقه !

إن المتأمل في آيات القرآن وتاريخ الاديان لابد له من القول بأن الله تعالى قد اختار الانبياء وأسرهم لتبليغ الدين الالهي وإقامة الحكم به في المجتمعات البشرية . فالاسرةالمختارة أساس في نظام الدين الالهي ، ولكنها أسرة مصطفاة من الله العليم بشخصيات عباده ، الحكيم في اختيار أنبيائه وأوليائه .. لا كالاسر التي يختارها الناس بأهوائهم ، أو بعلمهم المحدود ، أو الاسر التي تتسلط بالقوة وتفرض نفسها على الناس !
قال الله تعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين .ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم . آل عمران 33 - 34 . وقال عن جمهرة أسر الانبياء :
وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم . ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين . وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين . وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين . ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوايعملون .
أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين . الانعام - 83 - 89
وقال عن دعاء زكريا بالذرية الطيبة :
هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء . آل عمران - 38

وقال عن ذرية نبينا صلى الله عليه وآله وكثرتهم :
وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولاواق . ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب . الرعد 37 - 38
إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر ، إن شانئك هو الابتر . الكوثر 1-3

وقال عن دعاء الملائكة للذريات المؤمنة :
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم . ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم . وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم . غافر 7 - 9

وقال عن نظام الذرية والاسر في الاخرة أيضا :
والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار . جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب . سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار . الرعد - 22 - 24
متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين . والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين . الطور 20 - 21 انتهى .
فنظام الاسرة والذرية نظام طبيعي في بني آدم ، وقد أقره الله تعالى واستفاد منه في الدين الالهي .. وإذا كانت البشرية قد عانت الويلات والمآسي وأنواع الظلم والاضطهاد من نظام الاسر الفاسدة المتجبرة .. فإن ذلك يرجع الى فساد تلك الاسر ، ولا يصح أن يكون سببا لرفض بنية الاسرة وفكرتها .. فهذه البنية تختزن إيجابيات كبرى لحمل الرسالة واستمرارها ، كما أن فيها خطر سلبيات كبرى أيضا وأن تتحول الى ملك عضوض .. وقد تحدث القرآن عن الاجيال التي فسدت من أسرالانبياء وأتباعهم فقال تعالى :
أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا . فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا. إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا . مريم 8 5 - 60
لكن عندما يختار الله تعالى أسرة كأسرة نبينا صلى الله عليه وآله ويصطفيها، فليس معناه أنه يختار كل أفرادها على علاتهم ، بل معناه أنه يختارها بصورة عامة بسبب علمه بأنه سيوجد منها أفراد معصومون يختارهم لهداية الامة وقيادتها .

ولو فكرت فيما نقلته الصحاح من قول النبي صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين ( ولقد أخبرني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) لما وجدت له معنى إلا أن الله تعالى أخبر نبيه بأنه سيكون من عترته شخص معصوم يواصل خط نبوته في كل عصر الى يوم القيامة ! فالاختيار لبني عبد المطلب كلي عام ، لانهم معدن النبي والائمة من عترته ، ولانها الافضل بالمقايسة مع غيرها من الاسر ، فهي أقلهم سلبيات وأكثرهم إيجابيات .. وهو اختيار ترافقه تشريعات حازمة شرعها الله تعالى بشأنهم ، تتلخص بما يلي :

- المودة والاحترام لجميع بني هاشم بشرط الاسلام والايمان .

- الخمس لفقرائهم المؤمنين ، بمقدار كفايتهم وتمشية أمور معيشتهم .

- وجوب إطاعة أولي الامر منهم الذين هم فقط الائمة الاثنا عشر المعصومون عليهم السلام .

ومن الامور الطريفة أن الذين ينتقدون الشيعة لتمسكهم بمودة أهل البيت وولايتهم ويقولون إن مذهب التشيع مذهب أسري .. لايعرفون أنهم أسريون أكثر منا !
فنحن نعتقد أن الخلافة في هذه الامة الى يوم القيامة في ذرية النبي عملا بنصه صلى الله عليه وآله .
بينما يقولون إن النبي لم ينص على الخلافة ولكنها في قريش الى يوم القيامة ، لانهمقبيلة النبي صلى الله عليه وآله . فنحن أسريون بالنص ، وهم قبليون بغير نص ونطاق ولائنا لاولاد لبني هاشم وعبد المطلب ، ونطاق ولائهم لبضع وعشرين قبيلة هم مجموعة قبائل قريش ، ومنهم أئمة الشرك والكفر والنفاق !
وقد روينا ورووا أن عليا عليه السلام بعد أن فرغ من مراسم تغسيل النبي والصلاة عليه ودفنه صلى الله عليه وآله ، بلغه أن بعض زعماء قريش عقدوا جلسة في السقيفة واحتجوا على الانصار بأنهم قوم النبي وعشيرته وأولى منهم بسلطانه ! فقال فيما قال : احتجوا بالشجرة وأضاعواالثمرة !!

وغرضنا هنا أن توضح أن من المجمع عليه بين المسلمين أن نظام الحكم بعد النبي صلىالله عليه وآله أسري أو قبلي .. فالشيعة يقولون إنه أسري بالنص واختيار الله تعالى ( ذرية بعضها من بعض ) . والسنة يقولون إنه قبلي باختيار الناس ، وأسرة النبي عندهم محترمة لكن لا يجب أن يكون الحاكم منها .
ومن هذه الاحاديث والنصوص :

ماثبت في الحديث والتاريخ من كرامات بل معجزات لعبد المطلب في حملة أبرهة لهدم الكعبة ، تدل على توحيده وإيمانه ويقينه ، وعلى أنه كان يعرف أن الله تعالى سيرسل عليهم طيرا أبابيل وكان يرسل بعص أولاده الى الجبل لينظروا هل جاء سرب الطيور من قبل البحر !
ورووا كذلك مخاطبته للفيل وجواب الفيل له بالاشارة بأنه لن يدخل الى محيط الكعبة...الى آخر ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون مما لايمكن أن يصدر إلا عن ولي مقرب !

ومن هذه الاحاديث والنصوص :
مادل على الكرامة التي أكرمه الله بها بأن أعاد نبع زمزم على يده ، وما رافق ذلك من آيات ، فقد كان الله تعالى أكرم بهذا النبع جده اسماعيل وأمه هاجر ، ثم نضب وعفي على مر الزمن ، حتى أعاده الله تعالى على يد عبد المطلب عن طريق الرؤيا الصادقة التي لا تكون إلا للانبياء والاوصياء وكبار الاولياء .

ومن هذه الاحاديث والنصوص :
مايثبت معرفته بنبوة حفيده صلى الله عليه وآله ، واهتمامه الخاص به ورعايته المميزة له ، في طفولته وصباه ، وتوصيته به الى أرشد أبنائه أبي طالب وإخباره إياه بأمره ... الى آخر مااتفق عليه المؤرخون والمحدثون مما لايمكن أن يصدر إلا عن ولي مقرب !

ومن هذه الاحاديث والنصوص :
مادل على المكانة الدينية التي كانت لعبد المطلب في قلوب قبائل العرب وجماهير ها ، والتي لم يكن لاحد مثلها حتى لرؤساء قبائلهم... كل ذلك مع حسد قريش له وعمل رؤسائها للحط من مكانته ، خاصة بنو عبد الدار أصحاب لواء قريش الذين قادوا معركة بدر ، وبنو المغيرة الذين كان يرأسهم أبو جهل ، وبنو أمية الذين كان يرأسهم صخر .
وقد نصت مصادر التاريخ على هذه المكانة وأن طابعها كان تقديسا دينيا غير وثني ، بل مرتبطا بالكعبة وزمزم واسماعيل وابراهيم عليهم السلام . ويلاحظ ذلك من مواقف عقلاء العرب وأصحاب الاذهان الحرة منهم ، واحترامهم للنبي صلى الله عليه وآله باعتباره ابن عبد المطلب ، لان عبد المطلب عندهم وارث أمجاد اسماعيل وابراهيم وبركتهما !
روى النسائي في سننه ج 4 ص 124 : عن أبي هريرة قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه( إذ ) جاء رجل من أهل البادية قال : أيكم ابن عبد المطلب ؟ قالوا : هذا الامغر المرتفق . قال حمزة : الامغر الابيض مشرب حمرة .
فقال : إني سائلك فمشتد عليك في المسألة .
قال : سل عما بدا لك .
قال : أسألك بربك ورب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك ؟
قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك به آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة ؟
قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك به آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا ؟
قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك به آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من أثنى عشر شهرا ؟
قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك به آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع اليه سبيلا ؟
قال : اللهم نعم .
فقال : فإني آمنت وصدقت ، وأنا ضمام بن ثعلبة. انتهى .
ورواه البخاري مختصرا في صحيحه ج 1 ص 23 وأبو داود في سننه ج 1 ص 117 - 118 ويفهم من هذا النص أن لعبدالمطلب وأولاده مكانة خاصة في قلوب المتفكرين من العرب ..
بل يشير النص التالي في صحيح البخاري الى أن أولاد بني عبد المطلب لهم مميزات نورانية خاصة . ففي ج 5 ص 140 : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس : ياأبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا ، وإني والله لارى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا ، إني لاعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت ...!! ورواه البخاري أيضا في ج 7 ص 136

ومن هذه الاحاديث والنصوص :
مادل على العاطفة النبوية الجياشة التي كانت تفيض من قلب نبينا صلى الله عليه وآله على بني هاشم وبني عبد المطلب وذريتهما ، وأحاديث ذلك كثيرة صحيحة مليئة بالدلالات لمن تأملها وجرد ذهنه عن ستار التلقين القرشي ضد عبد المطلب .. قال البخاري في صحيحه ج 2 ص 204 : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه .. ورواه في ج 7 ص 67
فهل كانت هذه العاطفة النبوية والحفاوة المحمدية بأطفال كافرين ؟! أم بأطفال آباؤهم طلقاء أسلموا لتوهم تحت السيف ؟!
كلا ، بل كانت عاطفة على غصون شجرة مباركة يحملون إرث أجدادهم الانبياء والاوصياء، ولم يظهر منهم الى الان انحراف عنها !!
وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله تعمد في حجة الوداع أن يوقظ في الامة ظلم قريش للنبوة ولكل بني هاشم وعبد المطلب ! قال البخاري في ج 2 ص 158 :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى : نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر . يعني بذلك المحصب ، وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى .

ثم لاحظ ذلك التعبير النبوي الملئ بالعاطفة والحنان والايمان بنوعية أبناء عبد المطلب المميزة ، حيث قال صلى الله عليه وآله كما حديث الكافي الاتي ( فما ظنكم يابني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم ؟! ) ويؤيده مارواه ابن شبة في تاريخ المدينة ج 2 ص 264 قال :
حدثنا أبوحذيفة قال ، حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء العباس رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يبلغوا الخير ، أو قال الايمان ، حتى يحبوكم لله ولقرابتي ، أيرجو سؤلهم شفاعتي عن مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي ؟ انتهى . وروى نحوه غيره .

ومن هذه الاحاديث :
مادل على أن أولاده سادة أهل الجنة هم بنو عبد المطلب السبعة من بني عبد المطلب ! فقد روى ابن ماجة في سننه ج 2 ص 1368 : حدثنا هدية بن عبدالوهاب ، ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر ، عن علي بن زياد اليمامي ، عن عكرمة بن عمار ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نحن ، ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي . انتهى . وهو حديث صحيح عند إخواننا ، وقد أورنا مصادره وطرقه العديدة في معجم أحاديث الامام المهدي عليه السلام فزادت على مئة مصدر . وصحح عددا منها علماء الجرح والتعديل .

إن المجموعة الواحدة من هذه النصوص تكفي الباحث السوي الذهن لان يعيد النظر في الاحكام التي أصدرتها الخلافة القرشية وفقهاؤها على عبد المطلب ..! فكيف بهذه المجموعات الثمانية مجتمعة ، ومثلها معها ؟!
وإذا انهار البناء القرشي ضد عبد المطلب ، انهارت الجدران القرشية الاخرى ، وانكشفت محاصرتهم الجديدة لبني هاشم وبني عبد المطلب .. التي أحكموها هذه المرة أكثر من محاصرتهم لهم في شعب أبيطالب ، لانهم فعلوها باسم الاسلام فطالت قرونا ، وعمت أجيالا إلا أصحاب البصائر !

عبد المطلب عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك
------------------------------------------
اتفقت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على أن عبد المطلب رضوان الله عليه مؤمنبالله الواحد الاحد ، على ملة جده ابراهيم ، ولي من أولياء الله ، ملهم بواسطة الملائكة والرؤية الصادقة .. بل يحتمل الناظر في هذه الاحاديث أن عبد المطلب كان من الانبياء ، وأنه كان مأمورا أن يعبد ربه على دين ابراهيم ويأمر أولاده بذلك .
وقد روت ذلك مصادرنا وبعض مصادر إخواننا، قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 98 : وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله : وتقلبك في الساجدين ، قال : من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبيا . انتهى .

- قال المجلسي في بحار الانوار ج 31 ص 155 : روي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنهقال : يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة وعليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك .

- وروى الكليني في الكافي ج 4 ص 58 : عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول صلى الله عليه وآله الله : يابني عبد المطلب إن الصدقة لاتحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة - ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : والله لقد وعدها - فما ظنكم يابني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم ؟! . ثم قال : إن الجن والانس يجلسون يوم القيمة في صعيد واحد ، فإذا طال بهم الموقف طلبواالشفاعة فيقولون : إلى من ؟ فيأتون نوحا فيسألونه الشفاعة فيقول : ههيات قد رفعت حاجتي ، فيقولون إلى من ؟ فيقال : إلى ابراهيم فيأتون إلى ابراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول : هيهات قد رفعت حاجتي ، فيقولون إلى من ؟ فيقال: إيتوا موسى فيأتونه فيسألونه الشفاعة ، فيقول : هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون : إلى من ؟ فيقال : إيتوا عيسى فيأتونه ويسألونه الشفاعة فيقول : هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون : إلى من ؟ فيقال إيتوا محمدا فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلا حتى يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه فيقال : من هذا ؟ فيقول : أحمد ، فيرحبون ويفتحون الباب ، فإذا نظر إلى الجنة خر ساجدا يمجد ربه ويعظمه ، فيأتيه ملك فيقول : إرفع رأسك وسل تعط ، واشفع تشفع ، فيرفع رأسه فيدخل من باب الجنة ، فيخر ساجدا ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول : إرفع رأسك وسل تعط وأشفع تشفع فيقوم فما يسأل شيئا إلا أعطاه إياه . ورواه في تهذيب الاحكام ج 4 ص 58 وتفسير العياشي ج 2 ص 93 وتفسير نور الثقلين ج2 ص 235 ووسائل الشيعة ج 6 ص 185 ومستدرك الوسائل ج 7 ص 119 وتفسير نور الثقلين ج 3 ص 210 هذا وقد تكفلت مصادر الحديث والتفسير عندنا بإثبات إيمان عبد المطلب وجميع آباء النبي صلى الله عليه وآله ، وقد وافقنا على ذلك عدد من علماء إخواننا السنة منهم السيوطي والفخر الرازي والشعراني .. وغيرهم .

آراء شيعية مخالفة للمشهور في الذبيحين
-------------------------------------
رأي الشيخ الصدوق بأن إسحاق ذبيح أيضا !
-------------------------------------
- من لايحضره الفقيه ج 2 ص 230 : وسئل الصادق عليه السلام عن الذبيح من كان ؟ فقال : إسماعيل عليه السلام لان الله عز وجل ذكر قصته في كتابه ، ثم قال : وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين .
وقد اختلفت الروايات في الذبيح فمنها ماورد بأنه إسماعيل ، ومنها ماورد بأنه إسحاق ، ولا سبيل إلى رد الاخبار متى صح طرقها ، وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي امر أبوه بذبحه ، وكان يصبر لامر الله عز وجل ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب ، فعلم الله عز وجل ذلك من قبله فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك ، وقد ذكرت إسناد ذلك في كتاب النبوة متصلا بالصادق عليه السلام .انتهى .

- وقال الجزائري في هامش تفسير القمي ج 1 ص 351 : قال جدي السيد الجزائري رحمهالله في قصص الانبياء : اختلف علماء الاسلام في تعيين الذبيح هل هو اسماعيل أو إسحق ، فذهبت الطائفةالمحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلى أنه اسماعيل ، والاخبار الصحيحة دالة عليه ، مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل. وذهبت طائفة من الجمهور إلى أنه إسحق ، وبه أخبار واردة من الطرفين ، وطريق تأويلها إما أن تحمل على التقية ، وأما حملها على ما قاله الصدوق صار ذبيحا بالنية والتمني .... حمل رحمهالله قول النبي صلى الله عليه وآله ( أنا ابن الذبيحين ) على ذلك . أقول : إن بعض الروايات المعتبرة كرواية هذاالتفسير وغيره آب عن الحمل ، فإنها مصرحة بذبح إسحق حقيقة لا مجازا وفداه بكبش ، فعليه لامجال إلى ماذهب اليه الصدوق رحمه الله من الحمل ، فإماأن تحمل هذه الروايات كما قال جدي رحمهالله على التقية أو على تعدد الواقعة . انتهى .

ملاحظة : إن الشيخ الصدوق رحمه الله صحت عنده رواية أن الذبيح هو اسماعيل ورواية أنه إسحاق بالمجاز ، وصحت عنده رواية نذر عبد المطلب ذبح ولده عبد الله ، وقول النبي صلى الله عليه وآله ( أنا ابن الذبيحين ) ففسره بأنه ابن الذبيحين من وجهين : أي من جهة عبد الله واسماعيل ، ومن جهة اسماعيل وإسحاق . وقد صرح بذلك في آخر كلامه في الخصال . ولكن كلامه جاء متداخلا فالتبس الامر على الجزائري وعلى الغفاري وتصورا أنه يفسره بالوجه الثاني فقط ويرفض الوجه الاول !
وروايته التي استند عليها في أن إسحاق ذبيح مجازي رواية عامية من نوع روايات معاصره الحاكم النيسابوري . ولو صحت لتعين ترجيح الموافق لمذهب أهل البيت عليهم السلام على الموافق لليهود والنواصب . أو حملها كما ذكرالسيد الجزائري على التقية من الحكام ، خاصة أن المسألة كانت مطروحة في دار الخلافة في المدينة وفي قصور الخلافة في الشام كما رأيت من رواياتها .

محاولة أحد المعاصرين تفسير الذبيحين بإسماعيل وإسحاق
----------------------------------------------------
- من لايحضره الفقيه ج 3 ص 89 : روى حماد بن عيسى ، عمن أخبره ، عن حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال : أول من سوهم عليه مريم بنت عمران وهو قول الله عز وجل : وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ، والسهام ستة ، ثم استهموا في يونس عليه السلام لما ركب مع القوم فوقعت السفينة في اللجة ، فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات قال : فمضى يونس عليه السلام إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى نفسه .
ثم كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه الله غلاما أن يذبحه ، فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول الله صلى الله عليه وآله في صلبه فجاء بعشر من الابل فساهم عليها وعلى عبد الله فخرجت السهام على عبد الله ، فزاد عشرا فلم تزل السهام تخرج على عبد الله ويزيد عشرا، فلما أن خرجت مائة خرجت السهام على الابل ، فقال عبد المطلب : ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثا فخرجت على الابل فقال : الآن علمت أن ربي قد رضي فنحرها . انتهى .
- وقال الاستاذ علي أكبر غفاري في تعليقه على هذا الحديث :
جاءت هذه القصة في كثير من كتب الحديث من الطريقين واشتهرت بين الناس ، وأرسلها جماعة من المؤلفين إرسال المسلمات ، ونقلوها في مصنفاتهم دون أى نكير ، وهي كما ترى تضمنت أمرا غريبا بل منكرا لا يجوز أن ينسب إلى أحد من أوساط الناس والسذج منهم ، فضلا عن مثل عبدالمطلب الذي كان من الاصفياء وهو في العقل والكياسة والفطنة على حد يكاد أن لايدانيه أحد من معاصريه ، وقد يفتخر النبي صلى الله عليه وآله مع مقامه السامي بكونه من أحفاده وذراريه ويباهي به القوم ويقول :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وفي الكافي روايات تدل على عظمته وجلالته وكمال إيمانه وعقله ودرايته ورئاسته في قومه ، ففي المجلد الاول منه ص 446 في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده ، عليه سيماء الانبياء وهيبة الملوك . يعني إذا حشر الناس فوجا فوجا يحشر هو وحده ، لانه كان في زمانه منفردا بدين الحق من بين قومه كما قاله العلامة المجلسي رحمه الله . وفي حديث آخر رواه الكليني أيضا مسندا عن الصادق عليه السلام قال : يبعث عبد المطلب أمة وحده عليه بهاء الملوك ، وسيماء الانبياء ، وذلك أنه أول من قال بالبداء .
وفى الحسن كالصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله عليها السلام قال : كان عبد المطلب يفرش له بفناء الكعبة لايفرش لاحد غيره ، وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه ، إلى أمثالها الكثير الطيب كلها تدل على كمال إيمانه وعقله وحصافة رأيه .. وإن أردت أن تحيط بذلك خبرا فانظر إلى تاريخ اليعقوبي المتوفى في أواخر القرن الثالث وما ذكر من سننه التي سنها وجاء بها الاسلام مثل تحريمه الخمر ، والزنا ووضع الحد عليه ، وقطع يد السارق ، ونفي ذوات الرايات ، ونهيه عن قتل المؤودة ، ونكاح المحارم ، وإتيان البيوت من ظهورها ، وطواف البيت عريانا ، وحكمه بوجوب الوفاء بالنذر وتعظيم الاشهر الحرم ، وبالمباهلة بمائة إبل في الدية. ثم تأمل كيفية سلوكه مع أبرهة صاحب الفيل في تلك الغائلة المهلكة المهدمة كيف حفظ بحسن تدبيره وسديد رأيه قومه ودماءهم وأموالهم من الدمار والبوار ، دون أي مؤونة وقال : أنا رب الابل ولهذا البيت رب يمنعه ، مع أن الواقعة موحشة بحيث تضطرب في أمثالها قلوب أكثر السائسين .
فإذا كان الامر كذلك فكيف يصح أن يقال : إنه نذر أن يذبح سليله وثمرة مهجته وقرة عينه قربة إلى الله سبحانه وأن يتقرب بفعل منهي عنه في جميع الشرايع ؟ والقتل من أشنع الامور وأقبحها، والعقل مستقل بقبحه بل يعده من أعظم الجنايات ، مضافا إلى كل ذلك أن النذر بذبح الولد قربانا للمعبود من سنن الوثنيين والصابئين وقد ذكره اللهتعالى في جملة ماشنع به على المشركين وقال في كتابه العزيز بعد نقل جمل من بدعهم ومفتريانهم : كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليرد وهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله مافعلوه فذرهم وما يفترون . الانعام- 137 .
وهذا غير مسألة الوأد المعروف الذي كان بنو تميم من العرب يعلمون به ، فإن المفهوم من ظاهر لفظ الاولاد أعم من المذكور منهم والبنات ، والوأد مخصوص بالبنات ، وأيضا غير قتلهم أولادهم من إملاق أو خشيته ، بل هو عنوان آخر يفعلونه على سبيل التقرب إلى الالهة .
فإن قيل : لعله كان مأمورامن جانب الله سبحانه كما كان جده إبراهيم عليه السلام مأمورا .
قلنا : هذاالتوجيه مخالف لظاهر الروايات فإنه صرح في جميعها بأنه نذر ، مضافا إلى أنه لو كان مأمورا فلا محيص له عنه ويجب عليه أن يفعله كما أمر ، فكيف فداه بالابل ، ولم لم يقل في جواب من منعه كما في الروايات : إني مأمور بذلك . وبالجملة في طرق هذه القصة وما شاكلها مثل خبر ( أنا ابن الذبيحين ) رواه جماعة كانوا ضعفاء أو مجهولين أو مهملين أو على غير مذهبنا مثل أحمد بن سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة وهو زيدي جارودي ، أو أحمد بن الحسن القطان وهو شيخ من أصحاب الحديث عامي ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية ، مع أن دأبه أن يتبع مشايخه بها إن كانوا إمامية ، وكذا محمد بن جعفر بن بطة الذي ضعفه ابن الوليد وقال : كان مخلطا فيما يسنده ، وهكذا عبد الله بن داهر الاحمري وهو ضعيف كما في الخلاصة والنجاشي ، وأبو قتادة ووكيع بن الجراح ، وهما من رجال العامة ورواتهم ولا يحتج بحديثهم إذا كان مخالفا لاصول المذهب وإن كانوا يسندون خبرهم إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام .
وإنك إذا تتبعت أسانيد هذه القصة وما شابهها ماشككت في أنها من مفتعلات القصاصين ومخترعاتهم ، نقلها المحدثون من العامة لجرح عبد المطلب ونسبة الشرك والعياذ بالله اليه رغما للامامية ، حيث أنهم نزهوا آباء النبي صلى الله عليه وآله عن دنس الشرك .
ويؤيد ذلك أن كثيرا من قدماء مفسريهم كالزمخشري والفخر الرازي والنيشابوري وأضرابهم والمتأخرين كالمراغي وسيد قطب وزمرة كبيرة منهم نقلوا هذه القصة أو أشاروا اليها عند تفسير قوله تعالى : وكذلك زين لكثيرمن المشركين قتل أولادهم ، وجعلوا عبد المطلب مصداقا للاية ، انتصارا لمذهبهم الباطل في اعتقاد الشرك في آباء النبي صلى الله عليه وآله وأجداده .
قال العلامة المجلسي رحمه الله : اتفقت الامامية رضوان الله عليهم على أن والدي الرسول صلى الله عليه وآله وكل أجداده إلى آدم عليه السلام كانوا مسلمين بل كانوا من الصديقين إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين ، ثم نقل عن الفخر الرازي أنه قال : قالت الشيعة إن أحدا من آباء الرسول صلى الله عليه وآله وأجداده ما كان كافرا . ثم قال : نقلت ذلك عن إمامهم الرازي ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوما بحيث اشتهر بين المخالفين .
وإن قيل : لا ملازمة بين هذا النذر وبين الشرك ، ويمكن أن يقال إن نذر عبد المطلب كان لله وأماالمشركون فنذروا لالهتهم .
قلت : ظاهر الآية أن النذر بذبح الولد من سنن المشركين دون الموحدين فالناذر إما مشرك أو تابع لسنن الشرك ، وجلت ساحة عبدالمطلب أن يكون مشركا والعياذ بالله أو تابعا لسنن المشركين ، والاصرار بتصحيح أمثال هذه القصص مع نكارتها كثيرا مايكون من الغفلة عما جنته يد الافتعال . ثم اعلم أن المصنف رضوان الله تعالى عليه لم يحتج بهذا الخبر في حكم من الاحكام إنما أورده في هذا الكتاب طردا للباب ويكون مراده جواز القرعة فقط وهو ظاهر من الخبر . انتهى .
ثم كرر الاستاذ الغفاري رأيه في ج 4 ص 368 فقال :
قال المصنف رحمه الله في الخصال ( ص 27 باب الاثنين ) قد اختلف الروايات في الذبيح ، فمنها ماورد بأنه اسماعيل لكن اسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لامر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب ، فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه بين الملائكة ذبيحالتمنيه لذلك . انتهى ، أقول :
على هذا فالمراد بالذبيحين إسماعيل وإسحاق : أحدهما ذبيح بالحقيقة ، والاخر ذبيح بالمجاز مع أن كليهما لم يذبحا بعد . وتقدم فيه كلام ج 3 ص 89 والاشكال بأن إسحاق كان عما له دون أب ، ممنوع ، لان إطلاق الاب على العم شايع وفي رواية سليمان بن مهران عن الصادق عليه السلام في قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين ، يريد بذلك العم ، لان قد سماه الله عز وجل أبا في قوله : أم كنتم شهداء إذا حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ماتعبدون من بعدي ، قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق . وكان اسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذه الموضع أبا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : العم والد . فعلى هذاالاصل أيضا يطرد قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين ، أحدهما ذبيح بالحقيقة والاخر ذبيح بالمجاز . انتهى .

والجواب على ماذكره الغفاري ،
أولا :
أن إطلاق العم على الاب في اللغة أمر شائع ، ولكن لا ينطبق على قول القائل ( أنا ابن فلان ) مفتخرا أو مباهيا ، لان المتبادر منه الافتخار بعمود نسبه من آبائه وأن منهم ذبيحين قربانين لله تعالى لا من أعمامه ، وإلا لقال : أنا من قوم فيهم ذبيحان ، أو من آل ابراهيم آل الذبيحين .
ثم إن إطلاق اسم الذبيح المجازي على إسحاق ضعيف جدا، لان كلمة ( الذبيح ) لاتصدق إلا على من قصدوا ذبحه لله تعالى قصدا عمليا حقيقيا ورضي به ، ولو كان يكفي لاطلاقها مجازا أن الشخص قد أحب ذلك ونواه كما في إسحاق ، لصح أن تطلق على كل آباء النبي أو جلهم ، بل على كثير من المؤمنين ، لان أكثر الانبياء والاوصياء والمؤمنين يحبون مقام اسماعيل وينوون أن لو كانوا مكانه لقبلوا بما قبل به .
فارتكاب المجاز في معنى الابن وجعله العم ، ثم ارتكاب المجاز في الذبيح وجعله من يحب أن يكون ذبيحا.. خلاف الظاهر جدا، يكاد يفرغ العبارة من هدفها بل من معناها! مضافا الى أن الرواية التي استدل بها الصدوق على ذلك ضعيفة ، وقد ضعف سندها الاستاذالغفاري نفسه كما سترى !
ثانيا :
لعل الغفاري لم يطلع على تاريخ القربان لله تعالى في الشرائع الالهية السابقة ، فقد كان عامة الناس يقدمون قرابين من الانعام ، وكان مشروعا أن يقدم كبار المؤمني أحد أولاده قربانا لله تعالى ، وعلى أساسه كان منام إبراهيم صلى الله عليه وآله .. ولم يثبت نسخ هذا التشريع قبل الاسلام . فالمشركون لم يخترعواالقربان لاوثانهم وإنما أخذوه من الاديان وجعلوه لشركائهم بدل الله تعالى . وما عابه الله تعالى عليهم من قتلهم أولادهم وتقديمهم إياهم قرابين لالهتهم ، إنما عاب فيه شركهم وتقربهم للاوثان .

ثالثا :
إن وجود عبد المطلب في مجتمع وثني يتقرب الى الاصنام بالقرابين وقد يذبح أحدهم ولده قربانا لصنمه.. وإعلان عبد المطلب أنه على ملة أبيه ابراهيم ، وإحيائه عددا من سننها ، وماجرى في عهده من حفظ الله تعالى لكعبة ابراهيم في حادثة الفيل ، وإعادة ماء زمزم المفقود على يده ... كل ذلك يساعد على فهم نذر عبد المطلب أنه إذا رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم قربانا لله تعالى على ملة إبراهيم ،ويجعله أمرا طبيعيا مشروعا ، بل دعوة لعبدة الاصنام لان يعبدوا رب البيت رب ابراهيم ويقدموا له قرابينهم ولا يقدموها لاصنامهم . أما لماذا نذر عبد المطلب ذلك وأراد تنفيذ نذره جديا فشاور أولاده وأقرع بينهم ، فرست القرعة على عبدالله وقال لابيه كما قال اسماعيل .. ثم كيف تحلل من عبد المطلب من نذره بطريقة القرعة بين ذبح ولده أو نحر الابل ؟ فهي إشكالات واردة.
وجوابها : أنها واردة على شريعتنا ، لا على شريعة إبراهيم وعبد المطلب . وهي واردة أيضا لعدم معرفتنا بتفاصيل الحادث وبالمستند الشرعي الذي كان عند عبد المطلب في نذره وطريقة وفائه به . ولكن معرفتنا بشخصية عبد المطلب وإيمانه العميق تكفي في اعتقادي للقول بأنه لم يكن يقدم على نذره ثم على التحلل منه بالقرعة إلا بحجة بينة من ربه تعالى . ويكفينا لاثبات هذه الصفة في شخصيته حادثتا زمزم والفيل حيث ظهر للناس على نحو اليقين أنه كان يتلقى أوامره من ربه ! فما المانع أن تكون قصة نذر ولده من هذه الالهامات ، خاصة أن الولد الذي رست عليه القرعة هو والد النبي صلى الله عليه وآله ، الذي أعطاه الله تعالى ما أعطى جده اسماعيل من شرف الرضا بأن يذبحه أبوه قربانا لله تعالى ، ثم فداه الله بطزيقة ألهمها لابيه ليعطيه شرف أبوة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله .
رابعا :
إن خصوم عبد المطلب أحرص الناس على أن يجدوا له مذمة أو منقصة ، وقد رأيت في رواية الحاكم المتقدمة أن معاوية ذكر نذر عبد المطلب وأنه كان نذرا لله تعالى مرتبطا بأمر الله له بحفر زمزم ( قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده ، فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك ). فقد كان الامر بحفر زمزم أمرا من الله تعالى وقد انكشفت صحته .. الامر الذي يقرب أن يكون النذر لله تعالى بأمر الله تعالى وإلهامه ، ويشير اليه أن عبد المطلب أخذ أولاده العشرة الى داخل الكعبة وأقرع بينهم فخرجت القرعة على عبد الله ورضي عبد الله بها واستعد للذبح مختارا ، وقرر عبد المطلب تنفيذ ذلك كما قرر جده ابراهيم .. ولكن أسرته ومحبيه من قريش وأخوال عبد الله طلبوا منه أن يرضي ربه بفدائه ، فتريث عبد المطلب حتى أمره الله بطريقته التي كان يتلقى بها أن يقرع بين عبد الله وبين فدائه من الابل ، ويزيد في عدد الفداء حتى تخرج القرعة عليه فيفديه به . ولو كان في ذلك منقصة لشنعوا بها على عبد المطلب ، ولكنها كرامة زادت من مكانة عبد المطلب في حياته ، وذكرت له باحترام وإجلال حتى من خصومه بعد وفاته . بل زادت من تفكير الناس الوثنيين بإله إبراهيم وعبد المطلب وهيأتهم للدعوة الى عبادته بدل أصنامهم .
خامسا :
لقد وقع الغفاري في اشتباهين كبيرين : أولهما، أنه جعل سند رواية الذبيح المجازي لرواية نذر عبد المطلب وضعفها بسببه ! فإن ابن داهر وأبا قتادة ووكيع لم يردوا في سند رواية النذر عن الامام الرضا عليه السلام ، بل وردوا في رواية أن الذبيح المجازي إسحاق ، وقد التبس الامر عليه لان الصدوق ذكر مضمونها قبل سندها ، فيكون الاستاذ الغفاري قد ضعف دليله متصورا أنه ضعف رواية نذر عبد المطلب ! وليس في رواية النذر ممن ضعفهم الغفاري إلا القطان الذي قال فيه ( ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية ) فإن كان هذا مستنده في التضعيف فقد قال في طرائف المقال ص 155 عن القطان هذا ( كثيرا مايروي عنه الصدوق مترضيا ) ولو سلمنا ضعفه ، فإن روايته المعتضدة بالشهرة التي سنذكر طرفا منها ، والمخالفة لليهود والخط القرشي المعادي لعبد المطلب ، والمؤيدة بتصحيح عدد من العلماء منهم الصدوق .. لهي جديرة بالقبول .
والاشتباه الثاني للاستاذ الغفاري ، أنه حسب أن رواية الامام الصادق عليه السلام تتعلق بإطلاق الاب على العم وترتبط بموضوع الذبيحين مع أنها لاعلاقة لها بالعم والاب ، وإنما استشهد الصدوق على ذلك بالاية وبقول النبي صلى الله عليه وآله : العم أب . ويتضح الامر من ملاحظة النص بتمامه وهو في الخصال للصدوق كما يلي :
- قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيدالكوفي قال : حدثناعلي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين قال : يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام وعبد الله بن عبد المطلب . أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم : فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ، قال ياأبت افعل ما تؤمر ( ولم يقل له يا أبت افعل ما رأيت ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ، ويشرب في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبول ويبعر في سواد ،وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما ، وماخرج من رحم أنثى ، وإنما قال الله عز وجل له كن فكان ، ليفدي به إسماعيل ، فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لاسماعيل إلى يوم القيامة ، فهذا أحد الذبيحين .
وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ، ونذر لله عز وجل أن يذبح واحدا منهم متى أجاب الله دعوته ، فلما بلغوا عشرة أولاد قال : قد وفى الله لي فلافين لله عز وجل ، فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أحب ولده إليه ، ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله ، ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله ، فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك واجتمع نساء عبدالمطلب يبكين ويصحن فقالت له ابنته عاتكة : ياأبتاه أعذر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك : قال : فكيف أعذر يا بنية فإنك مباركة ، قالت : إعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الابل ، وأعط ربك حتى يرضى . فبعث عبد المطلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشرا وضرب السهام فخرج سهم عبد الله ، فما زال يزيد عشرا عشرا حتى بلغت مائة فضرب فخرج السهم على الابل ، فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة ، فقال عبد المطلب لا ، حتى أضرب بالقداح ثلاث مرات ، فضرب ثلاثا كل ذلك يخرج السهم على الابل ، فلما كان في الثالث اجتذبه الزبير وأبو طالب وإخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان على الارض وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ، ويمسحون عنه التراب ، وأمر عبد المطلب أن تنحر الابل بالحسرة ، ولا يمنع أحد منها وكانت مائة .
وكانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها الله عز وجل في الاسلام : حرم نساء الآباء على الابناء ، وسن الدية في القتل مائة من الابل ، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط ، ووجد كنزا فأخرج منه الخمس ، وسمى زمزم لما حفرها سقاية الحاج ، ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي صلى الله عليه وآله بالانتساب إليهما لاجل أنهما الذبيحان في قوله عليه السلام : أنا ابن الذبيحين .
والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله ، وهي كون النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام في صلبهما ، فببركة النبي والائمة صلى الله عليه وآله رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ، ولولا ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب إلى الله تعالى ذكره بقتل أولادهم ، وكل مايتقرب الناس به إلى الله عز وجل من أضحية فهو فداء لاسماعيل إلى يوم القيامة .
قال مصنف هذا الكتاب أدام الله عزه : قد اختلف الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ، ولا سبيل إلى رد الاخبار متى صح طرقها ، وكان الذبيح إسماعيل ، لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لامر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب ، فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه الله عز وجل بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك . وحدثنا بذلك محمد بن علي البشاري القزويني رضي الله عنه قال : حدثنا المظفر بن أحمد القزويني قال : حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الاسدي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن عبدالله بن داهر ، عن أبي قتادة الحراني ، عن وكيع بن الجراح ، عن سليمان بن مهران ، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام.
وقول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين ، يريد بذلك العم لان العم قدسماه الله عز وجل أبا في قوله أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وآله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق . وكان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذا الموضع أبا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : العم والد .
فعلى هذا الاصل أيضا يطرد قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين ، أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز ، واستحقاق الثواب على النية والتمني ، فالنبي صلى الله عليه وآله هو ابن الذبيحين من وجهين على ما ذكرناه . انتهى . وأروده في البحار ج 12 ص 22 عن العيون والخصال .

وفي هذا النص أمور متعددة تكفي للرد على رأي الاستاذ الغفاري حفظه الله في إنكار قصة نذر عبد المطلب .. ومن هذه الامور أن الصدوق حكم بصحة الرواية من عنوانها الذي وضعه لها . ومنها ، قوة حجج الامام الرضا عليه السلام فيها ، وسنذكر بعضها . ومنها ، أن الصدوق قبل تفسير الذبيحين بعبد الله واسماعيل من وجه ، وبإسماعيل وإسحاق من وجه آخر ، كما صرح في آخر كلامه .
والواقع أن نقطة الضعف الوحيدة فيها هي اعتماد الصدوق رحمه الله على رواية الذبيح بالمجاز العامية .. والتي ضعفها الغفاري ، والحمد لله !

سادسا :
ولو أن المحقق الغفاري تأمل في في قول الامام الرضا عليه السلام في رواية الصدوق ( ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي صلى الله عليه وآله بالانتساب إليهما لاجل أنهماالذبيحان في قوله عليه السلام : أنا ابن الذبيحين .
والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله وهي كون النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام في صلبهما فببركة النبي والائمة صلى الله عليه وآله رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ) لعرف أن إشكاله على نذر عبد المطلب يرد بعينه على ابراهيم صلى الله عليه وآله ، لانهما عملان من نوع واحد ، غاية الامر أن ابراهيم أمر بالذبح في المنام ، والفداء بالوحي . ومادام عبد المطلب حجة وعمله صحيح ، فلا بد أنه كان عنده حجة على نذره الذبح ثم على فدائه .. وحينئذ فما يجاب به عن عمل ابراهيم يجاب به عن عمل عبد المطلب بل فرق . فلا معنى لاستظهار أن ذبح الولد كان من عادات المشركين ، ولا معنى للقول بأنه لو كان عبد المطلب نذر ذلك فلماذا لم يقدم عليه .. الخ.
سابعا : إن ماذكره حفظه الله من ملاحظات روائية ليس شاملا ولا مقنعا ، والظاهر أنه لم يطلع على مصادر رواية ( أنا ابن الذبيحين ) وطرقها واشتهارها عند الشيعة من العصر الاول ، بل عند السنة أيضا وإن لم يأخذوا بها في صحاحهم ، وقد وجدت من صححها من الاحناف وهو أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع ج 5 ص 85 قال ( ودليل ما قلنا الحديث وضرب من المعقول .أما الحديث فقول النبي عليه الصلاة والسلام : أنا ابن الذبيحين ، أراد أول آبائه من العرب وهو سيدنا اسماعيل عليه الصلاة والسلام ، وآخر آبائه حقيقة وهو عبد الله بن عبد المطلب سماهما عليه الصلاة والسلام ذبيحين ، ومعلوم أنهما ماكانا ذبيحين حقيقة فكانا ذبيحين تقديرا بطريق الخلافة لقيام الخلاف مقام الاصل . انتهى .
وابن كثير في السيرة النبوية ج 1 ص 184 قال ( وهو ابن عبد الله ، وكان أصغر ولد أبيه عبد المطلب ، وهو الذبيح الثاني المفدى بمائة من الابل كما تقدم ) . انتهى .
وفي اطمئناني أن المتتبع يجد لهذا الحديث طرقا أخرى سواء في مصادرنا أو في مصادر السنة ، ويجد المزيد ممن صححه من علماء الفريقين .