الفخر الرازي : علي (ع) اعلم الصحابة وأفضلهم ، بل أفضل الخلق بعد رسول الله (ص)

حسن العلوي

حسن العلوي
18 أبريل 2010
59
0
0
استدل الفخر الرازي في كتابه الاربعين في اصول الدين - الذي جعله دستوراً لولده - على افضلية علي (ع) بأعلميته على جميع الصحابة ، ثم ذكر الادلة على ذلك فخرج مستنتجاً أنّ عليا (ع) افضل الخلق بعد رسول الله (ص) .
وبهذا يكون قد هدم جميع مابناه في كتبه الكلامية والتفسيرية من المكابرات والتشكيكات في ادلة الامامية .

وبما اننا لانملك كتاب الاربعين للفخر الرازي ولذلك نقلناه بالواسطة من كتاب الاربعين لمحمد بن طاهر الشيرازي ص 425 ومابعد وقد اشار محقق الكتاب الى المصدر ورقم الصفحة في الهامش .
قال السيد محمد بن طاهر القمي الشيرازي :

(( وقد ذكر امام أهل السنة محمد بن عمر الرازي ، وهو من أعظم علماء الأشعرية ، في كتاب الأربعين في الفصل الخامس من المسألة التاسعة والثلاثين ، في بيان أفضل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويورد عشرين حجة في أن علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله . ويقول في الحجة الثالثة منها ما هذا لفظه :

الحجة الثالثة : أن علي بن أبي طالب كان أعلم الصحابة ، والأعلم أفضل ، وإنما قلنا إن عليا كان أفضل الصحابة للاجمال والتفصيل .

أما الاجمال : فهو أنه لا نزاع أن عليا عليه السلام كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم ، وكان محمد صلى الله عليه وآله أفضل الفضلاء وأعلم العلماء ، وكان علي عليه السلام في غاية الحرص في طلب العلم ، وكان محمد صلى الله عليه وآله في غاية الحرص في تربية علي وارشاده إلى اكتساب الفضائل ، ثم إن عليا عليه السلام نشأ من أول صغره في حجر محمد صلى الله عليه وآله ، وفي كبره صار ختنا له ، وكان يدخل إليه في كل الأوقات .
ومن المعلوم أن التلميذ إذا كان في غاية الذكاء والحرص على التعليم ، وكان الأستاذ في غاية الفضل وفي غاية الحرص على التعليم ، ثم اتفق لمثل هذا التلميذ أن يتصل بخدمة هذا الأستاذ في زمان الصغر ، كان ذلك الاتصال بخدمته حاصلا في كل الأوقات ، فإنه يبلغ ذلك التلميذ مبلغا عظيما .
وهذا بيان اجمالي في أن عليا عليه السلام كان أعلم الصحابة .
فأما أبو بكر فإنه اتصل بخدمته عليه السلام في زمان الكبر ، وأيضا ما يصل إلى خدمته في اليوم والليلة الا مرة واحدة زمانا يسيرا
وأما علي عليه السلام فإنه اتصل بخدمته عليه السلام في زمان الصغر ، وقد قيل : العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، والعلم في الكبير كالنقش في المدر ، فثبت بما ذكرنا أن عليا عليه السلام كان أعلم من أبي بكر .

وأما التفصيل : فيدل عليه وجوه :

الأول : قوله ( تعالى وتعيها اذن واعية ) نزل في حق علي عليه السلام ، وتخصيصه بزيادة الفهم يدل على اختصاصه بمزيد العلم .
الثاني : قوله عليه السلام ( أقضاكم علي ) والقضاء يحتاج إلى جميع أنواع العلوم ، فلما رجحه على الكل في القضاء ، لزم أنه رجحه عليهم في كل العلوم .
وأما سائر الصحابة ، فقد رجح كل واحد منهم على غيره في علم واحد ، كقوله ( أفرضكم زيد ، وأقرأكم أبي ) .
الثالث : روي أن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر ، فنبهه علي عليه السلام بقوله تعالى ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) مع قوله الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، فقال عمر : لولا علي لهلك عمر . وروي أن لمرأة أقرت بالزنا وكانت حاملا ، فأمر عمر برجمها ، فقال علي عليه السلام : إن كان لك سلطان عليها فما سلطانك على ما في بطنها ؟ فترك عمر رجمها وقال : لولا علي لهلك عمر . فان قيل : لعل عمر أمر برجمها من غير تفحص عن حالها ، فظن أنها ليست بحامل ، فلما نبهه علي ترك رجمها . قلنا : هذا يقتضي أن عمر ما كان يحتاط في سفك الدماء ، وهذا أشر من الأول . وروي أيضا أن عمر قال يوما على المنبر ، ألا لا تغالوا في مهور نسائكم ، فمن غال في مهر امرأته جعلته في بيت المال ، فقامت عجوز فقالت : يا أمير المؤمنين أتمنع عنا ما جعله الله لنا ، قال الله تعالى ( وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) ( 1 ) فقال عمر : كلكم أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت . فهذه الوقائع وقعت لغير علي عليه السلام ولم يتفق مثلها لعلي عليه السلام .
الرابع : نقل عن علي عليه السلام أنه قال : لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها ، لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما من آية نزلت في بحر ولا بر ولا سهل ولا جبل ولا سماء ولا أرض ، ولا ليل ولا نهار ، الا وأنا أعلم في من نزلت وفي أي شئ نزلت . طعن أبو هاشم في هذا ، فقال : التوراة منسوخة فكيف يجوز الحكم بها ؟
الجواب عنه من وجوه :
الأول : لعل المراد شرح كمال علمه بتلك الأحكام المنسوخة على التفصيل ، وبالأحكام الناسخة لها الواردة في القرآن .
الثاني : لعل المراد أن قضاة اليهود والنصارى متمكنون من الحكم والقضاء على وفق أديانهم بعد بذل الجزية ، فكأن المراد أنه لو جاز للمسلم ذلك لكان هو قادرا عليه .
الثالث : لعل المراد أن يستخرج من التوراة والإنجيل نصوصا دالة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وكان ذلك قويا في التمسك بها .
الخامس : أنا نتفحص عن أحوال العلوم ، وأعظمها علم الأصول ، وقد جاء في خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من أسرار التوحيد والعدل والنبوة والقضاء والقدر وأحوال المعاد ، ما لم يأت في كلام سائر الصحابة .
- وأيضا فجميع فرق المتكلمين ينتهي آخر نسبتهم في هذا العلم إليه .
أما المعتزلة ، فإنهم ينسبون أنفسهم إليه .
وأما الأشعرية ، فكلهم منتسبون إلى الأشعري ، وكان تلميذا لأبي على الجبائي المعتزلي ، وهو منتسب إلى أمير المؤمنين .
وأما الشيعة ، فانتسابهم إليه ظاهر .
وأما الخوارج ، فهم مع غاية بعدهم عنه كلهم منتسبون إلى أكابرهم ، وأولئك الأكابر كانوا تلامذة علي بن أبي طالب عليه السلام .
فثبت أن جمهور المتكلمين من فرق الاسلام كلهم تلامذة علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأفضل فرق الاسلام الأصوليون ، وكان هذا منصبا عظيما في الفضل .
ومنها : علم التفسير ، وابن عباس رئيس المفسرين ، وهو كان تلميذ علي بن أبي طالب عليه السلام .
ومنها : علم الفقه ، وكان في الدرجة العالية ، ولهذا قال عليه السلام ( أقضاكم علي ) وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : لو كسرت لي الوسادة وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، على ما نقلنا
ومنها : علم الفصاحة ، ومعلوم أن أحدا من الفصحاء الذين بعده لم يدركوا درجته ، ولا القليل من درجته .
ومنها : علم النحو ومعلوم أنه إنما ظهر منه وهو الذي أرشد أبا الأسود الدؤلي إليه .
ومنها : علم تصفية الباطن ، ومعلوم أن نسب جميع الصوفية ينتهي إليه . ومنها : علم الشجاعة وممارسة الأسلحة ، ومعلوم أن نسبة هذه العلوم ينتهي إليه .
فثبت بما ذكرنا أنه عليه السلام كان أستاذ العالمين بعد محمد صلى الله عليه وآله في جميع الخصال المرضية ، والمقامات الشرعية .
وإذا ثبت أنه كان أعلم الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجب أن يكون أفضل الخلق بعده ، لقوله تعالى ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) وقوله تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .

ثم ذكر الرازي المقدم ذكره في آخر الفصل المذكور ما هذا لفظه ومعناه :

الحجة العشرون : اعلم أن الفضائل : إما نفسانية ، وإما بدنية ، وإما خارجية .

أما الفضائل النفسانية ، فهي محصورة في نوعين : العلمية ، والعملية .

أما العلمية ، فقد دللنا على أن علم علي عليه السلام كان أكثر من علم سائر الصحابة ، ومما يقوي ذلك ما روي أنه عليه السلام قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم فانفتح من كل باب ألف باب .
وأما الفضائل النفسانية العملية ، فأقسام :
- منها : الفقه والزهد ، وقد كان في الصحابة جمع من الزهاد ، كأبي ذر وسلمان وأبي الدرداء ، وكلهم كانوا من تلامذة علي عليه السلام .
- ومنها : الشجاعة ، وقد كان في الصحابة جماعة ، كأبي دجانة وخالد بن الوليد ، وكان شجاعته أكثر نفعا من شجاعة الكل ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله قال يوم الأحزاب : لضربة علي خير من عبادة الثقلين . قال علي بن أبي طالب عليه السلام : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكن بقوة الهية .
- ومنها : السخاوة ، وقد كان في الصحابة جمع من الأسخياء ، وقد بلغ اخلاصه في سخاوته إلى أن أعطى ثلاثة أقراص ، فأنزل الله تعالى في حقه ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) .
- ومنها : حسن الخلق ، وقد كان مع غاية شجاعته وبسالته حسن الخلق جدا ، وقد بلغ فيه إلى حيث نسبه أعداؤه إلى الدعابة .
- ومنها : البعد عن الدنيا ، وظاهر أنه كان مع انفتاح أبواب الدنيا عليه لم يظهر التنعم والتلذذ ، وكان مع غاية شجاعته إذا شرع في صلاة التهجد ، أو شرع في الدعوات والتضرعات إلى الله تعالى ، بلغ مبلغا لا يوازيه أحد ممن جاء بعده من الزهاد ، ولما ضربه ابن ملجم لعنه الله قال : فزت ورب الكعبة .

وأما الفضائل البدنية :

- فمنها : القوة والشدة ، وكان فيها عظيم الدرجة ، حتى قيل : انه كان يقط الهام قطع الأقلام .
- ومنها : النسب العالي ، ومعلوم أن أشرف الأنساب هو القرب من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو كان أقرب الناس في النسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأما العباس فإنه وإن كان عم رسول الله صلى الله عليه وآله ، الا أن العباس كان أخا لعبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وآله من الأب لا من الام . وأما أبو طالب فإنه كان أخا لعبد الله من الأب والام ، وأيضا فان عليا عليه السلام كان هاشميا من الأب والام ، لأنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم .
- ومنها : المصاهرة ، ولم يكن لأحد من الخلق مصاهرة مثل ما كانت له . وأما عثمان فهو وان شاركه في كونه ختنا لرسول الله صلى الله عليه وآله الا أن أشرف أولاد الرسول هي فاطمة عليها السلام ، ولذلك قال عليه السلام : سيدة نساء العالمين أربع وعد منهن فاطمة ، ولم يحصل مثل هذا الشرف للبنتين اللتين هما زوجتا عثمان .
- ومنها : أنه لم يكن لأحد من الصحابة أولاد يشاركون أولاده في الفضيلة ، فالحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة ولداه ،
ثم انظر إلى أولاد الحسن ، مثل الحسن المثنى والمثلث وعبد الله بن المثنى والنفس الزكية ، والى أولاد الحسين ، مثل زين العابدين والباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام ، فان هؤلاء يعد تفضيلهم وعلو درجتهم كل مسلم . ومما يدل على علو شأنهم أن أفضل المشايخ وأعلاهم درجة أبو يزيد البسطامي ، وكان سقاء في دار جعفر الصادق عليه السلام ، وأما معروف الكرخي فإنه أسلم على يد علي بن موسى الرضا ، وكان بواب داره وبقي على هذه الحالة إلى آخر عمره ، ومعلوم أن أمثال هذه الأولاد لم يتفق لأحد من الصحابة ، ولو أخذنا في الشرح والاطناب لطال الكلام ( 1 ) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
( 1 ) الأربعين للفخر الرازي ص 465 - 468 و 474 - 476 ، والطرائف للسيد بن طاووس ص 515 - 520 .