بيان يحمل أسرار و رموز: صدق أهل البيت ع : الأرض يحملها الحوت و ماهو الحوت ؟!

18 أبريل 2010
30
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم



اللهم صل على محمد و آل محمد



إن المرء يقف منبهراً أمام علوم أهل البيت عليهم السلام .. و عندما يمر على رواياتهم صلوات الله عليهم في بيان أحوال هذا الكون الرحب و هذه الطبيعة المتقنة .. وللاسف أن نجد أن هنالك من الناس من ينكرون بعض روايات أهل البيت عليهم السلام رغم صحة الأسانيد لمجرد أن عقلوهم لا تحتمل معانيها و رموزها الدقيقة .. فالعقل يبقى عاجزاً أمام قدرة الله سبحانه و الحقائق العلمية التي تتبدل و تتضح صورتها عند الإنسان بمرور الزمن ..



من هذه الروايات التي صحت عن أهل البيت عليهم السلام أن الأرض محمولة على حوت !! نعم على حوت !!

يقف شخص ساذج ما هذا الكلام !!!

على حوت !!

هذا كلام خرافي لا يمكن أن يصح و يجب رده !!


و للإسف منهم من يتسم بالمرجعية عند بعض الناس !!


و كأنهم أحاطوا بعلوم الأولين والآخرين !!


و هذ ا مجرد مثال على الرموز مثل البعوضة و النمل و الحمار و رموز أخرى التي كانت لغة أهل البيت عليهم السلام للوصف الدقيق العلمي .. الذي وقفت عقول البشر أن تستوعبه .

.و في النية إن شاء الله جمع هذه النكت و اللطائف في كتاب جامع يبين قبسات في من علوم أهل البيت عليهم السلام في مختلف المجالات ..


و هنالك تبيان لطيف لهذا الحديث الصحيح أورده للفائدة :





و الحديث هو :
مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَرْضِ عَلَى أَيِّ شَيْ‏ءٍ هِيَ قَالَ هِيَ عَلَى حُوتٍ قُلْتُ فَالْحُوتُ عَلَى أَيِّ شَيْ‏ءٍ هُوَ قَالَ عَلَى الْمَاءِ قُلْتُ فَالْمَاءُ عَلَى أَيِّ شَيْ‏ءٍ هُوَ قَالَ عَلَى صَخْرَةٍ قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ‏ءٍ الصَّخْرَةُ قَالَ عَلَى قَرْنِ ثَوْرٍ أَمْلَسَ قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ‏ءٍ الثَّوْرُ قَالَ عَلَى الثَّرَى قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ‏ءٍ الثَّرَى فَقَالَ هَيْهَاتَ عِنْدَ ذَلِكَ ضَلَّ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ .



جواب : لمعرفة معنى الحديث المذكور و فهم أمثاله من الأحاديث و معرفة كيفية التعامل مع هذا النوع من الأحاديث بصورة عامة ، لا بد و أن يأخذ الباحث نقاطاً عديدة بعين حتى يتسنى له التوصل إلى المعنى الصحيح أو الأقرب إلى الصحيح .
أما النقاط المقترحة بصورة عامة بالنسبة إلى الأحاديث الغريبة ، و بالنسبة إلى الحديث الذي نحن بصدده بصورة خاصة فهي :
1.إن هذا الحديث رواه المُحَدِّث الكليني
[1] في كتاب الكافي [2] الذي هو أحد الكتب الأربعة[3] و أحد أهم المصادر الحديثية الهامة لدى أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) .
2.رغم أن بعض الكتب و المجاميع الحديثية الشيعية تحظى بمنزلة رفيعة و مكانة عالية لدى العلماء و المحدثين إلا أن معنى ذلك ليس أن كل ما جاء فيها فهو صحيح يجب أن يعمل به من دون مناقشة و تمحيص ، بل أن جميع الأحاديث و الروايات لا بد و أن تخضع للجرح و التعديل و التمحيص و من ثم تأخذ طريقها إلى العمل بها ، و هذه العملية يقوم بها علماء متخصصون في علوم الحديث من حيث الرواية و الدراية
[4] .
ثم إن الأحاديث و الروايات بعد فرض صدورها عن المعصوم ( عليه السَّلام ) تنقسم من حيث الحجية و الدلالة إلى :
1.أحاديث واضحة الدلالة و المعنى لا تحتاج إلى الشرح أو التفسير و التأويل بحيث يفهمها غالب الناس ذوي الثقافة العادية أو المتوسطة ، و أمثال هذه الأحاديث كثيرة جداً ، كالحديث الذي رواه العلامة المجلسي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " صوموا تصحوا "
[5] .
2.أحاديث تحتاج إلى الدقة و التدبر أو الرجوع إلى المتخصصين لمعرفة المراد منها ، و أمثال هذه الأحاديث أيضا ليست قليلة ، كالحديث الذي رواه السيد الشريف الرضي
[6] ( رحمه الله ) عن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : " إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى " [7] .
قال السيد الشريف الرضي ( رحمه الله ) بعد ذكر هذا الحديث : " و النص منتهى الأشياء و مبلغ أقصاها كالنص في السير لأنه أقصى ما تقدر عليه الدابة و تقول نصصت الرجل عن الأمر إذا استقصيت مسألته عنه لتستخرج ما عنده فيه ، فنص الحقاق يريد به الإدراك لأنه منتهى الصغر و الوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبير ، و هو من أفصح الكنايات عن هذا الأمر و أغربها ، يقول فإذا بلغ النساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمها إذا كانوا محرما مثل الإخوة و الأعمام و بتزويجها إن أرادوا ذلك .
و الحقاق محاقة الأم للعصبة في المرأة و هو الجدال و الخصومة و قول كل واحد منهما للآخر أنا أحق منك بهذا يقال منه حاققته حقاقا مثل جادلته جدالا ، و قد قيل إن نص الحقاق بلوغ العقل و هو الإدراك لأنه ( عليه السَّلام ) إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب فيه الحقوق و الأحكام ، و من رواه نص الحقائق فإنما أراد جمع حقيقة هذا معنى ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام ، و الذي عندي أن المراد بنص الحقاق هاهنا بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه تزويجها و تصرفها في حقوقها تشبيها بالحقاق من الإبل و هي جمع حقة و حق و هو الذي استكمل ثلاث سنين و دخل في الرابعة و عند ذلك يبلغ إلى الحد الذي يتمكن فيه من ركوب ظهره و نصه في السير ، و الحقائق أيضا جمع حقة ، فالروايتان جميعا ترجعان إلى معنى واحد و هذا أشبه بطريقة العرب من المعنى المذكور أولا "
[8] .
3. أحاديث تحتاج إلى مزيد من التأمل و الدقة من قبل المتخصصين بعلوم الحديث لفك رموزها و شرح ما يحتاج منها إلى الشرح و التبيين أو التأويل ، و قد يستعصي فهم بعض هذا النوع من الأحاديث حتى على المتخصصين في علوم الحديث ، و لعل الحديث المذكور من هذا القبيل .
و لقد إهتم بعض العلماء بشرح و تفسير أمثال هذه الأحاديث و تأويل ألفاظها الغامضة و كتبوا فيها الكتب و المقالات ، و من هؤلاء العلماء العلامة الراحل المرحوم السيد محمد علِي هبة الدين الشهرستاني في کتابه القيم " الهيئة و الإسلام " الذي نال اعجاب العلماء في عصره لانه تناول احاديث کثيرة صحيحة السند فِي مجال السماء و العالم العلوي ، حيث فسَّر الألفاظ التي كانت تبدو غريبة لدى الباحث ، و أزاح عنها الغموض بالتحليل العلمي و بيَّن عدم تناقضها مع العلم الحديث .
و قال رحمه الله بالنسبة إلى الحديث الذي نحن بصدده ما ملخصه :
" و لقد فتح الله علي في تفسير هذا الحديث فاهتديت الى الحل التالي و هو ان في هذا الحديث - على عادة العرب - حذفاً و تقديراً ، فيکون الحديث هکذا : الأرض على ـ شکل ـ حوت ، و المراد من الحوت السمك أي ان شکل الأرض بيضوي لا مدور کالکرة ، فهنا المحذوف المقدر هو لفظة شکل ، و هکذا قول الامام " على قرن ثور " اي على شکل قرن ثور ، فان قرني الثور و کما جاء في الدر المنثور للسيوطي : الارض بين قرني ثور ، أي کما ان قرني الثور على خلاف قرون غيره من الانعام مقوسان بحيث يشکلان معا شکلا بيضويا هکذا : () کذلك تکون الأرض ، فان الأرض ليست مدورة بل على هيئة قرني الثور، بمعنى ان مشرقها و مغربها متباعدان ، کما ان قرني الثور متباعدان عند الوسط ، متقاربان في طرفيهما الأعلى و الاسفل ، اي عند القطبين الشمالي و الجنوبي ، کالهلالين الذين صورناهما لك .
هذا خلاصة ما کتبه في تفسير و تقريب هذا الحديث و هو يتفق مع ما قال به العلم الحديث من ان الارض ليست کروية بل بيضوية ، و للتوسع راجع کتاب الهيئة و الإسلام .
و لا شک في ان الامام ( عليه السَّلام ) لم يکن في مقدوره ان يجيب على سؤال السائل في ذلک العصر و الذي کان يتصور العلماء فيه ان الأرض مسطحة ، الا بهذه الصورة .
و من الواضح أن هذا التفسير ليس تفسيراً نهائياً ، بل ربما يُفَسَّر هذا الحديث بنحو آخر .
كيف نتعامل مع الأحاديث الغريبة ؟
ثم أنه لو ثبت عندنا صدور الحديث عن المعصوم ( عليه السَّلام ) فلا يصح لنا أن نقف من الحديث موقف المهاجم بمجرد و جود بعض الكلمات الغامضة فيه و عدم مقدرتنا على فهم تلك الكلمات و فكِّ رموزه ، بل الصحيح هو أن نتوقف عن العمل بالحديث حتى يتسنى لنا أو لغيرنا كشف رموزه و معرفة معانيه ، و عند ما ينكشف لنا معناه نعمل به و نأخذ بتعاليمه .
ذلك لأن هناك أحاديث كثيرة لم تكن مفهومة في زمان صدورها عن المعصوم ( عليه السَّلام ) و حتى بعد ذلك بمئات السنين ، و لكن التقدم العلمي ساعد على فكّ رموزها فتبين أنها تحمل معاني عالية لم يتمكن المعصوم ( عليه السَّلام ) في زمانه من التعبير عنها إلا بهذه الصورة نظراً لأسباب قد تكون منها :
1.قصور فهم الراوي أو المجتمع أو كليهما في ذلك العصر .
2.و جود بعض النظريات الخاطئة و الشائعة و التي كانت تتبنَّاها أحياناً الحكومات و الأنظمة و تفرضها على الناس ، و تجبرهم على التعامل معها و كأنها حقائق ثابتة لا مجال لمناقشتها ، و ما أكثر العلماء و المكتشفون الذين عانوا من أنواع التعذيب و الإضطهاد لهذا السبب .
إلى غيرها من الأسباب التي لا مجال لذكرها هنا .
و المهم هو أن لا نستعجل في إصدار الحكم على أمثال هذه الأحاديث بمجرد و جود شيء من الغموض في ألفاظها ، بل ينبغي الإحتفاظ بها إلى حين توفر الشروط اللازمة و المعلومات الكافية لتقييمها تقييماً دقيقاً .

[1] هو الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب ، المعروف بثقة الإسلام الكليني الرازي ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، و هو من أبرز الفقهاء المُحدِّثين الإماميين و عَلَمٌ من أعلامها .

[2] الكافي : 8 / 89 ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .

[3] الكتب الأربعة هي موسوعات حديثية قيِّمة تتمتع بمكانة رفيعة في الأوساط العلمية الإسلامية بصورة عامة و في الأوساط الإسلامية الشيعية بصورة خاصة ، و تُعتبر من أهم المصادر الحديثية لديها ، و هي :
1.الكافي : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب ، المعروف بثقة الإسلام الكليني الرازي ، المتوفى سنة : 329 هجرية .
2.من لا يحضره الفقيه : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المعروف بالشيخ " الصدوق " ، المولود في سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية .
3.تهذيب الأحكام : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، والمتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية .
4.الإستبصار فيما أختلف من الأخبار : و هو أيضا مما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، والمتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية .

[4]علم الدراية : هو العلم الباحث عن الحالات العارضة على الحديث من جانب السند أو المتن . العلامة الشيخ جعفر السبحاني : أصول الحديث وأحكامه في علم الدراية : 14 ، الطبعة الثانية سنة : 1419 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قم / إيران .

[5] العلامة محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، والمتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، في كتابه بحار الأنوار : 55 / 267 و 89 / 255 ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .

[6] أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف الرضي ، المولود ببغداد سنة : 359 و المتوفى سنة : 406 هجرية ، و هو جامع بعض كلام الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) في كتاب أسماه بـ " نهج البلاغة " .

[7] نهج البلاغة : 518 ، فصل غريب كلامه المحتاج إلى التـفسير ، تحقيق الدكتور صبحي الصالح ، طبعة : دار الهجرة ، قم / إيران .

[8] نهج البلاغة : 518 ، تحقيق الدكتور صبحي الصالح ، طبعة : دار الهجرة ، قم / إيران .




و هنالك بيان آخر عميق للشيخ علي اليزدي الحائري 1333هـ يقول فيه قدس سره :


(( الوجه الخامس : أن نور الإمامة يهدي القلوب و العقول إلى سلوك طريق الحق ، ويوضح لها المقاصد في سلوك سبيل النجاة كما يهدي نور الشمس و القمر أبصار الخلائق إلى سلوك الطرق ، و يوضح لهم المناهج السهلة ليسلكوها ، والمسالك الوعرة ليتركوها ، فهما نوران هاديان : أحدهما يهدي البصائر و هو نور الإمامة و الآخر يهدي الابصار و هو نور الشمس و القمر ، ولكل واحد من هذين النورين محال يتناقلها ، فمحل ذلك النور الهادي الأبصار البروج الاثنا عشر التي أولها الحمل و آخرها المنتهى إليه الحوت ، فينتقل من واحد إلى آخر ، فيكون محال النور الثاني الهادي للبصائر هو نور الإمامة منحصراً في اثني عشر أيضاً .

لطيفة : قد ورد في الحديث النبوي أن الأرض بما عليها محمولة على الحوت .
( الصحيفة الصادقية 232 / الاحتجاج 2/100)

و في هذا إشارة لطيفة و حكمة شريفة وهو أن محال ذلك النور لما كان في الحوت ، والحوت حامل لأثقال هذا الوجود و قصر العالم في الدنيا ، فآخر محال هذا النور وهو نور الإمامة أيضاً حال إنتقال مصالح أديانهم ، وهو المهدي عجل الله فرجه .

صـ 212 ج1 / إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب / تحقيق العلامة السيد علي عاشور / طبع مؤسسة الاعلمي الاولى 2002 م .


و هذا الكلام للعلامة الحلي في العدة القوية 79 ذيل حديث 137 .





بحث الفقير إلى الله المغترف من علوم أهل البيت ع : مستبصر إماراتي
flw.jpg