رواية موضوعة من الصحيحين وغيرهما: فإن رجعتِ فلم تجديني فالقي أبا بكر!!!

قاسم

New Member
18 أبريل 2010
245
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين...

يروي أهل السنة في كتبهم رواية مسندة إلى الصحابي جبير بن مطعم، قال:
إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله شيئاً، فقال لها: ارجعي إليَّ.
فقالت: فإن رجعتُ فلم أجدك يا رسول الله، تعرض بالموت؟
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن رجعتِ فلم تجديني فالقي أبا بكر رضي الله عنه!!!


هذه الرواية مشكلة من حيث المتن والسند، أما المتن:
فهو مخالف لما عليه جمهور أهل السنة من إنتفاء وجود نص على خليفة معين بعد النبي صلى الله عليه وآله،
قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، أخبرنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبدالله بن عمر قال: قيل لعمر: ألا تستخلف؟
قال: إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأثنوا عليه فقال: راغب وراهب، وددت أني نجوت منها كفافاً لا لي ولا علي، لا أتحملها حياً وميتاً.

صحيح البخاري ج 8 ص 126

قال ابن حجر: قال القرطبي في المفهم: لو كان عند أحد من المهاجرين والأنصار نصٌ من النبي صلى الله عليه وسلم على تعيين أحد بعينه للخلافة لما اختلفوا في ذلك، ولا تفاوضوا فيه، قال: وهذا قول جمهور أهل السنة.
فتح الباري ج 7 ص 26

إذن فذلك الحديث يعارض ما عليه جمهور أهل السنة من نفي للنص على الخليفة، ومعارض لعدة أحاديث تنفي النص منها الحديث الذي نقلته عن البخاري...

هذا من حيث المتن، وأما من حيث السند: فإنني جمعت كل ما عثرت عليه من أسانيد لتلك الرواية فكانت كما يلي:

1 – أحمد بن حنبل: ثنا يعقوب قال: ثنا أبي، عن أبيه قال: أخبرني محمد بن جبير، أن أباه جبير بن مطعم أخبره...
مسند أحمد ج 4 ص 82

2 – أحمد بن حنبل: ثنا يزيد بن هرون قال: انا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه...
مسند أحمد ج 4 ص 83

3 – البخاري: حدثنا الحميدي ومحمد بن عبدالله قالا: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه...
صحيح البخاري ج 4 ص 191

4 – البخاري: حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله، حدثنا إبراهيم ابن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه...
صحيح البخاري ج 8 ص 126

5 - حدثني عبيدالله بن سعد بن إبراهيم، حدثنا أبي وعمي قالا: حدثنا أبي، عن أبيه، أخبرني محمد بن جبير، أن أباه جبير بن مطعم أخبره...
صحيح البخاري ج 8 ص 160

6 - حدثني عباد بن موسى، حدثنا إبراهيم بن سعد، أخبرني أبي، عن محمد بن جبير ابن مطعم، عن أبيه...
صحيح مسلم ج 7 ص 110

7 – ابن أبي عاصم: ثنا أبو مروان العثماني، ثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه...
كتاب السنة ص 533

8 – ابن حبان: أخبرنا يوسف بن يعقوب المقرئ الخطيب بواسط قال: حدثنا محمد بن خالد بن عبدالله الواسطي قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه...
صحيح ابن حبان ج 15 ص 34

9 – ابن حبان: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى بالموصل، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه...
صحيح ابن حبان ج 15 ص 291

10 – ابن حبان: أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون، حدثنا أبو مروان العثماني محمد بن عثمان، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه...
صحيح ابن حبان ج 15 ص 291

11 – الطبراني: حدثنا أبو يزيد القراطيسي، ثنا أسد بن موسى، ثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه...
المعجم الكبير ج 2 ص 132

12 – ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير...
الطبقات الكبرى ج 2 ص 226

13 – ابن سعد: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه...
الطبقات الكبرى ج 3 ص 178

14 – ابن سعد: أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي وعبدالعزيز بن عبدالله قالا: أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه...
الطبقات الكبرى ج 3 ص 178

15 – ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنبأ أحمد بن جعفر، أنا عبدالله بن أحمد، حدثني أبي، نا يزيد بن هارون، أنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه...
تاريخ مدينة دمشق ج 30 ص 219

16 – ابن عساكر: أخبرنا أبو عبدالله محمد بن الفضل وأبو المظفر عبدالمنعم بن عبدالكريم قالا: أنا أبو سعد الأديب، أنا أبو عمرو بن حمدان:
وأخبرتنا أم المجتبى بنت ناصر قالت: قرئ على إبراهيم بن منصور، أنا أبو بكر بن المقرئ قالا:
أنا أبو يعلى، نا زهير، نا يزيد، أنبأ إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن جبير -زاد ابن حمدان بن مطعم- وقالا: عن أبيه...
تاريخ مدينة دمشق ج 30 ص 220

17 – ابن عساكر: أخبرناه عالياً أبو محمد إسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر، أنا عمر بن أحمد بن عمر، أنا أبو أحمد الحافظ، أنا أبو بكر يوسف بن يعقوب المقرئ بواسط، نا محمد بن خالد بن عبدالله الواسطي، نا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه...
تاريخ مدينة دمشق ج 30 ص 220

التعليق:
جميع الروايات المتقدمة يرويها إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن محمد بن جبير، عن أبيه جبير بن مطعم، وقد وثقوا إبراهيم بن سعد في كتبهم الرجالية، ولا أدري كيف وثقوه وهم يعلمون أنه لم يكن يفتي بإباحة الغناء فحسب، بل إنه كان مغنياً يجيد الغناء!!!

قال ابن قدامة:
وممن ذهب إلى إباحة الغناء من غير كراهة: إبراهيم بن سعد، وكثير من أهل المدينة، والعنبري لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندي جاريتان تغنيان فدخل أبو بكر فقال مزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعها فإنها أيام عيد!!!
متفق عليه، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: الغناء زاد الراكب.
واختار القاضي أنه مكروه غير محرم، وهو قول الشافعي وقال: من اللهو المكروه.
وقال أحمد: الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني، وذهب آخرون من أصحابنا إلى تحريمه.

الشرح الكبير ج 12 ص 50

وقال الذهبي: كان ممن يترّخص في الغناء على عادة أهل المدينة، وكأنه ليم في ذلك، فانزعج على المحدثين، وحلف أنه لا يحدّث حتى يغني قبله، فيما قيل!!!
سير أعلام النبلاء ج 8 ص 306

وقال: وكان إبراهيم يجيد صناعة الغناء!!!
سير أعلام النبلاء ج 8 ص 309

بل نقل الذهبي في ترجمته هذه القصة:
قال عبيدالله بن سعيد بن عفير، عن أبيه قال: قدمَ إبراهيم بن سعد العراق سنة أربع وثمانين ومائة، فأكرمه الرشيد وأظهر بره، وسُئل عن الغناء فأفتى بتحليله.
وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه، فسمعه يتغنى! فقال: لقد كنتُ حريصاً على أن أسمع منك، فأما الآن فلا أسمع منك.
فقال: إذاً لا أفقد إلا شخصك، وعلي وعلي إنْ حدثت ببغداد حديثاً حتى أغني قبله!
وشاعت هذه عنه ببغداد، وبلغت الرشيد، فدعا به وسأله عن حديث المخزومية التي قطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السرقة، فدعا بعود، فقال الرشيد: أعود البخور؟
قال: لا ولكن عود الطرب.
فتبسم، وفهمها إبراهيم بن سعد فقال: لعلك بلغك يا أمير المؤمنين حديث السفيه الذي آذاني بالأمس وألجأني إلى أن حلفت؟
قال: نعم.
ودعا له الرشيد بعود، فغناه:

يا أم طلحة إن البين قد أزفـا * * * قل الثواء لئن كان الرحيل غدا​

وقال له الرشيد من كان من فقهائكم يكره السماع؟
قال: من ربطه الله.
قال: فهل بلغك عن مالك في هذا شيء؟
قال: أخبرني أبي أنهم اجتمعوا في مدعاة كانت في بني يربوع، وهم يومئذ جلة، ومعهم دفوف ومغان وعيدان يغنون ويلعبون، ومع مالك دف مربع وهو يغنيهم:

سليمى أجمعت بينا * * * فأين لقاؤها أينـا
وقد قالت لأتراب * * * لها زهر تلاقينـا
تعالين فقد طـاب * * * لنا العيش تعالينـا​

فضحك الرشيد ووصله بمال عظيم.
رواها غير واحد، عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصفار، عن علي ابن الحسين بن خلف بمصر، عن عبيد الله، فذكرها.

تاريخ الإسلام

هذه القصة رواها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج 6 ص 81 ورواها ابن عساكر في تاريخ دمشق ج 7 ص 9

وبعد، فإن انحصار طرق تلك الرواية بشخص واحد فقط وحاله من اللهو والطرب والغناء والمجون كما تقدم: يدعو للشك والارتياب!!! فلماذا لم ترو هذه الرواية من طرق أخرى؟؟؟

خصوصاً مع ما نراه من حرص أهل السنة على رواية فضائل أبي بكر، ونظرة على كتاب الموضوعات لابن الجوزي تبين لنا مقدار الحرص على ذلك!!!



تكميل:
روى ابن عساكر تلك الرواية بإسناد آخر وهو:
ابن عساكر: أخبرنا أبو الفرج عبدالخالق بن أحمد بن عبدالقادر بن يوسف، أنا أبو نصر الزينبي، أنا أبو بكر بن زنبور، نا أبو بكر محمد بن السري التمار، نا أبو عبدالله غلام خليل، نا كثير بن يحيى بن كثير صاحب البصري، نا أبي، نا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله شيئاً فقال لها: تعودين، فقالت له: يا رسول الله إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت؟ فقال: إن جئت فلم تجديني فائتي أبا بكر، فإنه الخليفة من بعدي!!!
تاريخ مدينة دمشق ج 30 ص 220

وهذه رواية موضوعة، وقد احتوت على لفظة زائدة وهي: فإنه الخليفة من بعدي!!! وعلى كل حال فإن واضع هذه الرواية هو غلام خليل!!!

قال الذهبي: غلام خليل: هو أحمد بن محمد بن غالب: كذاب.
ميزان الاعتدال ج 4 ص 597

وقال الذهبي أيضاً: غلام خليل:
الشيخ!!!
العالم!!!
الزاهد!!!
الواعظ!!!
شيخ بغداد!!!

أبو عبدالله، أحمد بن محمد بن غالب بن خالد بن مرداس، الباهلي البصري، غلام خليل.
سكن بغداد.
وكان له جلالة عجيبة!!!
وصولة مهيبة!!!
وأمر بالمعروف!!!
واتباع كثير!!!
وصحة معتقد!!!
إلا أنه يروي الكذب الفاحش!!!
ويرى وضع الحديث!!!

نسأل الله العافية!!!

قال ابن أبي حاتم: سُئل أبي عنه، فقال: رجل صالح، لم يكن عندي ممن يفتعل الحديث.
وقال ابن خراش: سرق غلام خليل هذه الأحاديث من عبدالله بن شبيب.
وقال الإمام أبو بكر الصبغي: غلام خليل ممن لا أشك في كذبه.
وروي عن أبي داود السجستاني أنه قال: ذاك دجال بغداد، نظرت في أربع مئة حديث له، عرضت علي، كلها كذب، متونها وأسانيدها.
وقال ابن عدي: سمعت أبا عبدالله النهاوندي يقول: كلّمتُ غلام خليل في هذه الأحاديث، فقال:
وضعناها لترقق القلوب!!!

سير أعلام النبلاء ج 13 ص 282

وقال ابن حجر: وقال الحاكم: سمعت الشيخ أبا بكر بن إسحاق يقول: أحمد بن محمد ابن غالب ممن لا أشك في كذبه.
وقال أبو أحمد الحاكم: أحاديثه كثيرة لا تحصى كثرة، وهو بيّن الأمر في الضعف.
وقال أبو داود: قد عرض علي من حديثه فنظرت في 400 حديث أسانيدها ومتونها كذب كلها.
وقال الحاكم: روى عن جماعة من الثقات أحاديث موضوعة على ما ذكره لنا القاضى أحمد بن كامل من زهده وورعه!!! ونعوذ بالله من ورع يقيم صاحبه ذلك المقام.
وقال ابن حبان: كان يتقشف ولم يكن الحديث من شأنه، كان يحدّث في كل ما يُسئل، أتوه بصحيفة البخاري عن ابن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال وهى ثمانون حديثاً، فحدث بها كلها عن ابن أبي أويس ولم يسمع منها شيئاً!!!

لسان الميزان ج 1 ص 273


والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين...

k.gif
n.gif