بحث حول فضل البكاء على الإمام الحسين عليه السلام

المهند

رافـضـي
19 أبريل 2010
30
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين محمد و آله الطيبين الطاهرين , و السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين. فإنه و بما أننا في أيام العشرة الحسينية من شهر المحرم الحرام , أقدم لكم هذا الموضوع عن فضل زيارة و البكاء على الإمام الحسين عليه السلام . و الداعي لهذا الموضوع هو لبيان ما للباكي و الزائر عن الإمام الحسين عليه السلام من ثواب و أجر عظيمين , و هي ذكرى لمن يتذكر , و تنبيه لمن يغفل , لأن تخصص أيام الحسين عليه السلام لأجل ذكراه و شهادته , و يوصي أئمتنا عليهم السلام بأن نحيي أيام الحسين عليه السلام بالحزن و البكاء و الدموع و الجزع و الحرارة . لأن الحاصل هذه الأيام أن تستغل أيام الحسين عليه السلام لأغراض و مصالح أخرى معلومة لدى الجميع بقصد أو من دون قصد, و تناسوا كيف أرادنا أهل البيت عليهم السلام أن نحيي هذه الأيام, فهذه أيام حرقة , و أيام دمعة , و أيام ذل فيها أهل البيت عليهم السلام و شيعتهم بمقتل إمامهم الحسين عليه السلام.
و مع أن هذا الموضوع ليس بالجديد , و ألفت في ذلك الكتب و البحوث الكثيرة , لكن أحببت أن أجمع في هذا الموضوع ما يمكن أن يكون مفيدا و وافيا لبيان الغرض الذي ذكرناه, فاعتمدت في ذلك على بعض الكتب المخصصة في قضية و سيرة الحسين عليه السلام , و فيه سأبين الآتي إن شاء الله :
- جواز البكاء على الحسين عليه السلام
- إستحباب البكاء على الإمام الحسين عليه السلام
- السيرة العملية للأئمة عليهم السلام في إحياء ذكرى الحسين عليه السلام
- السيرة العملية للعلماء في إحياء ذكرى الحسين عليه السلام

و قد اعتمدت في ذلك بعض المصادر و الكتب هي :

- القرآن الكريم
- كامل الزيارات لابن قولويه القمي
- فضل زيارة الحسين عليه السلام لأبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن الشجري الزيدي
- مقتل الإمام الحسين عليه السلام لمحدث أهل السنة الطبراني
- تاريخ النياحة للشيخ صالح الشهرستاني
- الشعائر الحسينية للشيخ محمد سند حفظه الله
- المأتم الحسيني للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره
- كتب تراجم الصحابة خصوصا اسد الغابة و الإستيعاب و البداية لابن كثير
- مصادر الحديث لدى أهل السنة خصوصا المستدرك للحاكم و مسند أحمد و معجم الطبراني
- تفاسير أهل السنة خصوصا تفسير الطبري و الدر المنثور للسيوطي
- تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي قدس سره
- و غيرها من الكتب و المصادر الحديثية و التاريخية.

و أما إعتمادي على مؤلف من مؤلفات الزيدية و أهل السنة في ذلك , هو للإشارة أن تلك المرويات لم يختص بها الإمامية الإثنا عشرية – أيدهم الله – بل رواها كذلك غيرهم من الشيعة ممن يرى إمامة الحسين عليه السلام , و لعل الشيعة الإسماعيلية كذلك لديهم بعض تلك الروايات الواردة عنهم عليهم السلام . مما يدل أن تلك الروايات ليست من الأمور المختلقة أو التي اخترعها الشيعة , بل يشير ذلك أن هذه الروايات قد صحت و صدرت عنهم عليهم السلام , و تشير إلى الوثوق بصدورها عنهم عليهم السلام.



الشواهد القرآنية:

و أبدأ الموضوع أولا بالسنن القرآنية , و نذكر ما ورد عنها في تفسير تلك الآيات سواء من أقوال المفسرين أو الروايات الواردة , و سنأتي بالتفاسير التي وردت في حال هذه الآيات من سورة يوسف عليه السلام :

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُواْ تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (86)

و نبدأ أولا بتفسير الطبري و نذكر منه بعض الروايات المختارة :

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { وَتَوَلَّـى عَنْهُمْ } أعرض عنهم، وتتامّ حزنه، وبلغ مـجهوده، حين لـحق بـيوسف أخوه وهيَّج علـيه حزنه علـى يوسف، فقال: { يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ وابْـيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الـحُزْنِ فَهُوَ كَظِيـمٌ }.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَتَوَلَّـى عَنْهُمْ وَقالَ يا أسَفـا علـى يُوسُفَ } يقول: يا حَزَنَى علـى يوسف.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ }: يا حَزَنَا.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ }: يا جزعاه.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ } يا جزعاه حزناً.

و أما بخصوص قوله تعالى على لسان أبناء يعقوب عليه السلام :

{ قَالُواْ تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ }
و فيها دلالة على كثرة ذكر يعقوب عليه السلام ليوسف عليه السلام إلى درجة أن يكون " حرضا أو من الهالكين " و فيها سنأتي بتفسير تلك الآيات:

يعنـي تعالـى ذكره: قال ولد يعقوب الذين انصرفوا إلـيه من مصر له حين قال { يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ }: تالله لا تزال تذكر يوسف.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { تَفْتؤُ } ما تفتر من حبه، كذا قال الـحسن فـي حديثه، وهو غلط، إنـما هو: تَفْتَرُّ من حبه، تزال تذكر يوسف.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن أسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس: { قالُوا تاللّهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ } قال: لا تزال تذكر يوسف، قال: لا تفتر من حبه.

و أما قولهم " حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين"

يقول الطبري:

وقوله: { حتـى تَكُونَ حَرَضاً } يقول: حتـى تكون دنف الـجسم، مخبول العقل.
وأصل الـحرض: الفساد فـي الـجسم والعقل من الـحزن أو العشق ..

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { حتـى تَكُونَ حَرَضاً } يعنـي: الـجهد فـي الـمرض البـالـي.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { حتـى تَكُونَ حَرَضاً } قال: دون الـموت.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيـل، عن لـيث، عن مـجاهد: { حتـى تَكُونَ حَرَضاً } قال: الـحرض: ما دون الـموت.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما ذكر يعقوب يوسف، قالوا: يعنـي ولده الذين حضروه فـي ذلك الوقت جهلاً وظلـماً { تاللّهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حتـى تَكُونَ حَرَضاً } أي تكون فـاسداً لا عقل لك { أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ }.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { حتـى تَكُونَ حَرَضاً أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ } قال: الـحرض: الذي قد ردّ إلـى أرذل العمر حتـى لا يعقل، أو تهلك فتكون هالكاً قبل ذلك.

و أما في الدر المنثور للسيوطي ففيه:

وأخرج أبو عبيد وابن سعيد وابن أبي شيبة وابن المنذر، عن يونس - رضي الله عنه - قال: لما مات سعيد بن الحسن حزن عليه الحسن حزناً شديداً، فكلم الحسن في ذلك فقال: ما سمعت الله عاب على يعقوب عليه السلام الحزن.

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وأبو الشيخ، عن الحسن - رضي الله عنه - قال: كان منذ خرج يوسف عليه السلام من عند يعقوب عليه السلام إلى يوم رجع، ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه، ودموعه تجري على خديه. ولم يزل يبكي حتى ذهب بصره. والله ما على وجه الأرض يومئذ خليقة أكبر على الله من يعقوب.

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - قال: لم يعط أحد الاسترجاع غير هذه الأمة، ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام. ألا تستمعون إلى قوله { يا أسفى على يوسف }.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن الأحنف بن قيس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن داود قال: يا رب، إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحق ويعقوب، فاجعلني لهم رابعاً. فأوحى الله إليه أن إبراهيم ألقي في النار بسببي فصبر، وتلك بلية لم تنلك. وأن إسحق بذل مهجة دمه في سببي فصبر، وتلك بلية لم تنلك، وأن يعقوب أخدت منه حبيبه حتى ابيضت عيناه من الحزن فصبر، وتلك بلية لم تنلك ".

هذا ما ذكر من تفاسير أهل السنة , تفسيري الطبري و السيوطي , و أما عند الإمامية الإثنا عشرية , فيكفينا أن نورد ما ذكره العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسيره:

قوله تعالى: { وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم } قال الراغب في المفردات: الأسف الحزن والغضب معاً، وقد يقال لكل واحد منهما على الانفراد وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضباً، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزناً - إلى أن قال - وقوله تعالى: { فلما آسفونا انتقمنا منهم } أي أغضبونا قال أبو عبد الله الرضا: إن الله لا يأسف كأسفنا ولكن له أولياء يأسفون ويرضون فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه. قال وعلى ذلك قال: من أهان لى ولياً فقد بارزني بالمحاربة. انتهى.

وقال: الكظم مخرج النفس يقال: أخذ بكظمه، والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت كقولهم: فلان لا يتنفس إذا وصف بالمبالغة في السكوت، وكظم فلان حبس نفسه قال تعالى: { إذ نادى وهو مكظوم } وكظم الغيظ حبسه قال تعالى: { والكاظمين الغيظ } ، ومنه كظم البعير إذا ترك الاجترار وكظم السقاء شدة بعد ملئه مانعا لنفسه. انتهى.
وقوله: { وابيضت عيناه من الحزن } ابيضاض العين أي سوادها هو العمى وبطلان الإِبصار وربما يجامع قليل إبصار لكن قوله الآتي: { إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً } الآية: 93 من السورة يشهد بأنه كناية عن ذهاب البصر.

ومعنى الآية: { ثم تولى } وأعرض يعقوب عليه السلام { عنهم } أي عن أبنائه بعد ما خاطبهم بقوله: بل سولت لكم أنفسكم أمراً { وقال يا أسفي } ويا حزني { على يوسف وابيضت عيناه } وذهب بصره { من الحزن } على يوسف { فهو كظيم } حابس غيظه متجرع حزنه لا يتعرض لبنيه بشيء.

قوله تعالى: { قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين } الحرض والحارض المشرف على الهلاك وقيل: هو الذي لا ميت فينسى ولا حي فيرجى، والمعنى الأول أنسب بالنظر إلى مقابلته الهلاك، والحرض لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر.

والمعنى: نقسم بالله لا تزال تذكر يوسف وتديم ذكره منذ سنين لا تكف عنه حتى تشرف على الهلاك أو تهلك، وظاهر قولهم هذا أنهم إنما قالوه رقة بحاله ورأفة به، ولعلهم إنما تفوهوا به تبرّماً ببكائه وسأمة من طول نياحه ليوسف، وخاصة من جهة أنه كان يكذبهم في ما كانوا يدعونه من أمر يوسف، وكان ظاهر بكائه وتأسفه أنه يشكوهم كما ربما يؤيده قوله: { إنما أشكو } الخ.

قوله تعالى: { قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } قال في المجمع: البث الهم الذي لا يقدر صاحبه على كتمانه فيبثه أي يفرقه، وكل شيء فرقته فقد بثثته ومنه قوله: { وبث فيها من كل دابة } انتهى فهو من المصدر بمعنى المفعول أي المبثوث.


والحصر الذي في قوله: { إنما أشكوا } الخ، من قصر القلب فيكون مفاده أني لست أشكو بثي وحزني إليكم معاشر ولدي وأهلي، ولو كنت أشكوه إليكم لانقطع في أقل زمان كما يجري عليه دأب الناس في بثهم وحزنهم عند المصائب، وإنما أشكو بثي وحزني إلى الله سبحانه، ولا يأخذه ملل ولا سأمة فيما يسأله عنه عباده ويبرمه أرباب الحوائج ويلحون عليه وأعلم من الله ما لا تعلمون فلست أيأس من روحه ولا أقنط من رحمته.

و خلاصة ما نقلناه من تلكم التفاسير , أن يعقوب عليه السلام قد بكي و ناح على يوسف عليه السلام منذ يوم فقده و لسنين طويلة , و وصل الأمر إلى أن عميت عينا يعقوب عليه السلام , إلى أن أثر ذلك حتى على جسمه أو ذهاب عقله كما وصفه أبناؤه عليه السلام , و كل ذلك الحزن هو شكواه لله تعالى , و مع ذلك فلم يكن هناك أي ذم أو نهي من قبل الله عز و جل لنبيه يعقوب عليه السلام , لأن حزنه و شكواه لله تعالى .

فإن كان الأمر كذلك , فعلام يلام الشيعة حين ينوحون و يبكون على إمامهم الحسين عليه السلام , الذي ذبح كالكبش , و داست الخيول صدره , و سبي أهل بيته عليه السلام و طيف بهم البلدان , و في بكاء الشيعة للحسين عليه السلام دلالات منها :

- شكواهم لله و لرسوله على ما فعلته الأمة بابن بنت نبيها
- إظهار المودة و الولاية لمحمد و آل محمد عليهم السلام و البراءة من أعدائهم, و مودة أهل البيت عليهم السلام و ولايتهم و البراءة من أعدائهم من الخمسة التي بني عليها الإسلام
- أن في بكائهم لتلك المصيبة تذكير للأمة بتلك المظلومية , و أن سببها إنحراف الأمة الإسلامية عن الخط الذي رسمه لهم النبي صلى الله عليه و آله و سلم , و هم أهل بيته عليهم السلام , و هذا يتبين بصورة واضحة عندما نرى أن الكثيرين دخلوا الإسلام و التشيع بسبب سماعهم أو قراءتهم لمصيبة الإمام الحسين عليه السلام.




الشواهد التاريخية :

شهادة الحمزة عليه السلام:

و هناك ثمة شواهد تاريخية من السيرة النبوية فيها إقرار من قبل النبي صلى الله عليه و آله و سلم على جواز البكاء على الأموات , و لا سيما الشهداء من بني هاشم , خصوصا عنه حمزة بن عبد المطلب و ابن عمه جعفر بن أبي طالب عليهما السلام .
و أبدأ أولا بذكر ما قام به النبي صلى الله عليه و آله و سلم حين أستشهد حمزة عليه السلام:
منها ما رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين:
المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري.
المجلد الأول >> -13- كتاب الجنائز

1407/ 153 - أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد السماك، ثنا الحسن بن مكرم، ثنا عثمان بن عمر، ثنا أسامة بن يزيد، حدثني الزهري، عن أنس بن مالك قال:
لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحد، سمع نساء الأنصار يبكين، فقال: (لكن حمزة لا بواكي).
فبلغ ذلك نساء الأنصار، فبكين لحمزة، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهن يبكين.
فقال: (يا ويحهن، ما زلن يبكين، منذ اليوم فليسكتن ولا يبكين على هالك بعد اليوم).
قال الحاكم :
هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
وهو أشهر حديث بالمدينة، فإن نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتى يندبن حمزة، وإلى يومنا هذا.
وقد اتفق الشيخان على إخراج حديث أيوب السختياني، عن عبد الله بن أبي مليكة مناظرة عبد الله بن عمر، وعبد الله بن العباس في البكاء على الميت، ورجوعهما فيه إلى أم المؤمنين عائشة، وقولها: والله ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الميت يعذب ببكاء أحد، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الكافر يزيده عند الله بكاء أهله عذابا شديدا، وأن الله هو أضحك وأبكى، ولا تزر وازرة وزر أخرى).

أما قوله صلى الله عليه و آله و سلم: (يا ويحهن، ما زلن يبكين، منذ اليوم فليسكتن ولا يبكين على هالك بعد اليوم). فلعله كان لعلة رآها صلى الله عليه و آله و سلم منهن, و لعل نهيه لهن أن قوله (حمزة لا بواكي له) ليس أمرا منه , أو أنه إضافة من قبل الراوي , لانه من غير المعقول أن ينهى عن الموت على هالك بعد اليوم , و من ثم نراه ينهى عمر عن نهي النساء عن بكائهم على موتاهن , و نراه يبكي بنفسه على ابن عمه جعفر بن أبي طالب كما سنرى , و لا يبعد كذلك أن تكون الإضافة أموية , خصوصا أن حمزة عليه السلام قد قتل في آل أمية في بدر و أحد.

و رويت الرواية بلفظ آخر في مسند أحمد :
مسند الإمام أحمد. الإصدار 2.04 - للإمام أحمد ابن حنبل
المجلد الثاني. >> (مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما).

حدثنا عبد الله حدثنا أبي حدثنا زيد بن الحباب حدثني أسامة بن زيد حدثني نافع عن ابن عمر.
-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من أحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حمزة لا بواكي له قال ثم نام فاستنبه وهن يبكين قال فهن اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة.

و من فوائد البكاء على حمزة عليه السلام أنها أظهرت المنافقين و غش اليهود , حيث ذكر ابن كثير في البداية و النهاية بعد ذكر رواية " حمزة لا بواكي له " قال:
وهكذا ذكر ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير سواء قال موسى بن عقبة: وأخذ المنافقون عند بكاء المسلمين في المكر والتفريق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحزين المسلمين، وظهر غش اليهود، وفارت المدينة بالنفاق فور المرجل وقالت اليهود: لو كان نبياً ما ظهروا عليه، ولا أصيب منه ما أصيب، ولكنه طالب ملك تكون له الدولة وعليه.
وقال المنافقون مثل قولهم، وقالوا للمسلمين: لو كنتم أطعتمونا ما أصابكم الذين أصابوا منكم، فأنزل الله القرآن في طاعة من أطاع، ونفاق من نافق، وتعزية المسلمين يعني فيمن قتل منهم، فقال: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم..} الآيات كلها كما تكلمنا على ذلك في التفسير، ولله الحمد والمنة.

أي ان البكاء أظهر ما كان يبطنه اليهود و المنافقون, فبكاؤنا على الحسين عليه السلام أظهر حقيقة كثير من الناس سواء من الشيعة أو السنة , و أظهروا نية ما كان يبطنوه , و الشواهد هذه كثيرة عند الملمين بمن يلقي الشبهات. فما وقف واقف في وجه الحسين عليه السلام إلا افتضح و بانت عورته !
و هذه الرواية قد رواها أكثر أصحاب السير , و ليس فيها نهي عن البكاء كما هو واضح, و إن صح النهي فلعل هناك أسباب قد خفيت عنا لم تذكر بالرواية.

و هذه الرواية في الإستيعاب لابن عبد البر في ترجمة حمزة بن عبد المطلب:
وروى عبد الله بن نمير عن أبي حماد الحنفي عن عبد الله بن محمد عقيل عن جابر بن عبد الله لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حمزة قتيلاً بكى فلما رأى ما مثل به شهق.

بكاء النبي صلى الله عليه و آله على جعفر بن أبي طالب كما في الإستيعاب لابن عبد البر:


وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال وجدنا ما بين صدر جعفر بن أبي طالب ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح وقد روى أربع وخمسون جراحة والأول أثبت ولما أتى النبي صلى الله عليه وسلم نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزاها في زوجها جعفر ودخلت فاطمة رضي الله عنها وهي تبكي وتقول واعماه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على مثل جعفر فلتبك البواكي".
و في أسد الغابة لابن الأثير المؤرخ في ترجمة جعفر بن أبي طالب عليه السلام :
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أم عيسى، عن أم جعفر بنت جعفر بن أبي طالب، عن جدتها أسماء بنت عميس أنها قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عجنت عجينتي، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتيني ببني جعفر"، فأتيته بهم، فشمهم ودمعت عيناه، فقلت: يا رسول الله، بأبي وأمي ما يبكيك? أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء? قال: "نعم، أصيبوا هذا اليوم"، فقمت أصيح وأجمع النساء، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فقال: "لا تغفلوا آل جعفر فإنهم قد شغلوا".

و ذكر ابن الأثير:
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: قالت: لما أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاه نعي جعفر، دخل على امرأته أسماء بنت عميس، فعزاها، فيه ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: واعماه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على مثل جعفر فلتبك البواكي".
ودخله من ذلك هم شديد حتى أتاه جبريل، فأخبره أن الله قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة.





السنة النبوية في البكاء على الإمام الحسين عليه السلام في مصادر غير الشيعة الإمامية:

أما البكاء على الحسين عليه السلام بالخصوص , فإنها من السنن النبوية و كان أول من بكى على الحسين عليه السلام جده رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم , و لم يرد عنه صلى الله عليه و آله و سلم أي نهي بخصوص البكاء على سبطه الحسين عليه السلام , بل المطالع للروايات الواردة في هذا المجال من مصادر السنة و الشيعة سيحتمل ورود هذه الرواية في أكثر من موضع مما يعني بكاؤه صلى الله عليه و آله و سلم أكثر من مرة , و على الأمة إتباع سنته صلى الله عليه و آله و سلم بالبكاء على الحسين عليه السلام حين ذكر إستشهاده :

منها ما رواه الطبراني في كتابه مقتل الحسين عليه السلام , و في معجمه تحت ((ذكر مولده وصفته وهيأته رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه وعن أبيه وأمه)) و ما رواه الهيتمي في مجمعه في باب مناقب الحسين بن علي عليهما السلام , و ننقل هنا توثيق الهيتمي للرواية :

مجمع الزوائد. الإصدار 2.05 - للحافظ الهيثمي
المجلد التاسع. >> 37. كتاب المناقب >> 16. باب مناقب الحسين بن علي عليهما السلام
- عن نجي الحضرمي أنه سار مع علي رضي الله عنه وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي: اصبر أبا عبد الله اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: "بل قام من عندي جبريل عليه السلام قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات". قال: فقال: "هل لك أن أشمك من تربته؟". قلت: نعم، قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عينيي أن فاضتنا.
رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا.

و منها ما رواه الطبراني في معجمه بنفس الباب , و في مقتله , و ما رواه الهيتمي في مجمعه في باب مناقب الإمام الحسين بن علي عليهما السلام:
معجم الطبراني الكبير، الإصدار 1.05 - للإمام الطبراني
باب الحاء >> الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يكنى أبا عبد الله >> ذكر مولده وصفته وهيأته رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه وعن أبيه وأمه

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني عباد بن زياد الأسدي ثنا عمرو بن ثابت عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أم سلمة قالت كان الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما يلعبان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فنزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأوما بيده إلى الحسين فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمه إلى صدره ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وديعة عندك هذه التربة فشمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ويح كرب وبلاء قالت وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل قال فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول إن يوما تحولين دما ليوم عظيم.

و قد روى الطبراني في مقتله بكاء الجن على أبي عبد الله الحسين عليه السلام و ما رواه كذلك في معجمه في نفس الباب المذكور سابقا:
معجم الطبراني الكبير، الإصدار 1.05 - للإمام الطبراني
باب الحاء >> الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يكنى أبا عبد الله >> ذكر مولده وصفته وهيأته رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه وعن أبيه وأمه

حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا سريج بن يونس ثنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الأبار عن إسماعيل بن عبد الرحمن الأزدي عن أبي جناب قال سمع من الجن يبكون على الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
مسح الرسول جبينه * فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش * جده خير الجدود (3/ 122)

و في نفس المصدر معجم الطبراني و مقتل الإمام الحسين عليه السلام , و مجمع الزوائد للهيتمي:
مجمع الزوائد. الإصدار 2.05 - للحافظ الهيثمي
المجلد التاسع. >> 37. كتاب المناقب >> 16. باب مناقب الحسين بن علي عليهما السلام.
15179- عن أم سلمة قالت: سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي.
رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

فها هي الجن تبكي و ترثي و تنوح على الحسين عليه السلام , و قد بكى قبلهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حينما أخبره جبرئيل عليه السلام بأن أمة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم " الأمة الوسط " كما تفتخر و تدعي , هي التي ستقتل سبطه الحسين عليه السلام , ما يفرض هذا التساؤل حينما يقول بعض السطحيين من المخالفين أن مقتل الحسين عليه السلام مدعاة للفرح و السرور لنيله الشهادة , فنسألهم لم لم يفرح رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بذلك حينما أخبره جبرئيل بالأمر كما تفرحون ؟ وهذا سؤال لن نر جوابه إلى يوم يبعثون !

و أنقل لكم إضافة للروايات الواردة من المصادر السنية أعلاه , بعض الروايات التي نقلها أحد أعلام الزيدي, و قد ألف كتابا في فضل زيارة الحسين عليه السلام, و اورد فيها روايات في الحث على البكاء على الحسين عليه السلام:

حدثنا محمد بن جعفر بن محمد التميمي ، قال أنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال حدثني محمد بن يوسف ابن ابراهيم الورداي ، قال نا الحسن بن علي بن فضال ، قال حدثني محمد بن الحسين بن كثير الخرار ، عن أبيه ، عن هارون بن
خارجة قال : كنت عند أبي عبد الله فذكر الحسين عليه السلام فبكى وبكيت ، فقال أبو عبد الله : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة فلا يذكرني مؤمن الا بكى . قال : فقلت له : ما لمن أتى قبره عارفا بحقه لا يريد بذلك الا وجه الله والدار الاخرة ؟ فنكت في الارض ثلاثا ثم رفع رأسه فقال : يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ثم قال له . أتعلم يا هارون بن خارجة ان الله سبحانه وكل بقبر الحسين سبعين ألف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى أن تقوم الساعة ويشهدون لمن زاره بالموافاة عند رب العالمين .

أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن الحسين بن حاجب قراءة عليه ، قال نا أبي ، قال نا يونس بن علي القطان ، قال انا مخول بن ابراهيم ، عن الربيع بن منذر الثوري ، عن أبيه قال : سمعت الحسين بن علي يقول : من دمعت عيناه فينا دمعة أو قطرت عيناه فينا قطرة أثواه الله بها في الجنة حقبا .
حدثنا عبد الله بن مجالد البجلي ، قال أنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال نا أحمد بن يحيى ، قال نا مخول ابن ابراهيم ، قال نا الربيع بن المنذر ، عن أبيه قال : سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول : من دمعت عينه فينا دمعة أو قطرت عينه فينا قطرة أثواه الله بها في الجنة حقبا . قال أحمد بن يحيى : فرأيت الحسين بن علي في النوم فقلت له : حدثنا مخول بن ابراهيم عن الربيع بن المنذر عن أبيه عنك أنك قلت ( من دمعت عينه فينا دمعة أو قطرت عينه فينا قطرة أثواه الله بها في الجنة حقبا ) ؟ فقال : نعم . فقلت : قد سقط الاسناد بيني وبينك .

حدثنا محمد بن الحسين بن غزال ، قال نا محمد بن عمار العطار ، قال نا علي بن محمد ، قال نا مخول بن ابراهيم ، قال نا الربيع بن منذر الثوري ، عن أبيه قال : سمعت الحسين بن علي وهو يقول : من قطرت عينه فينا قطرة أو دمعت عينه فينا دمعة أثواه الله بها في الجنة حقبا .

نا محمد بن الحسين بن النخاس ، قال نا علي بن العباس البجلي ، قال نا جعفر بن محمد الزهري ، قال حدثنا خالد ابن مخلد ، قال نا الربيع بن المنذر ، عن أبيه ، عن الحسين ابن علي ، قال : من دمعت عيناه فينا دمعة أو قطرت فينا قطرة أثواه الله بها في الجنة حقبا .

حدثنا حسين بن أحمد بن القطان ، قال انا زيد بن محمد العامري ، قال نا ابراهيم بن عبد الله العباسي ، قال نا خالد بن مخلد بهذا مثله . حدثنا محمد بن أحمد العلوي ، قال نا أحمد بن محمد بن السري النهمي ، قال نا ابراهيم بن عبد الله العبسي ، قال نا خالد بن مخلد بمثله




أود أن أضيف ما ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام:

و نقل عن امير المؤمنين عليه السلام في أحد خطبه بنهج البلاغة لما بلغه غزو جيش معاوية للانبار:

وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاُْخْرَى المُعَاهَدَةِ، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً.


المهند




سيرة الأئمة عليهم السلام في البكاء على الإمام الحسين عليه السلام و الحث عليه :

و قد استمر الأئمة عليهم السلام في إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في البكاء على الحسين عليه السلام , و قد حثوا شيعتهم في البكاء عليه , و شجعوهم على إنشاء الشعر و الرثاء في مقتل الحسين عليه السلام , و ذكروا ما في البكاء و الإنشاد في أمر مقتل الحسين عليه السلام من الأجر و الثواب العظيم , و نورد لكم طائفة من الروايات الواردة , و ليس هناك أفضل من ما ذكره العلامة عبد الحسين شرف الدين قدس سره في هذا المجال في كتابه المأتم الحسيني , و هو منشور بموقع مركز الأبحاث العقائدية , و كذلك سننقل بعض الروايات الموجودة في كتاب تاريخ النياحة و فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام , و إليكم التالي نقلا عن عبد الحسين شرف الدين قدس سره:
فعن الصادق (عليه السلام) ـ فيما رواه ابن قولويه في الكامل وابن شهر آشوب في المناقب وغيرهما ـ: أنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) بكى على أبيه مدّة حياته، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى، ولا أتي بشراب إلاّ بكى، حتى قال له أحد مواليه: جعلت فداك يا ابن رسول الله إنّي أخاف أن تكون من الهالكين! قال (عليه السلام): «إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون».

أقول: فكأنما الإمام زين العابدين عليه السلام يستشهد بجواب يعقوب عليه السلام حين شكوه أبناؤه كثرة بكائه على يوسف عليه السلام.
وروى ابن قولويه وابن شهر آشوب أيضاً وغيرهما: أنه لما كثر بكاؤه، قال له مولاه: أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال: «ويحك، إن يعقوب (عليه السلام) كان له اثنا عشر ولداً، فغيّب الله واحداً منهم، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه واحدودب ظهره من الغم، وابنه حيّ في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمومتي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني».
وعن الباقر (عليه السلام) قال: «كان أبي ـ علي بن الحسين صلوات الله عليه ـ يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي (عليه السلام) دمعة حتى تسيل على خده بوّأه الله تعالى في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لاذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنة مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده صرف الله عن وجهه الاذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار».

وقال الرضا ـ وهو الثامن من أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم ـ «إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال، فاستُحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت فيه النار في مضاربنا، وانتهب مافيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرمة في أمرنا.
إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا....
فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فانّ البكاء عليه يحط الذنوب العظام».

وأنقل ها هنا ما أراه مناسبا لاثبات جواز رفع الصوت بالبكاء على الإمام الحسين عليه السلام , و أنقله من كتاب تاريخ النياحة للإمام الحسين عليه السلام للشيخ صالح الشهرستاني:

روى الصدوق في (الأمالي) ، وابن قولويه في (الكامل) ، بسنديهما عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قال لي: (يا أبا عمارة، أنشِدني في الحسين بن علي، فأنشدتهُ فبكى، ثُمّ أنشدته فبكى قال: فو الله، ما زلتُ أنشده فيبكي حتى سمعتُ بكاء مَن في الدار، فقال: يا أبا عمارة، مَن أنشدَ في الحسين بن علي شعراً، فأبكى خمسين فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسين شعراً فتباكى فله الجنّة...)

وروى أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه، بسنده عن علي بن إسماعيل التميمي، عن أبيه قال: (كنتُ عند أبي عبد الله جعفر بن محمّد، فاستأذنَ آذنه للسيّد الحميري، فأمرَ بإيصاله، وأقعدَ حرمهُ خلف ستر، ودخلَ فسلّم وجلس، فاستنشده فأنشده قوله:
امرُر على جَدث الحسين..... فقل لأعظُمه الزكيّة
أأعظُماً لا زلتِ iiمن.....وطفاء ساكبة رويّة
وإذا مررتَ iiبقبره.....فأطِل به وقف المطيّة
وابكِ المطهّر iiللمطهّر.....والمطهّرة النقيّة
كبكاء مُعوِلة iiأتت.....يوماً لواحدها المنيّة
قال: فرأيتُ دموع جعفر بن محمّد (عليه السلام) تتحدر على خدّيه، وارتفعَ الصُراخ من داره حتى أمره بالإمساك فأمسكَ...).

وروى الصدوق في (ثواب الأعمال) بالإسناد إلى أبي هارون المكفوف، قال: أُدخِلت على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال لي: (يا أبا هارون، أنشِدني في الحسين، فأنشدتهُ، فقال لي: أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقّة ـ فأنشدتهُ.
امرُر على جَدث الحسين فقل لأعظمه الزكيّة
قال: فبكى،.. ثُمّ قال: زدني)، فأنشدته القصيدة الأخرى.
ما لذّ عيش بعد رضّك بالجياد iiالأعوجيه
فبكى، وسمعتُ البكاء من خلف الستر.))

و أما جواز الجزع على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام , فأنقل:
روى الشيخ الطوسي في الأمالي، عن المفيد، بسنده عن أبي عبد الله الصادق أنّه قال: (كلّ الجزَع والبكاء مكروه، سوى الجزَع والبكاء على الحسين...).

وروى ابن قولويه في الكامل بسنده عن الصادق أنّه قال: (إنّ البكاء والجزَع مكروه للعبد في كلّ ما جزَع، ما خلا البكاء على الحسين بن علي (عليه السلام)؛ فإنّه فيه مأجور).

و روي في نهج البلاغة في قصار كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال عند وقوفه على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الصبر لجميل إلا عنك، وأن الجزع لقبيح إلا عليك..)





حث علماء الشيعة على إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام:


الموقف الأول : موقف الشريف المرتضى قدس سره:


نقل السيد صالح الشهرستاني في كتابه تاريخ النياحة على الإمام الحسين عليه السلام , تحت عنوان ((موقف العباسيين من النياحة على الإمام الحسين عليه السلام)) :

نقلَ كتاب (المواكب الحسينيّة)، لمؤلِّفه عبد الرزاق الحائري الأصفهاني، عن كتاب (عُمدة الأخبار) صفحة (43) ما نصّه:

(إنّ السيّد المرتضى (رحمه الله) زارَ الحسين بكربلاء في يوم عاشوراء سنة (396 هـ)، مع جمع من أصحابه وتلامذته، فوجدَ هناك جمعاً من الأعراب يضربون على الخدود، ويلطمون على الصدور، وينوحون ويبكون، فدخلَ معهم السيّد مع تلامذته وهو يلطم على صدره ورأوه ينشد:

(كربلاء لا زلتِ كرباً وبلا...) إلى آخر القصيدة المنظومة من قِبَل أخيه الشريف الرضي).


الموقف الثاني: موقف الشيخ جواد البلاغي قدس سره:

ما ذكره الشيخ محمد الحسون في كتابه " قراءة في رسالة التنزيه للسيد محسن الأمين رحمه الله" :

عارض السيّد الأمينَ عددٌ كبير من رجال الدين، وفي مقدّمتهم مراجع دين، ومجتهدون، وكتّاب معروفون، منهم:

إلى أن يقول....

5 - المجتهد والكاتب المعروف المجاهد الشيخ محمّد جواد البلاغي (ت1352هـ)، وكانت معارضته فعليّة، فلم يُسمع منه أيّ كلام ضدّ السيّد الأمين، بل كان هذا الشيخ الجليل على ضعفه وكبر سنّه يخرج أمام مواكب العزاء يضرب على صدره ورأسه وقد حلّ أزاره وطيّن جبهته. وكان له مجلس عزاء كبير جدّاً يُقيمه في كربلاء المقدّسة يوم عاشوراء، لازال الناس يتحدّثون عنه.

قال معاصره المؤرّخ الشيخ جعفر محبوبة (ت 1377هـ):

"وكم له أمام المناوئين للحسين (عليه السلام) من مواقف مشهودة، ولولاه لأمات المعاندون الشعائر الحسينيّة والمجالس العزائيّة، ولكنّه تمسّك بها والتزم بشعائرها وقام بها خير قيام"(4) .

وقال الشيخ محمّد هادي الأميني (ت 1421هـ) بعد أن حكى قول الشيخ جعفر محبوبة السابق:

"فحين أفتى بعض العلويّين في الشام ـ وتبعه علويّ آخر في البصرة ـ بحرمة الشعائر الحسينيّة، وَزَّمَرَ وطَبَّلَ على هذه الفتوى كثير من المغرضين المعاندين، شُوهد هذا الشيخ الكبير على ضعفه وعجزه أمام الحشد المتجمهر للعزاء يمشي وهو يضرب على صدره وقد حلّ أزاره، وخلفه اللطم والأعلام، وأمامه الضرب بالطبل. ومن آثاره إقامة المآتم في يوم عاشوراء في كربلاء، فهو أوّل من أقامه هناك، وعنه اُخذ حتّى توسّع فيه ووصل إلى حدّه اليوم"


الموقف الثالث : وصية الميرزا جواد التبريزي قدس سره :

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم أهلك اعدائهم
أنا في حال تشييع جنازتي ونقل جثماني إلى قبري على أيدي تلامذتي الأعزاء الذين تعبت في تربيتهم . ولم أعرف التعطيل يوماً ولم أترك النصيحة لهم أبداً ولم أنصح نصيحة قبل أن أعمل بها. نصيحتي اليوم لجميع المؤمنين الغيارى هي للدفاع عن مسلمات المذهب الحق وأن لايعطوا لأحد مجالاً للتشكيك وإلقاء الشبهات في أذهان العوام خصوصاً في قضية الشعائر الحسينية فإن حفظ المذهب في هذا العصر يتوقف على حفظ الشعائر الحسينية. أنصحهم أيضاً بالمثابرة على تحصيل العلوم الدينية مقارنا لطلب رضا الله والتقيد بالتقوى ولقد كنت طالب علم طول عمري وصرفت كل أوقاتي وخصوصاً زهره شبابي في الدرس والتدريس وخدمة الحوزة العلمية من أجل أن تبقى آثار خدماتي العلمية في تلامذتي أيها الطلبة الأعزاء إن لواء هداية الناس بأيديكم فلا تتوانوا عن طريق الهداية ولا تقوموا بأي عمل يؤذي صاحب العصر والزمان فإنه ناظر لأعمالنا ومحاسب عليها. أعزائي المؤمنين لا تنسوني من دعائكم كما كنت أدعولكم فإني أحد خدمة المذهب الحق الذين لم يسأموا يوماً من خدمة طريق أهل البيت (عليهم السلام) طلبا لرضا البارئ عز وجل . وأخيراً أكرر طلبي وتوصيتي لكم بالمحافظة على الشعائر الحسينية وتأييدها ضمن رجائي منكم الدعاء لي في مواطن الدعاء ومظان الإجابة.

و لا شك أن البكاء هو من أركان الشعائر الحسينية .. و لاحظوا كيف ربط سماحة المرجع قدس سره , حفظ المذهب بحفظ الشعائر الحسينية ...