إشكالات على رواية باب أبي بكر أو خوخته!!!

قاسم

New Member
18 أبريل 2010
245
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين...

تمهيد:
روى الشيخ الكليني رحمه الله عن: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام....
إلى أن قال الإمام الباقر عليه السلام: حتى كثر الغرباء ممن يدخل في الإسلام من أهل الحاجة بالمدينة، وضاق بهم المسجد، فأوحى الله عز وجل إلى نبيه صلى الله عليه وآله أن طهّر مسجدك وأخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل، ومُرْ بسد أبواب من كان له في مسجدك باب إلا باب علي عليه السلام ومسكن فاطمة عليهما السلام، ولا يمرنَّ فيه جنب ولا يرقد فيه غريب، قال: فأمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله بسد أبوابهم إلا باب علي عليه السلام وأقر مسكن فاطمة عليها السلام على حاله، قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرَ أن يتخذ للمسلمين سقيفة فعملت لهم وهي الصفة، ثم أمر الغرباء والمساكين أن يظلوا فيها نهارهم وليلهم، فنزلوها واجتمعوا فيها، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعاهدهم بالبر والتمر والشعير والزبيب... الحديث
الكافي ج 5 ص 339

وقال الشيخ الصدوق رحمه الله: حدثنا محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبى عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكى قال: حدثنا عبدالله بن أحمد عن سليمان بن حفص المروزى، عن عمرو بن ثابت، عن سعد بن طريف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لمّا سدَّ رسول الله صلى الله عليه وآله الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب علي ع، ضجَّ أصحابه من ذلك، فقالوا: يارسول الله لِمَ سددتَ أبوابنا وتركت باب هذا الغلام؟
فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرنى بسد أبوابكم وترك باب علي، فإنما أنا متبع لما يوحى إلي من ربي.
علل الشرائع ج 1 ص 201

وقال: حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي رحمه الله قال: حدثنا أحمد ابن موسى قال: حدثنا خلف بن سالم قال: حدثنا غندر قال: حدثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم قال: كان لنفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبواب شارعة في المسجد، فقال يوماً: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي، فتكلم في ذلك الناس، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وآله، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم! وإني واللهِ ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكني أمرت بشيءٍ فاتبعته.
الأمالي ص 413

تدل النصوص المتعددة -التي رواها الفريقان- على أن الأمر بسد الأبواب إلا باب علي عليه السلام قد صدر في أوائل الهجرة إلى المدينة، وعليه فإن هذه الخاصية التي امتاز بها أمير المؤمنين عليه السلام كانت بمرأى الصحابة لفترة طويلة امتدت لعشر سنوات تقريباً...

وليس من الغريب أن يختص الإمام علي عليه السلام بهذه الخاصية فهو أحد الخمسة الذين نزلت فيهم آية التطهير: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}...

ولكن في مقابل ما تقدم نجد أن هناك روايات أخرى -انفرد أهل السنة بروايتها- تذكر أن الباب المستتثى لم يكن باب أمير المؤمنين عليه السلام، وإنما كان باب أبي بكر!!!

وقد نصت هذه الروايات على أن ذلك صدر قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بثلاثة إلى خمسة أيام كما سيأتي...

ولأهل السنة تجاه ذلك موقفان: فمنهم من رد الروايات التي استثنت باب أمير المؤمنين عليه السلام، كابن الجوزي وابن تيمية، ومنهم -وهم الأكثرون- من أقر بصحة الروايات كالبزار والطحاوي وابن حجر العسقلاني والسيوطي وسعوا للجمع بينها بضرب من التأويل...

وسوف نضع هذه الروايات التي انفرد أهل السنة بروايتها في ميزان البحث العلمي، ونبين ما أورد عليها علمائنا رضوان الله عليهم من إشكالات، وبالله التوفيق...

الإشكال الأول: منزل أبي بكر يبعد عن المسجد بمقدار ميل:

1 – السُّنْح:
ثبت بما لا مجال للتشكيك فيه أن منزل أبي بكر كان في منطقة تعرف بـ (السُّنْح) وهي منطقة تبعد عن المسجد بمقدار ميل... قال الحموي عن السنح: وهى منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، وبينها وبين منزل النبي صلى الله عليه وسلم، ميل.
معجم البلدان ج 3 ص 265

وقال ابن حزم: بنو الحارث بن الخزرج بن حارثة: كان سكن بني الحارث بن الخزرج بالسنح، على ميل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم كان يسكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
جمهرة أنساب العرب

2 – أبو بكر نزل السنح منذ اليوم الأول:
استوطن أبو بكر (السنح) فور وصوله المدينة قادماً من مكة، قال ابن كثير: قال محمد بن إسحاق: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما يذكرون يعني حين نزل بقباء- على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف ثم أحد بني عبيد، ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة، ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن الهدم: إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن الهدم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة، وذلك أنه كان عزباً لا أهل له، وكان يقال لبيته بيت الأعزاب والله أعلم.
ونزل أبو بكر رضي الله عنه على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح، وقيل على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج.
قال ابن إسحاق: وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده، ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن الهدم.
فكان علي بن أبي طالب إنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين.
البداية والنهاية ج 3 ص 241

قال البخاري: حدثنا علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بنى الحرث بن خزرج، فوعكت فتمرق شعري فوفى جميمة فأتتني أمى أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي... الحديث
صحيح البخاري ج 4 ص 251

وقال أبو داود: حدثنا عبيدالله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا محمد يعنى ابن عمرو، عن يحيى يعنى ابن عبدالرحمن بن حاطب قال: قالت عائشة رضي الله عنها: فقدمنا المدينة، فنزلنا في بنى الحارث بن الخزرج، قالت: فو الله إني لعلى أرجوحة بين عذقين، فجاءتني أمي، فأنزلتنى ولي جميمة، وساق الحديث.
سنن أبي داود ج 2 ص 464

وقال الهيثمي: وعن ابن إسحاق قال: نزل أبو بكر على حبيب ويقال خبيب بن يساف أخى الحرث ابن الخزرج بالسنح، ويقال بل نزل على خارجة بن زيد بن أبى زهير أخي بنى الحرث بن الخزرج.
رواه الطبراني ورجاله ثقات.
مجمع الزوائد ج 6 ص 63

وقال ابن كثير: وبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة في شوال من هذه السنة، قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ... إلى أن قال ابن كثير: فعلى هذا يكون دخوله بها عليه السلام بعد الهجرة بسبعة أشهر -أو ثمانية أشهر- وقد حكى القولين ابن جرير، وقد تقدم في تزويجه عليه السلام بسودة كيفية تزويجه ودخوله بعائشة بعد ما قدموا المدينة، وأن دخوله بها كان بالسنح نهاراً، وهذا خلاف ما يعتاده الناس اليوم، وفي دخوله عليه السلام بها في شوال ردا لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين...
البداية والنهاية ج 3 ص 282

هذه النصوص ترويها ابنة أبي بكر عائشة وتقول فيها بكل صراحة ووضوح: فقدمنا المدينة، فنزلنا في بنى الحارث بن الخزرج...

3 – لم يزل بالسنح حتى قبض النبي صلى الله عليه وآله:
ومكث أبو بكر في منزله بالسنح حتى توفي النبي صلى الله عليه وآله، وبذلك نصت رواية رواها ابن سعد، قال: قال أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا إسماعيل بن عبدالله بن عطية بن عبدالله بن أنيس، عن أبيه قال: لما هاجر أبو بكر من مكة إلى المدينة نزل على حبيب بن يساف.
قال أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد قال: نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن ?أبي زهير.
قال أخبرنا محمد بن عمر، عن موسى بن يعقوب قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن أبي زهير وتزوج ابنته ولم يزل في بنت الحارث بن الخزرج بالسنح حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الطبقات الكبرى ج 3 ص 174

وقال ابن سعد أيضاً: ذكر بيعة أبي بكر رحمه الله:
قال أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبدالله بن أبي سبرة، عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال: سمعت سعيد بن المسيب قال:
وأخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبدالرحمن بن صبيحة التيمي، عن أبيه قال:
وأخبرنا عبدالرحمن بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال:
وأخبرنا محمد بن عبدالله، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قال:
وأخبرنا أبو قدامة عثمان بن محمد، عن أبي وجزة، عن أبيه قال:
وغير هؤلاء أيضا قد حدثني ببعضه فدخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا:
بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة فأقام هناك بالسنح بعدما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، فكان إذا حضر صلى بالناس وإذا لم يحضر صلى عمر بن الخطاب، وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح يصبغ رأسه ولحيته ثم يروح لقدر الجمعة فيجمع بالناس، وكان رجلاً تاجراً، فكان يغدو كل يوم السوق فيبيع ويبتاع...
الطبقات الكبرى ج 3 ص 185

وقال ابن جرير الطبري: وكان أبو بكر قبل أن يشتغل بأمور المسلمين تاجراً، وكان منزله بالسنح، ثم تحول إلى المدينة...
فحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال... إلى آخر ما تقدم...
تاريخ الطبري ج 2 ص 620

وقد صرحت الروايات الصحيحة بأن أبا بكر كان بالسنح حين قبض النبي صلى الله عليه وآله، قال الذهبي:
خلافة أبي بكر رضي الله عنه: قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وأبو بكر بالسنح، فقال عمر: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك... وساق الحديث ثم قال الذهبي: رواه سليمان بن بلال عنه، وهو صحيح السند.
تاريخ الإسلام ص 361

وقال ابن كثير: فلما انصرف أبو بكر رضي الله عنه من الصلاة دخل عليه، وقال لعائشة: ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجة -يعني إحدى زوجتيه وكانت ساكنة بالسنح شرقي المدينة- فركب على فرس له وذهب إلى منزله، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم وقيل عند زوال الشمس، والله أعلم.
فلما مات واختلف الصحابة فيما بينهم فمن قائل يقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قائل لم يمت، فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق إلى السنح، فأعلمه بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الصديق من منزله حين بلغه الخبر فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله، وكشف الغطاء عن وجهه وقبله، وتحقق أنه قد مات خرج إلى الناس فخطبهم إلى جانب المنبر، وبين لهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم...
البداية والنهاية ج 5 ص 265

وقال البخاري: حدثنا بشر بن محمد قال: أخبرنا عبدالله قال: أخبرني معمر ويونس، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته قالت: أقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله ثم بكى فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها... الحديث
صحيح البخاري ج 2 ص 70

4 – اعتراف بعض علماء أهل السنة بهذه الحقيقة:
وقد تنبه بعض علماء أهل السنة إلى هذا، فقاموا بحمل الباب أو الخوخة على المجاز، والمجاز هنا هو الخلافة!!!
قال القاري بشرح حديث: "لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" قال: "قال التوربشتي: وهذا الكلام كان في مرضه الذي توفي فيه في آخر خطبة خطبها، ولا خفاء بأن ذلك تعريض بأن أبا بكر هو المستخلَف بعده، وهذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة فكذلك لأن أصحاب المنازل اللاصقة بالمسجد قد جعلوا من بيوتهم مخترقاً يمرون فيه إلى المسجد أو كوة ينظرون إليها منه، وأمر بسد جملتها سوى خوخة أبي بكر تكريماً له بذلك أولاً، ثم تنبيهاً للناس في ضمن ذلك على أمر الخلافة حيث جعله مستحقاً لذلك دون الناس. وإن أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد باب المقالة دون التطرق إليها والتطلع عليها، والمجاز فيه أقوى، إذ لم يصح عندنا أن أبا بكر كان له منزل بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة.
خلاصة عبقات الأنوار للسيد حامد النقوي قدس سره ج 9 ص 231

وقال ابن حجر: وقوّى بعضهم ذلك بأن منزل أبي بكر كان بالسنح من عوالي المدينة كما سيأتي قريباً بعد باب، فلا يكون له خوخة إلى المسجد!!!
قال: وهذا الإستناد ضعيف لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار، وقد كان له إذ ذاك زوجة أخرى وهي أسماء بنت عميس بالاتفاق وأم رومان على القول بأنها كانت باقية يومئذ، وقد تعقب المحب الطبري كلام ابن حبان فقال: وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة أن دار أبي بكر التي أذن له في إبقاء الخوخة منها إلى المسجد كانت ملاصقة للمسجد، ولم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج إلى شيءٍ يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها، فاشترتها منه حفصة أم المؤمنين بأربعة آلاف درهم، فلم تزل بيدها إلى أن أرادوا توسيع المسجد في خلافة عثمان فطلبوها منها ليوسعوا بها المسجد فامتنعت وقالت كيف بطريقي إلى المسجد فقيل لها نعطيك داراً أوسع منها ونجعل لك طريقاً مثلها فسلمت ورضيت.
فتح الباري ج 7 ص 12

إذن، فابن حجر يقول بأن أبا بكر كان له منزل آخر بجوار المسجد، ويستند في ذلك على راوية ابن شبة، فلنقرأ رواية ابن شبة، قال: دور بني تيم: اتخذ أبو بكر رضي الله عنه داراً إلى زقاق البقيع، قبالة دار عثمان رضي الله عنه الصغرى.
واتخذ أبو بكر رضي الله عنه أيضاً منزلاً آخر عند المسجد، وهو المنزل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سدوا عني هذه الأبواب إلا ما كان من باب أبي بكر".
قال أبو غسان، أخبرني محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، أن عمه أخبره: أن الخوخة الشارعة في دار القضاء في غربي المسجد خوخة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سدوا عني هذه الأبواب إلا ما كان من خوخة أبي بكر الصديق".
واتخذ أبو بكر رضي الله عنه أيضاً بيتاً بالسنح من ناحية بني الحارث بن الخزرج، وهو في وسط بيوت بني الحارث، وهو المنزل الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضي الله عنه به.
تاريخ المدينة ج 1 ص 242

وهذه الرواية منقطعة، وقد جهدت لأتعرف على عم ابن أبي فديك فلم أصل إلى نتيجة، وكيف كان فإن وفاة ابن أبي فديك كانت سنة 200 هـ ومن المستبعد جداً أن يروي أصحاب هذه الطبقة عن صحابي دون واسطة، فتكون هذه الرواية منقطعة لعدم إدراك راويها للنبي صلى الله عليه وآله وهو يستثني خوخة أبي بكر!!!

والأقرب أن ما ذكره عم ابن أبي فديك هو مجرد حدس منه لتوجيه ذلك الحديث الموضوع!!!

يضاف إلى ذلك شذوذ هذه الرواية عن الروايات التي تنص على أن أبا بكر لم يزل بالسنح حتى توفي النبي صلى الله عليه وآله، ثم تحول إلى المدينة، ولا شك أن تلك الروايات هي الأقوى لأنها مسندة ومتعددة...

الخلاصة:

وبعد، فإن أول إشكال يرد على رواية باب أبي بكر أو خوخته، هو عدم ثبوت وجود منزل له بالقرب من المسجد، وإنما الثابت هو أنه كان يسكن في منزل بالسنح على بُعد ميل من المسجد، وقد ظلَّ على ذلك منذ أن قدم المدينة واستمر إلى ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بستة أشهر كما تقدم، وقد رأيت رواية تنص على أنه بنى بيت المال –بعد أن استولى على الخلافة- في السنح!!!
قال السيوطي: أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي خيثمة وغيره: أن أبا بكر كان له بيت مال بالسنح ليس يحرسه أحد، فقيل له ألا تجعل عليه من يحرسه؟ قال: عليه قفل. فكان يعطى ما فيه حتى يفرغ، فلما انتقل إلى المدينة حوله فجعله في داره فقدم عليه مال فكان يقسمه على فقراء الناس فيسوى بين الناس في القسم وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيجعله في سبيل الله، واشترى قطائف أتى بها من البادية ففرقها في أرامل المدينة، فلما توفي أبو بكر ودفن دعا عمر الأمناء ودخل بهم في بيت مال أبي بكر منهم عبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه شيئاً ولا ديناراً ولا درهماً.
قال السيوطي: قلت: وبهذا الأثر يرد قول العسكري في الأوائل: إن أول من اتخذ بيت المال عمر وإنه لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بيت مال ولا لأبي بكر رضي الله عنه، وقد رددته عليه في كتابي الذي صنفته في الأوائل، ثم رأيت العسكري تنبه له في موضع آخر من كتابه فقال: إن أول من ولي بيت المال أبو عبيدة بن الجراح لأبي بكر.
تاريخ الخلفاء

فيحق لنا أن نطالب من يرى صحة تلك الرواية أن يثبت لنا أنه كان لأبي بكر منزل آخر بجوار المسجد، غير منزله الذي بالسنح...

يتبع الإشكال الثاني..


الإشكال الثاني: ثبوت التعارض بين الروايات:

روى البخاري بإسناده عن أبي سعيد الخدري من حديث قال: لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر.
صحيح البخاري ج 1 ص 120

وفي رواية أخرى: لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر.
صحيح البخاري ج 4 ص 254

وروى ابن أبي عاصم بإسناده عن عتبة بن غزوان قال:
ألا سدوا عني هذه الأبواب إلا باب أبي بكر.
وبإسناده عن عائشة قالت: آخر خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس سدوا الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب أبي بكر
... الحديث
كتاب السنة ص 565

وروى أبو يعلى بإسناده عن عائشة: انظروا هذه الأبواب اللاصقة في المسجد فسدوها إلا ما كان من بيت أبي بكر...
مسند أبي يعلى الموصلي ج 8 ص 58

فهذه الروايات تدل على وجود أبواب كانت مفتوحة إلى المسجد، وإلا فأيُ معنى للأمر بسد أبواب هي مسدودة!!!

وهذا يقتضي ثبوت التعارض بين الروايات، ولا ريب أن روايات سد الأبواب إلا باب علي عليه السلام هي الأكثر والأقوى من حيث تعدد طرقها ووثاقة رواتها، وهي الروايات التي اتفق الفريقان على صحتها...

أما الروايات الأخرى ففي أسانيدها كلام سيأتي إن شاء الله تعالى، ونكتفي هنا بنقل كلام ابن حجر في تصحيح روايات سد الأبواب إلا باب علي عليه السلام، فقد أغنانا عن مؤونة ذلك، لا سيما وقد أطلقوا عليه لقب الحافظ، ولقب أمير المؤمنين في الحديث!!! قال ابن حجر العسقلاني:

تنبيه: جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب، منها:
* حديث سعد بن أبي وقاص قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي.
أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي.

* وفي رواية للطبراني في الأوسط رجالها ثقات من الزيادة فقالوا: يا رسول الله سددت أبوابنا؟!
فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدها.

* وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي، فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيءٍ فاتبعته.
أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات.

* وعن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسُدت إلا باب علي.
وفي رواية: وأمر بسد الأبواب غير باب علي، فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره.
أخرجهما أحمد والنسائي ورجالهما ثقات.

* وعن جابر بن سمرة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي، فربما مر فيه وهو جنب.
أخرجه الطبراني.

* وعن ابن عمر قال: كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر، ولقد أعطى علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم: زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر.
أخرجه أحمد وإسناده حسن.

* وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار –بمهملات- قال: فقلت لابن عمر: أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث وفيه: وأما علي فلا تسأل عنه أحداً وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه.
ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء وقد وثقه يحيى بن معين وغيره.

قال ابن حجر: وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، وكلُ طريقٍ منها صالح للاحتجاج، فضلاً عن مجموعها. وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات!!! أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصراً على بعض طرقه عنهم! وأعلهُ ببعض من تُكلم فيه من رواته!!!
وليس ذلك بقادح لما ذكرتُ من كثرة الطرق، وأعلهُ أيضاً بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر، وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر! انتهى.

قال ابن حجر: وأخطأ في ذلك خطأً شنيعاً!!!فإنه سَلَكَ في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة، مع أن الجمع بين القصتين ممكن، وقد أشارَ إلى ذلك البزار في مسنده فقال: وَرَدَ من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي، وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر، فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري يعني الذي أخرجه الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحلُ لأحدٍ أن يطرق هذا المسجد جنباً غيري وغيرك.
والمعنى: أن باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره، فلذلك لم يُؤمر بسده، ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق المطلب بن عبدالله بن حنطب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحدٍ أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب، لأن بيته كان في المسجد، ومحصل الجمع: أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين: ففي الأولى استثنى علي لما ذكره، وفي الأخرى استثنى أبو بكر.
ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يُحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه، وكأنهم لمّا أُمِرو بسد الأبواب سدوها، وأحدثوا خوخاً يستقربون الدخول إلى المسجد منها، فأمروا بعد ذلك بسدها... فهذه طريقةٌ لا بأسَ بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار وهو في أوائل الثلث الثالث منه، وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار، وصرّحَ بأن بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد، وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد والله أعلم.

فتح الباري ج 7 ص 12

وقال ابن حجر أيضاً في كتابه الذي نافح به عن مسند أحمد وبيّن فيه خلوه من الأحاديث الموضوعة على اعتبار عدم جواز رواية الحديث الموضوع إلا مع بيان أنه موضوع، قال بعد أن أورد روايات سد الأبواب إلا باب علي عليه السلام:
قول ابن الجوزي إنه باطل وإنه موضوع!!! دعوى لم يستدل عليها إلا بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين، وهذا إقدامٌ على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم، ولا ينبغي الإقدام على الحكم بالوضع إلا عند عدم إمكان الجمع، ولا يلزم من تعذر الجمع في الحال أن لا يمكن بعد ذلك إذ فوق كل ذي علم عليم، وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم على الحديث بالبطلان بل يتوقف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهره له، وهذا الحديث من هذا الباب، هو حديث مشهور له طرق متعددة كل طريق منها على إنفرادها لا تقصر عن رتبة الحسن، ومجموعها مما يقطع بصحته على طريقة كثير من أهل الحديث، وأما كونه معارضاً لما في الصحيحين فغير مسلم، ليس بينهما معارضة.
القول المسدد في مسند أحمد ص 16

ونقول لابن حجر الذي نطق بالحق حين صحح روايات استثناء باب أمير المؤمنين عليه السلام: إن الجمع بين هذه الروايات وبين الروايات الأخرى ممتنع، لأن صحة الروايات الأولى وقد صدرت منذ أوئل الهجرة، يقتضي عدم وجود أبواب شارعة إلى المسجد، وسواءاً أطلقت عليها أبواب أو خوخ، فلا فرق طالما أن الغرض من استحداثها العبور إلى المسجد، فإن العبور إلى المسجد سواءاً من خلال باب أو خوخة أو نافذة أو أي شيءٍ آخر هو ممنوع إلا لمن استثناه النبي صلى الله عليه وآله وهو علي عليه السلام...

هذا وقد أورد ابن كثير توجيهاً لذلك ننقله ثم نعقب عليه، قال بعد أن أورد روايات استثناء باب الأمير عليه السلام: وهذا لا ينافي ما ثبت في صحيح البخاري من أمره عليه السلام في مرض الموت بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب أبي بكر الصديق، لأن نفي هذا في حق علي كان في حال حياته، لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها، فجعل هذا رفقاً بها، وأما بعد وفاته فزالت هذه العلة فاحتيج إلى فتح باب الصديق، لأجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالناس، إذ كان الخليفة عليهم بعد موته عليه السلام وفيه إشارة إلى خلافته.
البداية والنهاية ج 7 ص 379

فنقول لابن كثير: إن الأمر بسد الأبواب إلا باب علي عليه السلام كان عن أمرٍ إلهي له علل وحِكَم، وليس هو مجرد تصرف شخصي من النبي صلى الله عليه وآله!!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين...

الإشكال الثالث: علل الأسانيد:


قمتُ بجمع كل طرق حديث باب أبي بكر أو خوخته، وأرجو أن لا يكون قد فاتني منها شيء، ومن قرأ هذا البحث وعرف طريقاً لم أذكره، فالمرجو منه أن يخبرني به وسأكون له من الشاكرين...

وجميع طرق الحديث تنتهي إلى سبعة لا ثامن لهم، نذكرها، ثم نبين عللها، وبالله التوفيق:


* * * * *


أولا: أبو سعيد الخدري:
1 - مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبداللّه بن معْمَر، عن عُبَيد يعني ابن حنين، عن أبي سعيد الخُدري...
موطأ مالك

2 – أحمد بن حنبل: أخبرنا عبدالملك بن عبدالحميد قال: أنا القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري...
فضائل الصحابة ص 3

3 – البخاري: حدثنا إسمعيل بن عبدالله قال: حدثني مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله، عن عبيد يعنى ابن حنين، عن أبي سعيد الخدري...
صحيح البخاري ج 4 ص 253

4 – مسلم: حدثنا عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد...
صحيح مسلم ج 7 ص 108

5 – الترمذي: حدثنا أحمد بن الحسن، أخبرنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك بن أنس، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري...
سنن الترمذي ج 5 ص 269

6 - النسائي: أخبرنا عبدالملك بن عبدالحميد الميموني قال: أنا القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري...
السنن الكبرى ج 5 ص 35

7 – ابن حِبان: أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، حدثنا علي بن المديني، حدثنا معن بن عيسى، حدثنا مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري...
صحيح ابن حبان ج 15 ص 276

8 – ابن جرير الطبري: حدثني أحمد بن عبدالرحمن بن وهب قال: حدثني عمى عبدالله بن وهب قال: حدثنا مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري...
تاريخ الطبري ج 2 ص 435

9 – أحمد بن حنبل: ثنا أبو عامر، ثنا فليح، عن سالم أبى النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد...
مسند أحمد ج 3 ص 18

10 – البخاري: حدثنى عبدالله بن محمد، حدثني أبو عامر، حدثنا فليح قال: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري...
صحيح البخاري ج 4 ص 190

11 – البخاري: حدثنا محمد بن سنان قال: حدثنا فليح قال: حدثنا أبو النضر، عن عبيدالله بن حنين، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري...
صحيح البخاري ج 1 ص 119

12 – مسلم: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا فليح بن سليمان، عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري...
صحيح مسلم ج 7 ص 108

13 – ابن أبي شيبة الكوفي: حدثنا يونس بن محمد قال: ثنا فليح بن سليمان، عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري...
المصنف ج 7 ص 471

14 – ابن حِبان: أخبرنا أبو خليفة، حدثنا علي بن المديني، حدثنا أبو داود، حدثنا فليح بن سليمان، حدثنا سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد وعبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري...
صحيح ابن حبان ج 14 ص 558

15 – ابن سعد: أخبرنا يحيى بن عباد وسعيد بن منصور ويونس بن محمد المؤدب قالوا: أخبرنا فليح بن سليمان، حدثني أبو النضر سالم، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري...
الطبقات الكبرى ج 2 ص 227

التعليق:
من يقرأ هذه الطرق يرى أن القاسم المشترك فيها هو أبو النضر سالم بن أبي أمية، فإن اسمه ورد في كل الطرق، ثم إنه لا يروي عنه سوى اثنان لا ثالث لهما، وهما مالك بن أنس، وفليح بن سليمان، وتكمن علل هذه الطرق في هؤلاء الثلاثة، وإلى التفصيل:

سالم أبو النضر:
هذه الأسانيد فيها اضطراب كبير، فأبو النضر سالم بن أبي أمية يروي الحديث بأربع صور:
الصورة الأولى:
عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري... الروايات من 1 إلى 8

الصورة الثانية:
عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري... الروايات 9 و 10

الصورة الثالثة:
عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري... الرواية 11

الصورة الرابعة:
عن عبيد بن حنين، وبسر بن سعيد جميعاً، عن أبي سعيد الخدري... الروايات 12 إلى 15

وقد تحدّث ابن حجر عن هذا الاضطراب، فقال: قوله: "عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد" هكذا في أكثر الروايات، وسقط في رواية الأصيلي عن أبي زيد ذكر "بسر بن سعيد" مضار عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد وهو صحيح في نفس الأمر، لكن محمد بن سنان إنما حدث به كالذي وقع في باقي الروايات، فقد نقل ابن السكن عن الفربري عن البخاري أنه قال: هكذا حدث به محمد بن سنان وهو خطأ، وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد يعني بواو العطف، فعلى هذا يكون أبو النضر سمعه من شيخين حدثه كل منهما به عن أبي سعيد، وقد رواه مسلم كذلك عن سعيد بن منصور عن فليح عن أبي النضر عن عبيد وبسر جميعاً عن أبي سعيد، وتابعه يونس بن محمد عن فليح أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عنه، ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر وحده، أخرجه المصنف في مناقب أبي بكر فكأن فليحاً كان يجمعهما مرة ويقتصر مرة على أحدهما، وقد رواه مالك عن أبي النضر عن عبيد وحده عن أبي سعيد، أخرجه المصنف أيضاً في الهجرة وهذا مما يقوّي أن الحديث عند أبي النضر عن شيخين، ولم يبق إلا أن محمد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفة، مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به، ويؤيد هذا الاحتمال أن المعافى بن سليمان الحراني رواه عن فليح كرواية محمد بن سنان، وقد نبّه المصنف على أن حذف الواو خطأ، فلم يبق للاعتراض عليه سبيل، قال الدارقطني: رواية من رواه عن أبي النضر عن عبيد عن بسر غير محفوظة.
فتح الباري ج 1 ص 464

إن اضطراب أبي النضر يورّث لدينا الشك والارتياب في صحة اتصال الرواية، فمن الذي يضمن أنه لم يُسقط أحد الرواة من السند، لا سيما وقد نصت كتب الرجال على أن كان ممن يرسل...

قال ابن حجر: سالم بن أبي أمية أبو النضر مولى عمر بن عبيدالله التيمي المدني: ثقة ثبت، وكان يرسل، من الخامسة، مات سنة تسع وعشرين ع.
تقريب التهذيب ج 1 ص 334

وقال أيضاً: وروايته عن عوف بن مالك عندي مرسلة.
تهذيب التهذيب ج 3 ص 373

وهذه بعض النماذج الأخرى من اضطراب أسانيده وإسقاطه لبعض الرواة:
قال الدارقطني، وقد سئل عن حديث فقال: يرويه سالم أبو النضر، واختلف عنه:
فرواه محمد بن إسحاق: عن سالم، حدثني أعرابي، عن طلحة.
وقال مؤمل: عن حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن سالم المكي، عن أبيه، عن طلحة.
وقال موسى بن إسماعيل: عن حماد، عن ابن إسحاق، عن سالم، عن رجل، عن أبيه، عن طلحة.
وكذلك قال إبراهيم عن ابن إسحاق.
ورواه عمرو بن الحارث وابن لهيعة: عن سالم أبي النضر، عن رجل من بني تميم، عن أبيه، عن طلحة.
وهو الصواب.
وقيل عن مفضل عن عياش، عن عباس القتباني، عن أبي النضر، عن نوفل بن مساحق، عن أبيه، عن طلحة.
علل الدارقطني ج 4 ص 218

وقال الدارقطني أيضاً وقد سئل عن حديث: هو حديث رواه سالم أبو النضر، عن أبي سلمة، واختلف عنه:
فرواه أبو أيوب الافريقي وابن لهيعة: عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، وأسنده عن عمر، وسعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو القاسم بن منيع، حدثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا أبو يوسف القاضي، عن عبدالله بن علي، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، عن عمر وسعد قالا: رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين.
ورواه عمرو بن الحارث: عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، عن سعد وحده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وان ابن عمر سأل أباه فقال: إذا حدثك سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره.
ورواه موسى بن عقبة واختلف عنه:
فقال عبدالعزيز بن المختار، وعبدالعزيز بن أبي حازم، عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
واختلف عن ابن أبي حازم فقال سهل بن صقير: عنه، عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، عن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قال ابن لهيعة: عن أبي النضر.
وقال وهيب وفضيل بن سليمان وإسماعيل بن جعفر والداروردي: عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن سعد. ولم يذكروا ابن عمر.
وقال الحماني: عن الدراوردي، عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن بسر بن سعيد.
ووهم في ذكر بسر بن سعيد.
وقال كديم بن موسى: عن فضي بن سليمان، عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر، عن عامر بن سعد، عن أبيه.
ووهم في ذكر عامر بن سعد.
والصواب من ذلك قول عمرو بن الحارث ومن تابعه عن أبي النضر.
علل الدارقطني ج 4 ص 307

مالك بن أنس (توفي سنة 197هـ) :
وهو يُذكر في عداد المدلسين، وقد عنعن في كل الروايات المتقدمة، قال ابن حجر العسقلاني
في طبقات المدلسين: مالك بن أنس الإمام المشهور: يلزم من جعل التسوية تدليساً أن يذكره فيهم لأنه كان يروى عن ثور بن زيد حديث عكرمة عن ابن عباس، وكان يحذف عكرمة، وقع ذلك في غير ما حديث في الموطأ يقول: عن ثور عن ابن عباس، ولا يذكر عكرمة!!!
وكذا كان يُسقط عاصم بن عبدالله من إسناد آخر، ذكر الدارقطني، وأنكر ابن عبدالبر أن يكون تدليساً.

طبقات المدلسين ص 23

وقال الدارقطني وقد سئل عن حديث عثمان عن عمر ضع خدي بالأرض ويل لي إن لم يغفر الله لي فقال:
هو حديث يرويه عاصم بن عبيدالله بن عاصم، عن عبدالرحمن بن أبن بن عثمان، عن أبيه، عن عثمان: أنا آخر الناس عهداً بعمر قال: حدث به حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن عاصم بن عبيدالله كذلك.
وخالفه مالك بن أنس! فرواه عن يحيى بن سعيد، عن عبدالرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه، عن عثمان... ولم يذكر بينهما عاصم بن عبيدالله!
وقيل عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن حمران بن أبان، عن عثمان... قاله أبو خليفة عن القعنبي ووهم فيه أبو خليفة.
ورواه الثوري عن عاصم بن عبيدالله، عن أبان بن عثمان، عن عثمان، عن عمر... ولم يذكر فيه عبدالرحمن بن أبان.
وهذا الاضطراب فيه من عاصم بن عبيدالله، ووهم مالك في قوله عن يحيى عن يحيى عن عبدالرحمن بن أبان... أو تعمد إسقاط عاصم بن عبيدالله فإن له عادة بهذا أن يُسقط اسم الضعيف عنده في الإسناد مثل عكرمة ونحوه!!!
وقال شعبة عن عاصم بن عبيدالله، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر. والقول قول حماد بن زيد.
علل الدارقطني ج 2 ص 8

إذن اتضح أن مالك بن أنس له عادة –كما يعبر الدارقطني- بأن يحذف الضعفاء من الأسانيد، حتى يُخفي العيب الموجود فيه، كأن يحذف عكرمة مثلاً، وسيأتي رأي مالك في عكرمة إن شاء الله تعالى، وهذا هو التدليس...

وبعد، فقد سقط الاحتجاج برواية مالك عن أبي النضر، بسبب عنعنته وهو مدلس...

فليح بن سليمان (توفي سنة 168 هـ) :
وهو ضعيف جداً، قال الذهبي:
قال ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ليس بالقوي.
وقال أبو حاتم: سمعت معاوية بن صالح، سمعت يحيى بن معين يقول: فليح بن سليمان ليس بثقة ولا ابنه. ثم قال أبو حاتم: كان ابن معين يحمل على محمد بن فليح.
وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى: ضعيف، ما أقربه من أبي أويس.
وروى عباس، عن يحيى: لا يحتج به.
وقال عبدالله بن أحمد: سمعت ابن معين يقول: ثلاثة يتقى حديثهم: محمد بن طلحة بن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان.
قلت له: ممن سمعت هذا؟ قال: من مظفر بن مدرك، وكنت آخذ عنه هذا الشأن.
قلت: مظفر هو أبو كامل، من حفاظ بغداد، من طبقة عفان.
وقال الساجي: يهم وإن كان من أهل الصدق، وأصعب ما رمى به ما ذكر عن ابن معين، عن أبي كامل، قال: كنا نتهمه، لأنه كان يتناول من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو داود: لا يحتج بفليح.
وقال الدارقطني: يختلفون فيه، ولا بأس به.

ميزان الاعتدال ج 3 ص 365

وقال ابن حجر:
وقال الآجري: قلت لأبي داود: أبلغك أن يحيى بن سعيد كان يقشعر من أحاديث فليح؟
قال بلغني عن يحيى بن معين.
قال كان أبو كامل مظفر بن مدرك يتكلم في فليح، قال أبو كامل كانوا يرون أنه يتناول رجال الزهري، قال أبو داود وهذا خطأ عندي يتناول رجال مالك.
وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالمتين عندهم.
وقال ابن أبي شيبة قال علي بن المديني: كان فليح وأخوه عبدالحميد ضعيفين.
وقال البرقي عن ابن معين: ضعيف وهم يكتبون حديثه ويشتهونه.

تهذيب التهذيب ج 8 ص 273

وقال ابن حجر أيضاً: صدوق كثير الخطأ من السابعة.
تقريب التهذيب ج 2 ص 16

الخلاصة:
اتضح مما تقدم أن هذه الرواية لا يرويها عن أبي النضر سوى اثنان، أحدهما ضعيف جداً، والآخر مدّلس، ومن المحتمل جداً أن يكون المدّلس قد رواها عن ذلك الضعيف بعينه!!! والله أعلم.


* * * * *


ثانياً: عبدالله بن عباس:
1 – أحمد بن حنبل: ثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا جرير، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس...
مسند أحمد ج 1 ص 270

2 – البخاري: حدثنا عبدالله بن محمد الجعفي قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس...
صحيح البخاري ج 1 ص 120

3 – ابن أبي عاصم: ثنا المقدمي، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس...
كتاب السنة ص 613

4 – النسائي: أنا عمرو بن علي قال: أنا وهب بن جرير قال: أنا أبي، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس...
السنن الكبرى ج 5 ص 35

5 – ابو يعلى الموصلي: حدثنا زهير، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي قال: سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس...
مسند أبي يعلى الموصلي ج 4 ص 457

6 – ابن حبان: أخبرنا أبو يعلى، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي قال: سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس...
صحيح ابن حبان ج 15 ص 275

7 – الطبراني: حدثنا الهيثم بن خالد المصيصي، ثنا داود بن منصور القاضي، ثنا جرير بن حازم، ح وحدثنا محمد بن هشام المستملي، ثنا علي بن المديني، ثنا وهب بن جرير بن حازم، ثنا أبي قال: سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس...
المعجم الكبير ج 11 ص 268

8 – ابن سعد: أخبرنا إسحاق بن عيسى، أخبرنا جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس...
الطبقات الكبرى ج 2 ص 227

التعليق:
لقد انفرد عكرمة برواية هذا الحديث عن ابن عباس، فلا يوجد أحد سمعه من ابن عباس سوى عكرمة!!!

وعكرمة متهم بالكذب، وسوء العقيدة حيث كان من الخوارج، قال الذهبي:
عكرمة، مولى ابن عباس، أحد أوعية العلم. تُكلم فيه لرأيه لا لحفظه فاتهم برأي الخوارج. وقد وثقه جماعة، واعتمده البخاري وأما مسلم فتجنبه، وروى له قليلاً مقروناً بغيره، وأعرض عنه مالك وتحايده إلا في حديث أو حديثين.
عفان، حدثنا وهيب، قال: شهدت يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب، فذكرا عكرمة، فقال يحيى: كذاب.
وقال أيوب: لم يكن بكذاب.
جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالله بن الحارث، قال: دخلت على على بن عبدالله فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش، فقلت له: ألا تتقى الله!
فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي.
ويروى عن ابن المسيب أنه كذّب عكرمة [و] الخصيب بن ناصح، حدثنا خالد بن خداش، شهدت حماد بن زيد في آخر يوم مات فيه، فقال: أحدثكم بحديث لم أحدّث به قط، لأنى أكره أن ألقى الله، ولم أحدث به.
سمعت أيوب يحدث عن عكرمة، قال: إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به.
قال الذهبي: قلت: ما أسوأها عبارة، بل أخبثها، بل أنزله ليهدى به وليضل به الفاسقين.
فطر بن خليفة، قلت لعطاء: إن عكرمة يقول: قال ابن عباس: سبق الكتاب الخفين، فقال: كَذَبَ عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: لا بأس بمسح الخفين، وإن دخلت الغائط.
قال عطاء: والله إن كان بعضهم ليرى أن المسح على القدمين يجزى.
إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، قال: لو أن عبد ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا.
مسلم بن إبراهيم، حدثنا الصلت أبو شعيب، قال: سألت محمد بن سيرين عن عكرمة، فقال: ما يسوءني أن يكون من أهل الجنة، ولكنه كذاب.
ابن عيينة، عن أيوب، أتينا عكرمة فحدث فقال الحسن: حسبكم مثل هذا.
إبراهيم بن المنذر، حدثنا هشام بن عبدالله المخزومى، سمعت ابن أبي ذئب يقول: رأيت عكرمة، وكان غير ثقة.
قال محمد بن سعد: كان عكرمة كثير العلم والحديث بحراً من البحور، وليس يُحتَجُ بحديثه، ويتكلم الناس فيه.
وقال مطرف بن عبدالله: سمعت مالكاً يكره أن يذكر عكرمة، ولا رأى أن يروى عنه.
قال أحمد بن حنبل: ما علمت أن مالكا حدث بشيءٍ لعكرمة إلا في الرجل يطأ امرأته قبل الزيارة.
رواه عن ثور، عن عكرمة أحمد بن أبي خيثمة، قال: رأيت في كتاب على بن المديني، سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدثوني والله عن أيوب أنه ذكر له عكرمة لا يحسن الصلاة، فقال أيوب: وكان يصلى!
الفضل السينانى عن رجل، قال: رأيت عكرمة قد أقيم قائماً في لعب النرد.
يزيد بن هارون، قدم عكرمة البصرة، فأتاه أيوب ويونس وسليمان التيمى، فسمع صوت غناء، فقال: اسكتوا، ثم قال: قاتله الله، لقد أجاد.
فأما يونس وسليمان فما عادا إليه.
عمرو بن خالد بمصر، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي، عن خالد بن أبي عمران، قال: كنا بالمغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم، فقال: وددت أن بيدى حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً.
ابن المدينى، عن يعقوب الحضرمي، عن جده، قال: وقف عكرمة على باب المسجد، فقال: ما فيه إلا كافر.
قال: وكان يرى رأى الإباضية.
يحيى بن بكير، قال: قدم عكرمة مصر، وهو يريد المغرب، قال: فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا.
قال ابن المدينى: كان يرى رأى نجدة الحروري.
وقال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج.
قال: وادعى على ابن عباس أنه كان يرى رأى الخوارج.
خالد بن نزار، حدثنا عمر بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح: أن عكرمة كان إباضياً.
أبو طالب، سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان عكرمة من أعلم الناس، ولكنه كان يرى رأي الصفرية، ولم يدع موضعاً إلا خرج إليه: خراسان، والشام، واليمن، ومصر، وإفريقية، كان يأتي الأمراء فيطلب جوائزهم، وأتى الجند إلى طاوس، فأعطاه ناقة.
وقال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، فطلبه متولى المدينة، فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.
وروى سليمان بن معبد السنجى، قال: مات عكرمة وكثير عزة في يوم، فشهد الناس جنازة كثير، وتركوا جنازة عكرمة.
وقال عبدالعزيز الدراوردى: مات عكرمة وكثير عزة في يوم، فما شهدهما إلا سودان المدينة.
إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن أبيه، قال: أتى بجنازة عكرمة مولى ابن عباس وكثير عزة بعد العصر، فما علمت أن أحداً من أهل المسجد حل حبوته إليهما.

ميزان الاعتدال ج 3 ص 93

وحسبنا بهذا المقدار...


* * * * *


ثالثاً: عائشة بنت أبي بكر:
1 – الدارمي: أخبرنا فروة بن أبي المغراء، ثنا إبراهيم بن مختار، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب، عن عروة، عن عائشة...
سنن الدارمى ج 1 ص 38

2 – الترمذي: حدثنا محمد بن حميد، أخبرنا إبراهيم بن المختار، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة...
سنن الترمذي ج 5 ص 278

3 – ابن أبي عاصم: حدثنا المقدمي، ثنا عبدالله بن عرادة، حدثنا سليمان بن أبي داود الجزري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة...
كتاب السنة ص 565

4 – أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو معمر، حدثنا أبو سفيان المعمري، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة...
مسند أبي يعلى الموصلي ج 8 ص 137

5 – ابن حبان: أخبرنا محمد بن الحسين بن مكرم، حدثنا أبو معمر القطيعي، حدثنا أبو سفيان المعمري، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة...
صحيح ابن حبان ج 15 ص 272

6 – الطبراني: حدثنا أحمد قال: حدثنا إبراهيم بن راشد الآدمي قال: حدثنا معلى بن عبدالرحمن، عن عبدالحميد بن جعفر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة...
المعجم الأوسط ج 2 ص 129

التعليق:
لا يمكن لمنصف أن يقبل روايات عائشة خصوصاً تلك التي تمس بشكل مباشر أو غير مباشر بأمير المؤمنين علي عليه السلام، فهي تلك المرأة التي خاضت أول حرب بين فريقين من المسلمين وقد خرجت من بيتها التي أُمِرت بأن تقرَّ فيه بآية محكمة يتلوها المسلمون آناء الليل وأطراف النهار {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} سورة الأحزاب: 33 يضاف إلى ذلك التحذير الصادر من النبي صلى الله عليه وآله، قال الذهبي:
قال أحمد في مسنده: حدثنا يحيى القطان، عن إسماعيل، حدثنا قيس، قال:
لمّا أقبلتْ عائشة، فلمّا بلغتْ مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، فقالت: أيُ ماءٍ هذا؟
قالوا: ماء الحوأب.
قالت: ما أظنني إلا أنني راجعة.
قال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون، فيصلح الله ذات بينهم.
قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب!!!
قال الذهبي: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجوه.

سير أعلام النبلاء ج 2 ص 135

وقال الذهبي أيضاً:
إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، قال: قالت عائشة -وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها- فقالت: إني أحدثتُ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثاً، ادفنوني مع أزواجه.
فدفنت بالبقيع رضي الله عنها.
قال الذهبي: قلت: تعني بالحدث: مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة كلية، وتابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وجماعة من الكبار، رضي الله عن الجميع......

سير أعلام النبلاء ج 2 ص 135

وقد قُتِلَ بين يديها 10.000 نسمة، كما ذكر الطبري وهذا نص كلامه:
كان قتلى الجمل حول الجمل عشرة آلاف، نصفهم من أصحاب علي، ونصفهم من أصحاب عائشة.
تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 543

أضف إلى ذلك أن الراوي الوحيد عنها لهذه الرواية هو عروة بن الزبير، وهو ابن أختها وتلميذها الذي تربى على يديها، واختص بالتلقي منها، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى هو ابن الزبير الذي كان له الدور البارز في إخراج عائشة لحرب أمير المؤمنين عليه السلام، وقد قتل الزبير في معركة الجمل، قال الحاكم:
أخبرنا عبدالرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان، ثنا عثمان بن خرزاذ الانطاكي، ثنا ربيعة بن الحارث، حدثني محمد ابن سليمان العابد، ثنا اسمعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي للزبير أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار فقال لك رسول الله صلى الله عليه وآله أتحبه؟
فقلتَ: ما يمنعني؟!
قال: أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم.
قال فرجع الزبير.

أخبرني أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطرى ببغداد، ثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي، ثنا أبو عاصم، ثنا عبدالله بن محمد بن عبدالملك الرقاشى، عن جده عبدالملك، عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال: شهدت الزبير خرج يريد علياً فقال له علي: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تقاتله وأنت له ظالم؟
فقال: لم أذكر ثم مضى الزبير منصرفاً.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح عن أبي حرب بن أبي الأسود، فقد روى عنه يزيد بن صهيب الفقير وفضل بن فضالة في إسناد واحد.

المستدرك ج 3 ص 366

وقد كان عروة في ذلك الجيش الذي خرج لمحاربة أمير المؤمنين عليه السلام، لكنهم أرجعوه لصغر سنه، قال الذهبي: أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، قال: رددت أنا وأبو بكر بن عبدالرحمن يوم الجمل، استصغرنا.
قال يحيى بن معين: كان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنة.
سير أعلام النبلاء ج 4 ص 423

وروى ابن عساكر بإسناده عن علقمة بن وقاص الليثي قال لما خرج طلحة والزبير وعائشة لطلب دم عثمان عرضوا من معهم بذات عرق فاستصغر عروة بن الزبير فردوه.

وبإسناده عن عروة بن الزبير قال: عرض الزبير وطلحة الجيش بذات عرق فقال الزبير لخالد وعمرو ابني الزبير: ارجعا إلى أمكما.
قال فقال عبدالله بن الزبير: ترد ابني بنت خالد وتخرج بنا ابني بنت أبي بكر ثلاثة؟!
فقال: وأنتما فارجعا إلى أمكما.
قال: فرجعنا أربعة.
تاريخ مدينة دمشق ج 40 ص 247

وبدلاً من أن يعلن عروة توبته على ذلك الخروج وإن كان قد رجع، نراه يقول كما يروي عنه ولده عبدالله بن عروة قال: نظر أبي إلى رجله في الطست، فقال: إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم!!!
سير أعلام النبلاء ج 4 ص 431

ويبدو أنه كان يستحل قتال أمير المؤمنين عليه السلام...

وبعد، فهذه هي البيئة التي صدر عنها ذلك الحديث!!!


* * * * *


رابعاً: عتبة بن غزوان:
1 – ابن أبي عاصم: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبي، حدثنا عبدالله بن عبدالعزيز، عن محمد بن عبدالعزيز، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، عن عتبة بن غزوان...
كتاب السنة ص 565

التعليق:
وعلة هذا السند هو محمد بن عبدالعزيز، قال الذهبي:
محمد بن عبدالعزيز [خ] بن عمر الزهري: روى عن أبيه والزهري وغيرهما. وليّ القضاء أظن بالمدينة.
قال البخاري: محمد بن عبدالعزيز بن عمر بن عبدالرحمن بن عوف القاضي: منكر الحديث، ويقال بمشورته جُلد الإمام مالك.
وقال النسائي: متروك.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال أبو حاتم: هم ثلاثة إخوة: محمد، وعبدالله، وعمران: ليس لهم حديث مستقيم.
قلت: روى عنه ابنه إبراهيم، وعبدالصمد بن حسان، وهو مقل.

ميزان الاعتدال ج 3 ص 628

وقال ابن حبان: كان ممن يروى عن الثقات المعضلات، وإذا انفرد أتى بالطامات عن أقوام أثبات، حتى سقط الاحتجاج به، وهو الذي جُلد بمشورته مالك بن أنس.
كتاب المجروحين ج 2 ص 264


* * * * *

خامساً: معاوية بن أبي سفيان:
1 – الطبراني: حدثنا محمد بن نصر، ثنا هشام بن عمار، ثنا سعيد بن يحيى اللخمي، ثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن أيوب بن بشير قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان...
المعجم الأوسط ج 7 ص 115

التعليق:
ما ذكرناه عند حديثنا عن عائشة ينطبق هنا أيضاً، فهو خرج على أمير المؤمنين عليه السلام بصفين، وكانت خلاصة نتيجة الحرب ما ذكره الذهبي:
قُتِلَ بين الفريقين نحو من ستين ألفاً، وقيل: سبعون ألفاً، وقُتِلَ عمار مع علي، وتبين للناس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقتله الفئة الباغية".
سير أعلام النبلاء جزء 3 صفحة 119

وهو الذي أقام خطباء وظيفتهم الوقيعة في أمير المؤمنين عليه السلام!!!

قال أحمد بن حنبل:
ثنا على بن عاصم قال حصين أخبرنا عن هلال ابن يساف عن عبد الله بن ظالم المازنى قال:
لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة، قال: فأقام خطباء يقعون في علي!!! قال وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: فغضب فقام فأخذ بيدي فتبعته فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة فاشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم... الحديث

مسند احمد ج 1 ص 189

وقال مسلم:
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبدالعزيز (يعنى ابن أبي حازم) عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: ‏اسْتُعْمِلَ على المدينة رجل من آل مروان، قال: فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً!!!
قال: فأبى سهل، فقال له: أما إذ أبيت فقل: لعن الله أبا التراب!
فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دعى بها... الحديث

صحيح مسلم ج 7 ص 123


* * * * *


سادساً: بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله:
1 - ابن سعد: أخبرنا أحمد بن الحجاج الخراساني قال: أخبرنا عبدالله بن المبارك، عن يونس ومعمر، عن الزهري، أخبرني أيوب بن بشير الأنصاري، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم...
الطبقات الكبرى ج 2 ص 228

التعليق:
لم يسم الصحابي الذي روى عنه أيوب بن بشير، ويغلب على الظن أن المقصود هنا هو معاوية بشهادة رواية الطبراني السابقة، وهي عن الزهري، عن أيوب بن نشير، عن معاوية بن أبي سفيان!!!



* * * * *


سابعاً: أبو الحويرث:
1 - ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث...
الطبقات الكبرى ج 2 ص 228

هذه الرواية منقطعة، أبو الحويرث من الطبقة السادسة! قال ابن حجر: عبدالرحمن بن معاوية بن الحويرث بالتصغير الأنصاري الزرقي أبو الحويرث المدني مشهور بكنيته صدوق سيء الحفظ رمي بالإرجاء من السادسة مات سنة ثلاثين وقيل بعدها د ق.
تقريب التهذيب ج 1 ص 591





بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين...

بارك الله فيكم إخواني الأعزاء، لا حرمني الله من دعائكم...

استدراك:
بعد المراجعة عثرت على طريقين، وهما معلولان أيضاً، فنذكرهما بنفس التسلسل إكمالاً للموضوع:

ثامناً: أنس بن مالك:
1 - ابن عساكر: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن المزرفي، نا أبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي، أنا أبو القاسم عبيدالله بن أحمد بن علي الصيدلاني، نا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، حدثني محمد بن صالح، نا حرملة، نا أبو صالح، عن الليث، عن يحيى بن سعيد، عن أنس...
تاريخ مدينة دمشق ج 30 ص 249

2 – ابن عساكر: وأخبرناه أبو البركات عبدالوهاب بن المبارك، أنا عبدالعزيز بن علي بن أحمد السكري، أنا أبو طاهر المخلص، نا أحمد بن عبدالله بن سيف، نا فهد بن سليمان، نا أبو صالح كاتب الليث، نا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك...

3 – ابن عساكر: أخبرناه أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو الحسين بن النقور، أنا أبو طاهر المخلص، نا أحمد بن عبدالله بن سيف، نا فهد بن سليمان، نا أبو صالح كاتب الليث، نا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك...

التعليق:

قد ذكرت عند ترجمة الإمام مالك بن أنس أنه كان يدلس الأسانيد بأن يحذف الضعفاء، ليظهر إسناده وكأنه نظيف لا غبار عليه!!!

وأسانيد هذا الحديث عن أنس احتوت على تدليس أيضاً، لكنه تدليس عجيب جداً!!!
فإن المدلس هنا لم يحذف إسم أحد الضعفاء، ولكنه أضاف إسم أحد الرواة ليصبح الإسناد متصلاً، وهو منقطع!!!

فالذي يقرأ هذه الأسانيد يبدو له –كما هو واضح- أن يحيى بن سعيد
(وهو تابعي توفي سنة 134 هـ التقى بأنس بن مالك وحدث عنه، وقد وصفه ابن المديني والدارقطني بالتدليس!!! ذكر ذلك ابن حجر في طبقات المدلسين ص 27)
قد رواها عن الصحابي أنس بن مالك!!!
لكن الحقيقة غير ذلك تماماً!!!
صحيح أن يحيى بن سعيد روى جزء من الحديث، لكنه لم يسنده عن أنس، ولا غير أنس، وإنما كان يرويه منقطعاً...

نص على ذلك الخطيب البغدادي وابن الجوزي، وهذا هو كلام ابن الجوزي بحروفه، قال:
وقد روى بعض المحدلفين [المتحذلقين] في حديث أبى بكر زيادة ولا تصح:
أنبأنا محمد بن عبدالباقي البزار قال: أنبأنا أبو محمد الجوهري قال: أنبأنا عمر ابن أحمد الواعظ قال: حدثنا الحسن بن حبيب بن عبدالملك قال: حدثنا فهد بن سليمان قال: حدثنا عبدالله بن صالح قال: حدثنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال سدوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب أبى بكر، فقال الناس سدوا الأبواب كلها إلا باب خليله، فقال: إني رأيت على أبوابهم ظلمة ورأيت على باب أبى بكر نوراً فكانت الآخرة أعظم عليهم من الأولى".

قال ابن الجوزي: قال أبو بكر الخطيب:
هذا وهمٌ، لأن الليث كان يروي صدر هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منقطعاً، وكان يروى من قوله: "سدوا الأبواب كلها" إلى آخره عن معاوية بن صالح منقطعاً، وكان أيضا يرسل الحديثين.
قال المصنف: قلتُ: وعبدالله بن صالح هو كاتب الليث، وهو الذي قد خلط الكل، وهو مجروح، وكذلك معاوية بن صالح مجروح.

كتاب الموضوعات ج 1 ص 367

قال ابن حبان:
عبدالله بن صالح، كاتب الليث: منكر الحديث جداً، يروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات، وعنده المناكير الكثيرة عن أقوام مشاهير أئمة، وكان في نفسه صدوقاً يكتب لليث بن سعد الحساب وكان كاتبه على الغلات، إنما وقع المناكير في حديثة من قِبل جار له رجل سوء.
سمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار بينه وبينه عداوة، فكان يضع الحديث على شيخ عبدالله بن صالح ويكتب في قرطاس بخط يشبه خط عبدالله بن صالح ويطرح في داره في وسط كتبه، فيجده عبدالله فيحدث به فيتوهم أنه خطه وسماعه. فمن ناحيته وقع المناكير في أخباره.
سمعت عمر بن محمد يقول: سمعت محمد بن عيسى يقول: سمعت زياد بن أيوب يقول: نهاني أحمد بن حنبل -رحمه الله- أن أروي حديث عبدالله بن صالح.

كتاب المجروحين ج 2 ص 40


* * * * *



تاسعاً: أبو الأحوص حكيم بن عمير:
1 – ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم، أنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أنبأ أبو محمد بن أبي نصر، أنبأ أبو القاسم بن أبي العقب، أنا أبو عبدالملك أحمد بن إبراهيم البسري، نا محمد بن عايذ، نا الوليد، أخبرني أبو بكر بن عبدالله بن أبي مريم، عن أبي الأحوص حكيم بن عمير العبسي...
تاريخ مدينة دمشق ج 30 ص 256

التعليق:
هذه الرواية منقطعة، قال ابن حجر: حكيم بن عمير بن الأحوص أبو الأحوص الحمصي: صدوق يهم من الثالثة د ق.
تقريب التهذيب ج 1 ص 235

ثم إن الراوي عنه ضعيف، قال ابن حجر: أبو بكر بن عبدالله بن أبي مريم الغساني الشامي: ضعيف وكان قد سُرقَ بيته فاختلط من السابعة مات سنة ست وخمسين د ت ق.
تقريب التهذيب ج 2 ص 365



هذا كل ما عثرت عليه لحد الآن، بقي أن نذكر خلاصة البحث إن شاء الله تعالى..


خلاصة البحث:
اتضح من خلال البحث وجود الخلل في أسانيد ومتون تلك الأحاديث التي لا يشك -اليوم- في صحتها عوام أهل السنة، ثقة منهم بكتب علمائهم!!!

أما المتن فهو معلول بعدم صحة امتلاك أبي بكر لمنزل بالقرب من المسجد، بل الثابت أن منزله كان يبعد عن المسجد بمقدار ميل في السنح!!! ومعلول أيضاً بمعارضته للحديث المتواتر الذي يستثني باب الإمام علي عليه السلام...

وأما الأسانيد فهي معلولة بالتدليس وبالضعفاء وبمن لا ينبغي أن تقبل رواياتهم تلك لظهور عدائهم لأمير المؤمنين عليه السلام...

قد يقول قائل: لماذا تقلب تلك الأحاديث؟؟؟

وما هي المصلحة في وضع أحاديث ونسبتها للنبي صلى الله عليه وآله كذباً افتراءاً؟؟؟

وخير ما يجاب به على ذلك هو ما ذكره ابن الجوزي حيث قال:
باب في فضل أبى بكر الصديق رضي الله عنه:
قد تعصّبَ قومٌ لا خلاقَ لهم يدّعون التمسك بالسنة، فوضعوا لأبي بكر فضائل، وفيهم من قصدَ معارضة الرافضة بما وضعت لعلي عليه السلام، وكِلا الفريقين على الخطأ، وذانك السيدان غنيان بالفضائل الصحيحة الصريحة عن استعارة وتخرص.

الموضوعات ج 1 ص 303

بل إنه نص على أن هناك ممن يدعي السنة قد وضع في فضل معاوية أحاديث!!!

قال: باب في ذكر معاوية بن أبى سفيان: قد تعصب قوم ممن يدعى السنة فوضعوا في فضله أحاديث ليغضبوا الرافضة، وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمه أحاديث، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح.
الموضوعات ج 2 ص 15

ومن شك في صحة ذلك فليقرأ كتاب الموضوعات ليرى كمية الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر من طرق الكذابين، وقد حكم عليها ابن الجوزي وغيره بأنها موضوعة...

وقال ابن حجر:
وقد حكى القاضي عبدالله بن عيسى بن لهيعة عن شيخ من الخوارج أنه سمعه يقول بعد ما تاب: إن هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً!!!
حدّث بها عبدالرحمن بن مهدي الإمام عن ابن لهيعة، فهي من قديم حديثه الصحيح، أنبأ بذلك إبراهيم بن داود شفاهاً انا ابراهيم بن علي انا أبو الفرج بن الصقيل انا محمد بن محمد كتابة انا الحسن بن احمد انا أبو نعيم ثنا احمد بن اسحاق ثنا عبدالرحمن بن عمر ثنا ابن مهدي بها.
قال ابن حجر: قلت: وهذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمراسيل، إذ بدعة الخوارج كانت في صدر الإسلام والصحابة متوافرون، ثم في عصر التابعين فمن بعدهم، وهؤلاء كانوا إذا استحسنوا أمراً جعلوه حديثاً وأشاعوه، فربما سمعه الرجل السني فحدّث به ولم يذكر من حدّث به تحسيناً للظن به، فيحمله عنه غيره ويجئ الذى يحتج بالمقاطيع فيحتج به ويكون أصله ما ذكرت، فلا حول ولا قوة الا بالله.

لسان الميزان ج 1 ص 10

وفي ضوء كل ما تقدم، نعتقد اعتقاداً جازماً بأن حديث "سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر" ما هو إلا حديث موضوع، وبهذا ندين أمام الله سبحانه وتعالى...

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين...