الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ، كيف نقيم الصلاة..؟؟

18 أبريل 2010
131
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين

والصلاة على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين المعصومين


الأخوة الكرام جميعاً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

في البدأ، أبارك لمولانا صاحب الأمر عليه أفضل الصلاة والسلام [روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء] هذا العيد الكريم، وأبارك لكم أخوتي الأحبة ، وأسأل الله أن يكون عيداً لنا بحق، بفوزنا صيام وقيام الشهر الأعظم، شهر الله عز وجل، وأسأل الله عز وجل أن يكون عيدنا الأعظم بظهور الإمام صاحب العصر الزمان، فنكون ناصرين له تحت رايته العظمى..!!

يقول الله عز وجل يصف المؤمنين:

vb123
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون
vb123



الموضوع إن شاء الله سيتناول ما يلي:

• الخشوع

• ما معنى الخشوع..؟

• لماذا يجب إقامة الصلاة بخشوع..؟؟

والمسألة التي نريد جواباً لها:
• ما هي مشكلتنا، لماذا صلاتنا ليست كما يريد رب العالمين..؟؟

هل صلاتنا كصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله..؟؟
هل صلاتنا كصلاة أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام..؟؟
هل صلاتنا كصلاة أصحاب الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام ليلة العاشر..؟؟


لا، ليست كصلاتهم، أبداً..!!
• فلماذا..؟؟

• ما هو الطريق للوصول إلى ما وصلوا إليه..؟؟

• ما هو الطريق لمعرفة الله سبحانه وتعالى

• ما الفرق بين إقامة الصلاة والإتيان بالصلاة

• ماذا نعمل لنصل لمرتبة الخشوع..؟؟

• إختصار لكل الموضوع


نسألكم الدعاء وكل عام وأنتم بخير


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين

والصلاة على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين المعصومين



vb123
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون
vb123



من الأمور التي يجب حضورها ولزومها في جميع العبادات لاسيما الصلاة (التي هي عمود الدين) هو الخشوع..!!


¤ ما معنى الخشوع..؟ ¤


الخشوع هو الخضوع التام حباً أو خوفاً بإدراك عظمة الجلال والجمال وهيبتها..!!

يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في أدعية الصحيفة السجادية:
وهب له من خشوع التذلل وخضوع التبتل في رهبة الاخبات... والأخبات يعني الخشوع والتواضع.

وفي دعاء آخر:
واحملني على محجة الاخبات... ومحجة الأخبات: طريق الخشوع والتواضع.

وجاء في أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي ص 263 :
جاء في الحديث عن الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر عليهم السلام، أنه قال : " كان فيما أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام : يا موسى، كذب من زعم أنه يحبني، فإذا جنه الليل نام عني. يا ابن عمران، هذا بهذا. يا ابن عمران، لو رأيت الذين يصلون لي في الدياجي، وقد مثلت نفسي بين أعينهم، يخاطبوني وقد خليت عن المشاهدة، ويكلموني وقد عززت عن الحضور. يا ابن عمران، هب لي من عينك الدموع، ومن قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ثم ادعني في ظلم الليل تجدني قريبا مجيبا "

بما أن درجة عشق المحب مختلفة، فمن وصل لدرجة العشق فتوجه إلى جمال المحبوب تصعقهم العظمة المكنونة في سر الجمال، يقول أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام «هُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ نِقْمَتُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ اتَّسَعَتْ رَحْمَتُهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي شِدَّةِ نِقْمَتِهِ» فتغشاهم هيبة الجمال وعظمته ويأخذهم الخشوع في حيال جمال المحبوب.

الآداب المعنوية للصلاة للسيد روح الله الخميني قدس :
وهذه الحالة في أوائل الأمر توجب تزلزل القلب واضطرابه, وبعد التمكين تحصل للسالك حالة الأنس، وتتبدل حالة الوحشة والاضطراب المتولدة من العظمة والسطوة إلى الأنس والسكينة، وتجيئه حالة الطمأنينة, كما أنّ حالة قلب خليل الرحمن كانت كذلك.

فالخشوع يكون ممزوجاً تارةً بالحب وأخرى بالخوف والوحشة, وإن كان في كل حبّ وحشة, وفي كل خوف حبّ، ومراتب الخشوع على حسب مراتب إدراك العظمة والجلال والحسن والجمال, وحيث أن أمثالنا مع ما لنا من هذه الحالة من نور المشاهدات محرومون، فلا بد أن نكون بصدد تحصيل الخشوع من طريق العلم أو الإيمان. قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ | الَّذِينَ هُمْ فى صلاتهِمْ خَشِعُونَ}...(المؤمنون 1-2)، فجعل الخشوع في الصلاة من حدود الإيمان وعلائمه، فكلّ من لم يكن خاشعاً في الصلاة فهو خارج عن زمرة أهل الإيمان طبقاً لما قاله الذات المقدسة الحق تعالى شأنه. وقال الصادق عليه السلام: "إذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشّع والإقبال على صلاتك، فإنّ الله تعالى يقول {الَّذِينَ هُمْ فى صلاتهِمْ خَشِعُونَ}".

قال تعالى، بِسمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فى صلاتهِمْ خَشِعُونَ(2) وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضونَ(3) وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوةِ فَعِلُونَ(4) وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظونَ(5) إِلا عَلى أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَت أَيْمَنهُمْ فَإِنهُمْ غَيرُ مَلُومِينَ(6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِك فَأُولَئك هُمُ الْعَادُونَ(7) وَ الَّذِينَ هُمْ لأَمَنَتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رَعُونَ(8) وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صلَوَتهِمْ يحَافِظونَ(9) أُولَئك هُمُ الْوَرِثُونَ(10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْس هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(11)... سورة المؤمنون.

الآية الكريمة تخبر عن أول صفة من صفات المؤمنين وهي صفة الخشوع في الصلاة «الَّذِينَ هُمْ فى صلاتهِمْ خَشِعُونَ»، والخشوع كما تقدم صفة باطنية بالردجة الأولى تنعكس على الظاهر، ففي أخبار نبي الله موسى عليه السلام، يقول الله عز وجل له: (يا موسى، إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تبغض أعضاءك، وكن عند ذكري خاشعا مطمئنا. وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل، وناجني بقلب وَجِل ولسان صادق)، والظاهر الذي تخبر به الآية الكريمة في ذيل هذه الصفات العظمية هو «وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صلَوَتهِمْ يحَافِظونَ».


¤ لماذا يجب إقامة الصلاة بخشوع..؟؟ ¤




¤ لماذا يجب إقامة الصلاة بخشوع..؟؟ ¤


دعنا ننطلق للإجابة عن هذا التساؤل من خلال كلمات سيد المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حيث يقول:

«كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلَاتِكَ»


مقولة في غاية الدقة والروعة والبلاغة، تعني بأننا إذا أقمن الصلاة بأركانها (باطناً وظاهراً) ترتفع للباري تعالى بلا ريب، وإذا إرتفعت فما هي إلا علامة قبول الأعمال، فأي عملٍ نقوم به فهو مقبول عند الله جَلَّ وَعَلَى لقبول الصلاة، كماء جاء في الحديث (إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها)، يقول الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله (فردوس الأخبار 2 : 563 / 3611) : الصلاة عماد الدين، فمن ترك صلاته متعمدا فقد هدم دينه، ومن ترك أوقاتها يدخل الويل، والويل واد في جهنم كما قال الله تعالى : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ | الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}...(الماعون 4 - 5)، وطبعا لا يفوتكم قول الباري تعالى في هذا المقام {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} (45) سورة العنكبوت، فالصلاة التامة بالخاشعة عصمة لنا من الوقوع في المحرمات بالإطلاق..!!


¤ لماذا لا نعطي صلاتنا حقها..؟؟ فهل يجيءُ المرأ إلا بالترهيب..!! ¤


(الغايات : 86، والكبائر : 26، والترغيب والترهيب 1 : 335 / 3) : عن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام قال: قال لي رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله : يا علي إن أخبث الناس سرقة من يسرق من صلاته فقال علي عليه السلام : فكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يتم ركوعه ولا سجوده فهو سارق صلاته ممحوق عند الله في دينه.

يصف الرسول الكريم صلوات الله عليه وعلى آله من ينقص من أركان صلاته بالسارق، ويقول عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام «إن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر. وإن منها لما يلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها وليس لك من صلاتك إلا ما أقبلت عليه بقلبك»، يصف تلك الصلاة التي ليس منها إلا الحركات بالثوب الخلق..!!

ليس لهذا الحد فقط، يقول الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه (عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 31 / 46، صحيفة الإمام الرضا (عليه السلام) : 152 / 91) : لا تضيعوا صلاتكم، فإن من ضيع صلاته حشره الله مع قارون وفرعون وهامان لعنهم الله وأخزاهم، وكان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين، فالويل لمن لم يحافظ على صلاته.

إذاً، حضور القلب، مفتاحٌ لقبول الصلاة، مفتاح لقبول الأعمال، مفتاح كل خير، إن كنا نؤمن بما ذُكر بما أنه قول الأنبياء عليهم السلام وهيّأنا أنفسنا لتحصيل السعادة وسفر الآخرة وعلمنا بلزوم حضور القلب الذي هو مفتاح كنـز السعادة، فطريق تحصيله أن نرفع أولاً موانع حضور القلب ونُنحّي الأشواك عن طريق السلوك بجذورها، وبعد رفع الموانع نُقدِم على تحصيل حضور القلب.


¤ والمسألة التي نريد جواباً لها ¤
¤ ما هي مشكلتنا، لماذا صلاتنا ليست كما يريد رب العالمين..؟؟ ¤




أولاً


للإجابة على هذا المسألة، نسأل بدورنا أنفسنا:
هل صلاتنا كصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله..؟؟
هل صلاتنا كصلاة أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام..؟؟
هل صلاتنا كصلاة الزهراء البتول عليها أفضل الصلاة والسلام..؟؟
هل صلاتنا كصلاة الأئمة الأطيبين الأطهرين صلوات الله عليهم أجمعين..؟؟
هل صلاتنا كصلاة أصحاب الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام ليلة العاشر..؟؟


لا، ليست كصلاتهم، أبداً..!!


¤ فلماذا..؟؟ ¤


إن عبادتهم تنطلق من صفاء أنفسهم وإيمانهم بالله، وإشراق اليقين في قلوبهم، بفعل إنفتاحهم على أسرار المعرفة الإلهية وإنسجامهم روحا بحقائقها الواقعية السامية.

ومن هنا كان أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام أعبد أهل زمانهم، فإن العبادة عندما تقترن بالمعرفة الصادقة، تتجلى فيها أعمق معاني الخشوع وأورعها، أو ليست العبادة إلا الخشوع والنبل ؟ وكلما ازدادت المعرفة بالله سبحانه وتعالى ازداد العمق العبادي.


¤ وكيف يكون ذلك..؟؟ ¤


يكون ذلك بمعرفة الله سبحانه وتعالى، ولمعرفة الله جل وعلى، يجب معرفة النفس وقد مر ذكر ذلك في موضوعٍ سابقاً، وهو موضوع "الهوى، أسبابه وعلاجه"، فراجع:
http://69.57.138.175/forum/showthread.php?s=&threadid=402724092

إذاً الوصول لصلاة خاشعة، طريقها معرفة الرب سبحانه وتعالى، فإذا عرف الإنسان ربه، وصل إلى طريق الخشوع والخضوع لله جل وعلى والذي يعبر عنه الإمام السجاد عليه السلام في أدعيته المباركة بــ (محجة الأخبات)، وبهذا يخبر أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام حيث يقول فيمن وصل لهذا الطريق: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ الله وُفِّقَ وَ مَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلًا هُدِيَ لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ فَإِنَّ جَارَ الله آمِنٌ وَ عَدُوَّهُ خَائِفٌ وَ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ الله أَنْ يَتَعَظَّمَ فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ وَ سَلَامَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا».

إذاً عدم معرفة الله سبحانه وتعالى، يجعلنا غير خاشعين في صلاتنا، وهل للخشوع من سبيل في وقت نخاطبه فيه من لا نعرفه. ومثال على ذلك، عندما تأتي لتخطب خطبة تمدح فيها سلطاناً، وأنت لا تعرف عنه شيئاً من صفاته وأخلاقه، وفضائله، وما إلى ذلك من حسن، فهل سيكون هذا الخطاب يا ترى نابعاً من قلب من عرف هذا السلطان، فكان الخطاب من القلب قبل اللسان..؟؟


¤ فمعرفة الله سبحانه وتعالى تكون على طريقين ¤
¤ الأولى: التأمل والتدبر ¤



لأن من صفات المؤمن التدبر والتأمل، فعلى صعيد القول والفعل، يتدبر ويعقل الأمر قبل قوله وفعله، يقول الله سبحانه وتعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (191) سورة آل عمران، وقال تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد، يقول أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام «الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ وَ إِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ»..!!


¤ الثانية: قناة التجليات الإلهية ¤


السلوك العملي الذي هو حقيقة السلوك, وغاية هذا السلوك هي تخلية النفس عن غير الحق وتحليتها بالتجليات الأسمائية والصفاتية والذاتية, فإذا حصل للسالك هذا المقام فحينئذٍ ينتهي سلوكه وتحصل له الغاية في السير الكمالي، فينال أسرار النسك والعبادات ولطائف السلوك، وهي التجليات الجلالية التي هي أسرار الطهارات والتجليات الجمالية التي هي غايات العبادات الأخَر. فإذا تطهّرعن التملّق بالنفس وخرج عن قيد نفسه يصير هو بنفسه منـزلاً للحق بل مسجداً للربوبية ويثني الحق على نفسه في ذاك المسجد بالتجليات الفعلية ثم الأسمائية ثم الذاتيّة، وهذا الثناء هو صلاة الرب يقول: "سبّوح قدّوس رب الملائكة والروح", وللسالك إلى الله في جميع مقامات السلوك مهمة أخرى لا يجوز له الغفلة عنها مطلقاً، بل هذه المهمة هي غاية السلوك ولب لبابه، وهي أن لا يغفل في جميع الحالات والمقامات عن ذكر الحق، وأن يطلب في جميع المناسك والعبادات معرفة الله، وأن يطلب الله في جميع المظاهر، وأن لا تمنعه النعمة والكرامة عن الصحبة والخلوة، فإنه نوع من الاستدراج.

ولا شك أن الكلام مع الغفلة ليس بمناجاة، وأيضا الكلام إعراب عما في الضمير، ولا يأتي الإعراب عما في الضمير إلا بحضور القلب، فأي سؤال في قوله : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) إذا كان القلب غافلا؟ ولا شك أيضا أن المقصود من القراءة والأذكار الثناء والحمد والتضرع والدعاء، والمخاطب هو الله - تعالى -، فإذا كان قلب العبد محجوبا عنه بحجاب الغفلة، ولا يراه ولا يشاهده، بل كان غافلا عن المخاطب، ويحرك لسانه بحكم العادة، فما أبعد هذا المقصود بالصلاة التي شرعت لتصقيل القلب، وتجديد ذكر الله، ورسوخ عقد الإيمان بها. هذا حكم القراءة والذكر. وأما الركوع والسجود، فالمقصود منهما التعظيم قطعا، والتعظيم كيف يجتمع مع الغفلة، وإذا خرج عن كونه تعظيما لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس وليس فيه المشقة ما يقصد الامتحان به، كما في أفعال الحج وإعطاء المال في الزكاة، وإمساك النفس عن الشهوات في الصوم. فكيف يجعل مجرد هذه الحركة مع خفتها وسهولتها عماد الدين، والفاصل بين الكفر والإسلام، وتقدم على سائر العبادات، ويجب القتل بسبب تركها على الخصوص، ولكون الحضور والخشوع والخشية عمدة ما يقصد به من الصلاة تظاهرت الآيات والأخبار على الترغيب عليها وفضيلتها ومدح أهلها وعلى ذم الغفلة والتفكر في أمور الدنيا والوساوس الباطلة عند الاشتغال بالصلاة، وقد تظاهرت الأخبار أيضا بأن الأنبياء والأوصياء وأكابر الأولياء كانوا عند اشتغالهم في الصلاة في غاية الإقبال والخشوع والخوف. قال الله - سبحانه - : {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}...(2) سورة المؤمنون. وقال : {إِنَّنِي أَنَا الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (14) سورة طـه. والغفلة تضاد الذكر، فمن كان غافلا في صلاته لا يكون مقيما للصلاة لذكره. وقال: {وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}...(205) سورة الأعراف. وقال : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ | الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}...(4-5) سورة الماعون، ذمهم على الغفلة عنها مع كونهم مصلين، لا لأنهم سهوا عنها وتركوها. وقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}...(43) سورة النساء..!!


ثانياً

القرآن الكريم يقول:{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}، الآية تخاطبنا بصيغة الأمر "أقم"، فتجد أن كل الآيات القرآنية التي فيها ذكر الصلاة، تقول "أقم" و "أقيموا"، وكأن القرآن الكريم يتحدث عن بنان غير موجود يريد منا بناءه وإقامته، بمعنى أقم الصلاة بإتمام وضوئها وتكبيراتها وقيمها وقراءتها وركوعها وسجودها وحدودها..!!
نعم، نحن نصلي، وصلاتنا الخالية من الخشوع والخضوع مجزية فقهياً ولكنها ليست مقبولة عند الله عزل وجل.


¤ الفرق بين الإقامة والإتيان ¤


إذا قال لك إنسان، إئتني بخيمة
وقال إنسان أقم لي خيمة


¤ ما الفرق بين الأمرين..؟؟ ¤


فالذي قال: إئتني بخيمة، تأتيه بخيمة وهو حر في إقامتها أو لا..!!
وأما الذي قال: أقم لي خيمة، فمعناه، إئئتني بخيمة وأقمها، أنصب لها عموداً وأشّْدُد أطنابها وأوتادها حتى أدخل فيها لتقيني من الحر والبرد والمطر..!!
فالفرق كبير بين الإتيان بالخيمة وإقامتها..!!

وكذلك الفرق كبير بين الإتيان بالصلاة وإقامتها، وقد مر في مقدمة حديثنا قول الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله (فردوس الأخبار 2 : 563 / 3611) : الصلاة عماد الدين، فمن ترك صلاته متعمدا فقد هدم دينه، ومن ترك أوقاتها يدخل الويل، والويل واد في جهنم كما قال الله تعالى : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ | الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}...سورة الماعون 4 - 5، ومن أقامها عصمته من الزلل والخطأ ومن الوقوع في المحرمات بشكل مطلق{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} (45) سورة العنكبوت..!!

ومن لم يقم صلاته، لم تعصمه من الوقوع في المحرمات -والعياذ بالله-.

يقول السيد علي الخامنئي حفظه الله في مقدمة كتابه "من أعماق الصلاة":
إنّ مقيم الصلاة كما أنه يوظف جميع قواه بحثاً عن طريق الله، فإنه يميت جميع بواعث الشر والفساد والانحطاط في ذاته.
في عدّة آيات من القرآن عدّت إقامة الصلاة من علامات التدين، واستند في أكثر الآيات إلى إقامة الصلاة.

يظهر أنّ إقامة الصلاة شيء أكثر من امتثالها، أي أنّها ليست فقط أن يقوم الشخص بامتثال الصلاة وأدائها، بل هناك أيضاً الاسترسال نحو الجهة والناحية التي تدعو إليها الصلاة، وبعث الآخرين نحوها. قالوا: إقامة الصلاة، أن يعيش المصلي ومن حوله أجواء المصلين، أي الباحثين عن الله وعبادته، ويحيا الجميع في خط الصلاة وجهتها.

فالمؤمن ــ إذن ــ والأمة المؤمنة بإقامتها للصلاة تحرق جذور الانحطاط والمعاصي والفساد في النفس والمحيط الاجتماعي، وتميت النزوع إلى ارتكاب المعاصي وبواعثه الداخلية والخارجية (العوامل النفسية والبيئيّة). حقّاً إنّ الصلاة تحول بين الفرد والمجتمع وممارسة الأعمال الصالحة والرذيلة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} (45) سورة العنكبوت..!!

قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) سورة لقمان

نكتة لطيفة يجب الإلتفات لها في هذه الآية الكريمة، وهي أن لقمان الحكيم قد أمر ابنه أولاً "بإقامة الصلاة"، ولم يقل -مثلاً- يا بني أمر بالمعروف وانه عن المنكر... وبعدها أقم الصلاة، ليس كذلك ولكن قال "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ" لأن الصلاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ، وبعد أن يبتعد عن الفحشاء والمنكر، سيكون في نفسه كره الفحشاء وكره المنكر وعدم السكوت عنه وإقامة الصلاة كفيلة بردعه عن كل ما هو فاحس وكل ما هو منكر. فالإنسان الذي آمن بربه وحرر شخصيته وأرهف شعوره بالمسؤولية، لا بد له نتيجة الإيمان هذا من أن يعبد الله معترفا بجميله فيؤدي الصلاة التي هي من أسس العبادة لله والتي هي عنصر تربوي في ذاتها، إذ أنها توجد الانسجام في الشخصية بين الناحيتين المادية والروحية كما أنها تعلمه النظام وتربطه مع الجماعة وتجعله في راحة نفسية كبرى.

فالصلاة تغرس في النفس فضيلتي الثبات والكرم، وهما من أكرم الخصال، وأشرف الخلال . فإذا أصاب المصلي ما يكره لا يستبد به الجزع والهلع . وإذا أفاض الله عليه بالنعم والآلاء لا يستأثر بها بل يشرك معه فيها غيره وإلى هذا تشير الآية : {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا | إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا | وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا | إِلَّا الْمُصَلِّينَ | الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}...سورة المعارج (19-23)، المصلين هم الذين يقيمون الصلاة، فتمعن في هذه الآية، {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ | قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}...سورة المدثر (42-43)، وإذا كانت الصلاة تكسب المرء سكينة النفس، وتطبعه بطابع خلقي جميل . فإن هذه الصفات تجعل المقيم لها رضي النفس، حسن الخلق، عضوا نافعا في المجتمع الذي يعيش فيه، وتخلق منه خليقة حية تعمل وتنتج ويعم خيرها الناس.

جاء في مكيال المكارم ج1 ص298 لميرزا محمد تقي الأصفهاني:
في معنى قوله تعالى : * {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (45) سورة العنكبوت:
فإن الظاهر - والله العالم - أن هذا الكلام بيان لأمرين، ثانيهما أعلى من الأول:
وأولهما : أن الصلاة لما كانت معراجا للمؤمن، وسببا لقرب العبد من الله عز وجل إذا أداها العبد على النحو الذي أمر الله تعالى به كانت سببا لتباعد الشيطان عن صاحبها ولازم ذلك انتهاؤه عن الفحشاء والمنكر كما لايخفى على من استبصر ويدل على هذا روايات عديدة : - منها : ما في مجمع البيان (مجمع البيان : 8 / 285) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا .

أقول : يعني أنه لم يؤد الصلاة حق أدائها، فلذلك لم يظهر عليه أثرها، والله العالم .
ومنها : ما في الوسائل (الوسائل : 3 / 81 باب 1 ح 14) عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لايزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على مواقيت الصلوات الخمس فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم .

أقول : وهكذا الحال في كل عبادة يأتي بها المؤمن على الوجه الذي أمر الله تعالى به فإن اقتضاء العبادة لله عز وجل القرب منه، ولازمه تباعد الشيطان، وهذا ظاهر بالوجدان ومشاهد بالعيان . ثم لايخفى أنه كلما كانت العبادة في نظر الشارع أهم وأعظم، كان ذلك الاقتضاء فيها أكمل وأتم مثل الصلاة، والولاية، والزكاة، وقراءة القرآن، والدعاء بتعجيل فرج صاحب الزمان، وأمثالها وكذلك كلما كان أجمع لشرائط القبول كان أسرع وأكمل في حصول هذا الأمر المعقول وبهذا البيان ظهر سببية الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان لتباعد الشيطان بالدليل والبرهان .

الأمر الثاني من الأمرين اللذين بينهما الله عز وجل في الآية الشريفة، وهو أعلى من الأول، بل هو غاية الغايات وأعلى العنايات، وهو محض ذكر الله وذكر الله المحض والإعراض والذهول عما في السموات والأرض وهو يحصل بصرف العبد جميع آنات عمره في عبادة الله، صارفا نظره عن كل ماسواه، بأن لايذكره إلا لأنه ذكره، فهو مطلوبه لا غير من دون التفات إلى شئ آخر من شر أو خير . وهذا الذي أشار إليه سيد العابدين (عليه السلام) في مناجاته، وفي غيرها من كلماته النافعة الجامعة فإذا أتى العبد بصلاته تامة كاملة بحقيقتها، التي ينبغي أن يؤتى بها، تباعد الشيطان عنه، بنحو لايقرب منه أبدا .

ولقد ذاكرني بعض العلماء المعاصرين يوما في معنى الحديث الوارد، بأن للصلاة أربعة آلاف حد. فقلت: إن عدد المعاصي أربعة آلاف على ما نقل عن بعض علمائنا، فيمكن أن يكون المراد أن هذه حدود لا يتعدى عنها من أدى الصلاة بحقيقتها، يعني أن الدليل على أداء حقيقة الصلاة هو الاجتناب عن جميع تلك السيئات، فمن لم ينته عنها، لم يأت بحقيقة الصلاة وتجاوز عن حدود الله فاستحسن هذا الجواب، والله الهادي إلى نهج الصواب. ويشهد لهذا الوجه الذي الحديث النبوي عن مجمع البيان (مجمع البيان : 8 / 285) وفيه عن ابن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال : لا صلاة لمن لم يطع الصلاة وطاعة الصلاة أن تنتهي عن الفحشاء والمنكر .

قال الشيخ الطبرسي رضوان الله تعالى عليه: ومعنى ذلك أن الصلاة إذا كانت ناهية عن المعاصي، فمن أقامها ثم لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة التي وصفها الله بها فإن تاب من بعد ذلك، وترك المعاصي، فقد تبين أن صلاته كانت نافعة له ناهية، وإن لم ينته إلا بعد زمان قال : وروى أنس أن فتى من الأنصار كان يصلي الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويرتكب الفواحش، فوصف ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : إن صلاته تنهاه يوما.

وجاء في جامع السعادات ج3 ص259 لمحمد مهدي النراقي:
حقيقة الصلاة لا بحث لنا عما يتعلق بظاهرها من الأجزاء والشرائط والأحكام، إذ بيانها على عهدة الفقه فالنشر إلى المعاني الباطنة التي بها تتم حياتها، وإلى الأسرار والآداب الخفية الباطنة المتعلقة بأجزائها وشرائطها الظاهرة، لتكون ملحوظة للعبد عن فعلها.
فنقول : المعاني الباطنة التي هي روح الصلاة وحقيقتها، سبعة :
الأول - الإخلاص والقربى، وخلوها من شوائب الرياء. وقد تقدم تفصيل القول في ذلك.

الثاني - حضور القلب : وهو أن يفرغ القلب من غير ما هو ملابس له ومتكلم به، حتى يكون العلم مقرونا بما يفعله وما يقوله، من غير جريان الفكر في غيرها. فمهما انصرف الفكر عن غير ما هو فيه، وكان في قلبه ذكر لما هو فيه من غير غفلة عنه، فقد حصل حضور القلب. ثم حضور القلب قد يعبر عنه بالاقبال على الصلاة والتوجه، وقد يعبر عنه بالخشوع بالقلب فإن الخشوع في الصلاة خشوعان : خشوع القلب : وهو أن يتفرغ لجمع الهمة لها، والإعراض عما سواه، بحيث لا يكون في قلبه غير المعبود. وخشوع بالجوارح : وهو أن يغض بصره، ولا يلتفت، ولا يعبث، ولا يتثائب، ولا يتمطى، ولا يفرقع أصابعه وبالجملة : لا يتحرك لغير الصلاة ولا يفعل شيئا من المكروهات، وربما عبر ذلك بالخضوع.

الثالث - التفهم لمعنى الكلام : وهو أمر وراء حضور القلب. فربما يكون القلب حاضرا مع اللفظ، ولا يكون حاضرا مع معناه فالمراد بالتفهم هو اشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ. وهذا مقام يتفاوت فيه الناس، إذ ليس يشترك الناس في تفهم معاني القرآن والتسبيحات، فكم من معان لطيفة يفهمها بعض المصلين في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه قبل ذلك ولا يفهمها غيره. ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فإنها تفهم أمورا تمنع تلك الأمور عن الفحشاء والمنكر لا محالة.

الرابع - العظيم : وهو أمر وراء حضور القلب والتفهم. إذ الرجل ربما يخاطب غيره، وهو حاضر القلب فيه، ومتفهم لمعناه، ولا يكون معظما له.

الخامس - الهيبة : وهي زائدة على التعظيم لأنها عبارة عن خوف منشأه التعظيم، لأن من لا يخاف لا يسمى هائبا. ثم كل خوف لا يسمى مهابة، بل الهيبة خوف مصدره الاجلال.
السادس - الرجاء : ولا ريب في كونه زائدا عما ذكر. فكم من رجل يعظم ملكا من الملوك، ويهابه ويخاف سطوته، ولا يرجو بره وإحسانه، والعبد ينبغي أن يكون راجيا بصلاته ثواب الله، كما أنه خائف بتقصيره عقابه
السابع - الحياء : ومستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب، وهو زائد على التعظيم والخوف والرجاء، لتصورها من غير حياء، حيث لا يكون توهم وتقصير ارتكاب ذنب. فصل حضور القلب إعلم أن كون الأمور المذكورة روح الصلاة وحقيقتها، والمقصود الأصلي منها، أمر ظاهر. إذ الغرض الأصلي من العبادات والطاعات هي تصفية النفس وتصقيلها، فكل عمل يكون أشد تأثيرا فيهما يكون أفضل. ولا ريب في أن المقتضي لصفاء النفس وتجردها وتصقيلها عن الكدورات من الصلاة ليس إلا الأمور المذكورة، وليس لنفس الحركات الظاهرة كثير مدخلية فيها، وكيف لا يكون حضور القلب والخشوع روح الصلاة ولا يتوقف كمال الصلاة عليه، مع أن المصلي في صلاته ودعائه مناج ربه ؟

يقول أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام : طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ أُولئِكَ حِزْبُ الله أَلا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ..!!

فعن الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله: "اعبد الله كأنك تراه, وإن لم تكن تراه فإنه يراك"، يستفاد من هذا الحديث مرتبتان من مراتب حضور القلب:
المرتبة الأولى: أنّ السالك يكون مشاهداً جمال الجميل في تجليات حضرة المحبوب على نحو تكون جميع مسامع قلبه مسدودة عن سائر الموجودات, وتكون بصيرته مفتوحة لجمال ذي الجلال الطاهر، ولا يشاهد غيره, وبالجملة يكون مشغولاً بالحاضر وغافلاً عن المحضر والحضور.
والمرتبة الثانية التي هي دون تلك المرتبة أن يرى السالك نفسه حاضراً في محضرة ويلاحظ أدب الحضور والمحضر، فالرسول الأكرم كأنه يقول: إن كنت تستطيع أن تكون من أهل المقام الأول وتأتي بعبادة الله على ذلك النحو فافعل، وإلا فلا تغفل عن أنك في المحضر الربوبي، ولمحضر الحق تعالى أدب تكون الغفلة عنه لا محالة بُعداً عن مقام العبودية.

ففي حديث الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله: "إنّ الرجلين من أمتي يقومان إلى الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد، وإنّ ما بين صلاتهما مابين السماء والأرض"، وقال صلى الله عليه وآله: "أما يخاف الذي يحوّل وجهة في الصلاة أن يحوّل الله وجهه إلى حمار؟"، وقال صلوات الله عليه وعلى آله: "مَن صلّى ركعتين لم يحدّث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر الله له ذنوبه"، وعنه صلى الله عليه وآله: "إنّ مِن الصلاة لما يُقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العُشر، وإنّ منها لما تُلفّ كما يُلفّ الثوب الخلق فيُضرب بها وجه صاحبها"، وأن "ما لك في صلاتك إلا ما أقبلت عليه بقلبك".

ويقول أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام: تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ وَ حَافِظُوا عَلَيْهَا وَ اسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وَ تَقَرَّبُوا بِهَا فَإِنَّهَا كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً أَ لَا تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ إِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ وَ تُطْلِقُهَا إِطْلَاقَ الرِّبَقِ وَ شَبَّهَهَا رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) بِالْحَمَّةِ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ وَ قَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ وَ لَا قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَ لَا مَالٍ يَقُولُ الله سُبْحَانَهُ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ وَ كَانَ رَسُولُ الله (صلوات الله عليه وعلى آله) نَصِباً بِالصَّلَاةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ لِقَوْلِ الله سُبْحَانَهُ وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها فَكَانَ يَأْمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَ يَصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ..!!

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه"، أو قال: "أقبل الله عليه حتى ينصرف، وأظلّته الرحمة من فوق رأسه إلى أفق السماء، والملائكة تحفّه من حوله إلى أفق السماء، ووكّل الله به ملكاً قائماً على رأسه، يقول: أيها المصلّي! لو تعلم من ينظر اليك ومن تناجي ما التفتّ ولا زلت من موضعك أبدا".

إذاً أن وقفتك الحقيقية أمام الله مصليا ستطهر نفسك وتبعد الرجس عنك، وكلما رأيت رجلا يصلي ولكنه يقدم على الفحشاء والمنكر، فلتعرف أن صلاته حركات لا مغزى لها، وأقواله خالية من المعاني.


ثالثاً


الصلاة عبادة وممارسة فردية، حديث بين العبد وربه عزل وجل، آثارها تشمل جميع جوانب الحياة، فإن قُبلت قبل ما سواها، والتي هي الهدف الأول للحكومة الإسلامية الرشيدة {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ}...(41) سورة الحـج، وكما مر سابقاً المراد من معنى "أقم"، فلذلك الهدف من قبل هذه الحكومة الإسلامية أقامة الصلاة الخاشعة بين أفراد المجتمع، نبي الله موسى عليه السلام يؤمر ليذهب إلى فرعون إِنَّهُ طَغَى، ينادي أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى، يقال له أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي.. فالعمل الذي يؤمر بإقامته هو الصلاة وذلك بعقد رابطة وصل قوية متينة وثيقة دائمة متصلة بينك وبين الله عزل وجل، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي، يقال أن "اللام" لام الغاية، "لام" النتيجة، "لام" الهدف، أَقِمِ الصَّلَاةَ لكن تحقيقاً للذكر..!

إذاً، أثر الصلاة الخاشعة، يكون نتاجه في الحياة، مع أنفسنا، مع الآخرين، وبالدرجة الأولى مع رب العالمين، {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (63) سورة الفرقان.

أداء النوافل والمستحبات الذي هو منال العارفين للتزود بلقاء محبوبهم، وهو سبيل للمقصرين أمثالنا لتعويض النقص في الفرائض، يقول الله عزل وجل في الحديث القدسي «لا يزال يتقرّب إليّ عبدي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت أنا سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها»..!!

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله تعالى " ما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم، ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به" (الكافي 2: 262 / 7، المصنف - لعبد الرزاق - 11: 193 / 20301، الفردوس - للديلمي - 3: 215 / 4472)

تعالوا معي لمعرفة كل تلك المعاني السامية، العالية الرفيعة في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام يصف فيها المتقين الذي وصلوا لتلك المرتبة من الخشوع: وَ لَوْلَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ الله عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ النَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَ أَكُفِّهِمْ وَ رُكَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى الله تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ وَ أَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ وَ يَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ وَ لَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَ رَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي اللهمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَ اجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ وَ حَزْماً فِي لِينٍ وَ إِيمَاناً فِي يَقِينٍ وَ حِرْصاً فِي عِلْمٍ وَ عِلْماً فِي حِلْمٍ وَ قَصْداً فِي غِنًى وَ خُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ وَ تَجَمُّلًا فِي فَاقَةٍ وَ صَبْراً فِي شِدَّةٍ وَ طَلَباً فِي حَلَالٍ وَ نَشَاطاً فِي هُدًى وَ تَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَ هُوَ عَلَى وَجَلٍ يُمْسِي وَ هَمُّهُ الشُّكْرُ وَ يُصْبِحُ وَ هَمُّهُ الذِّكْرُ يَبِيتُ حَذِراً وَ يُصْبِحُ فَرِحاً حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ وَ فَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَ الرَّحْمَةِ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لَا يَزُولُ وَ زَهَادَتُهُ فِيمَا لَا يَبْقَى يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ قَلِيلًا زَلَلُهُ خَاشِعاً قَلْبُهُ قَانِعَةً نَفْسُهُ مَنْزُوراً أَكْلُهُ سَهْلًا أَمْرُهُ حَرِيزاً دِينُهُ مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ مَكْظُوماً غَيْظُهُ الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ وَ إِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَ يُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ وَ يَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ بَعِيداً فُحْشُهُ لَيِّناً قَوْلُهُ غَائِباً مُنْكَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ مُقْبِلًا خَيْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ فِي الزَّلَازِلِ وَقُورٌ وَ فِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَ فِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ لَا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ وَ لَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ لَا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ وَ لَا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ وَ لَا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ وَ لَا يُضَارُّ بِالْجَارِ وَ لَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ وَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ وَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَ إِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ وَ إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ الله هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَ نَزَاهَةٌ وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَ رَحْمَةٌ لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَ عَظَمَةٍ وَ لَا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَ خَدِيعَةٍ.




¤ ماذا نعمل لنصل لمرتبة الخشوع..؟؟ ¤


تريد أن نتحدث مع رب العالمين، فأي أمرٍ علينا القيام به لملاقاة العزيز الجبار..!!
علينا الإهتمام بالأمور التالية:


¤ أولاً: مكان الخلوة ¤


فهلا جعلنا مكاناً طاهراً، يخلو من كل زينة، خلوة بكل ما للكلمة من معنى بيني وبين الله عز وجل، كلما إشتقنا إلى الله عز وجل، ذهبنا لذلك المصلى..!!

قال الشهيد زين الدين العاملي الجبعي رضوان الله عليه: وأمّا المكان فاستحضر فيه أنك كائن بين يدَي ملك الملوك تريد مناجاته والتضرّع إليه والتماس رضاه ونظره إليك بعين الرحمة, فانظر مكاناً يصلح لذلك كالمساجد الشريفة والمشاهد المطهّرة مع الإمكان، فإنه تعالى جعل تلك المواضع محلاً لإجابته ومظنّة لقبوله ورحمته ومعدناً لمرضاته ومغفرته على مثال حضرة الملوك الذين يجعلونها وسيلة لذلك، فادخلها ملازماً للسكينة والوقار ومراقباً للخشوع والانكسار سائلاً أن يجعلك من خاص عبادة وأن يُلحقك بالماضين منهم، وراقب الله كأنك على الصراط جائز، وكن متردداً بين الخوف والرجاء وبين القبول والطرد، فيخشع حينئذٍ قلبك ويخضع لبّك وتتأهل لأن تفيض عليك الرحمة وتنالك يد العاطفة وترعاك عين العناية.

وقال العارف القاضي سعيد القمّي: "إنّ للأماكن أثراً في حجاب القلب عن الله وإقباله إليه (تعالى)، اللهم إلاّ لأصحاب الأحوال، حيث لا يشغلهم حال عن حال، فانظر في أي مكان ومرتبة إلى حضرة ذي الجلال، فإن لم تكن خارجاً عن مقام الحسّ فذلك كمال النقص, فاجهد ان تسعى إلى مسجد القلب لتفوز بصلاة جميع القوى وجماعة المشاعر والأعضاء, وإن اجتهدتَ أن تدخل كعبة الروح فتصلّي مع جماعة الأرواح المقدّسة والنفوس القدسية فتلك الصلاة نور, وإن ارتقيتَ بروحك إلى الملأ الأعلى وتدخل المسجد الأقصى والعالم الإلهي العقلي فذلك نور على نور".


¤ ثانياً: التركيز على صلاة أول الوقت ¤


قال النبي صلى الله عليه وآله: "الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي آخره عفو الله" (التاج الجامع للأصول ج 1 ص 146، وقال: رواه الترمذي).

أن التأهب للصلاة في أول وقتها بالطهارة والستر قبلها بمنزلة تطيب الأرض للزراعة قبلها. والصلاة في أول الوقت بمنزلة الزرع في أول وقت المطر، ففعل الفرائض بدون السنن في أول الوقت، فبمنزلة البذر في أرض أولا بغير تقديم الفلاحة، وشوبها بالأخلاق الفاسدة، والغفلة بمنزلة الشوك والحشيش المضر بالزرع، وإن كان بذره جيدا، والصلاة في آخر الوقت بمنزلة الزرع في آخره، لا يدرك من غلته ما يدركه المبادر فإن انضم إلى ذلك فساد الأرض وقلة الماء وغيرهما فسد رأسا. فما ظنك بمن يترك الزرع أصلا، فهذا مجمل القول في سر قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "الدنيا مزرعة الآخرة".

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: وقد سئل عن الفضل من الوقت أوله أم وسطه أو آخره. فقال عليه السلام: أوله أن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله قال: إن الله عز وجل يحب من الخير ما يعجل. وعنه أيضا عليه السلام قال: إعلم أن أول الوقت أبدا أفضل فعجل الخير ما استطعت. وعنه أيضا قال: أحب الوقت إلى الله عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة فإن لم تفعل فإنك في وقت منها - الظهر والعصر - حتى تغيب الشمس. (أخرج هذه الروايات العاملي في كتابه الوسائل: كتاب الصلاة، باب المواقيت).


¤ ثالثاً: الطهارة المادية والمعنوية وما يتعلق بها من الآداب المادية والمعنوية ¤


ففي مصباح الشريعة قال الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أردت الطهارة والوضوء فتقدّم إلى الماء تقدّمك إلى رحمة الله، فإنّ الله قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته ودليلاً على بساط خدمته, وكما أن رحمة الله تطهّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهّرها الماء لاغير"، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} (48) سورة الفرقان. وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (30) سورة الأنبياء، فكما يحيي به كل شيء من نعيم الدنيا كذلك برحمته وفضله جعل حياة القلوب الطاعات. وتفكّر في صفاء الماء ورقّته وطهارته وبركته ولطيف امتزاجه بكل شيء واستعمله في تطهير الأعضاء التي أمرك الله بتطهيرها, وآت بآدابها في فرائضه وسننه، فإنّ تحت كل واحدة منها فوائد كثيرة, فإذا استعملتها بالحرمة انفجرت لك عيون فوائده عن قريب، ثم عاشر خلق الله كامتزاج الماء بالأشياء (يؤدّي كل شيء حقّه ولا يتغير معناه)، وكن معتبراً لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "مثَل المؤمن المخلص الخالص كمثل الماء, ولتكن صفوتك مع الله تعالى في جميع طاعتك كصفوة الماء حين أنزله من السماء وسمّاه طهورا وطهّر قلبك بالتقوى واليقين عند طهارة جوارحك بالماء".


¤ رابعاً: اللباس الروحي والبدني ¤


ورد في الرواية عن الصادق عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى بعض أوليائه: قل للمؤمنين، لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تأكلوا كأعدائي ولا تمشوا كأعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي".

الصلاة بدون طهارة اللباس والبدن والقذارات التي هي رجس للشيطان ومستبعد محضر الرحمن هي من موانع ورود المحضر، وكما أنه يبعد المصلّي الملوّث لباسه وبدنه برجز الشيطان عن محضر القدس ولا يترك أن يدخل إلى مقام الأنس, كذلك قذارات المعاصي وعصيان الحق التي هي من تصرفات الشيطان ومن رجس ذاك الخبيث وقاذوراته: من موانع ورود المحضر, فالمتلبّس بالمعاصي قد نجّس ساتر البدن البرزخي ولا يتمكن مع هذه القذارة أن يرد إلى محضر الحق, وتطهير هذا اللباس من شرائط تحقق الصلاة الباطنية وصحتها، وما دام الإنسان في حجاب الدنيا لا يطّلع على ذلك البدن الغيبيّ وطهارة لباسه وقذارته وشرطية الطهارة ومانعية القذارة فيها, ولكنه في يوم يخرج عن هذا الحجاب ورائد السلطنة الباطنية, وفي يوم الجمع يطوي بساط تفرقة الظاهر وتطلع شمس الحقيقة من وراء الحجب المظلمة الدنيوية وتنفتح البصيرة الباطنية الملكوتية وتغلق البصيرة الحيوانية الملكية، فيدرك بعين البصيرة أن صلاته كانت فاقدة للطهارة إلى نهاية الأمر وكان مبتلى بآلاف من الموانع التي كان كل واحد منها سبباً مستقلاً للتبعيد عن محضر الحق المقدس, ومع آلاف الأسف أنه ليس في ذلك اليوم طريق للجبران ولا حيلة للإنسان، بل ما يبقى لـه حين ذاك فقط هو الحسرات والندامات, ندامات لا نهاية لها، وحسرات لا انتهاء لها {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (39) سورة مريم.


¤ خامساً: قطع الشواغل الداخلية والخارجية التي أهمها الشواغل القلبية ¤


وهذه الشواغل منحصرة في حب الدنيا وزخرفها وزبرجها، ومن علق بأمور هذه الدنيا أو بعض منها كان عابداً لهواه، فركن إليها، وأصْغَ إليها، وهي لاهية عنه، فكلما دخل من أحد أبوابها، فُتحت له أبواب أخرى، وكل باب فيه من الذل والهوان ما فيه. فإذا كان هم الإنسان تحصيل الدنيا والوصول إلى زخارفها فيتوجه القلب بالفطرة إليها وتكون هي الشغل الشاغل له، فإذا أنصرف من بعض الأمور الدنيوية يتوجه إلى الأخرى، راجع نفس الموضوع السابق مفصلاً:
http://69.57.138.175/forum/showthre...eadid=402724092


¤ سادساً: المشارطة والمعاتبة ¤


قبل البدء بالصلاة علنا أن نشترط على أنفسنا الإقبال في كل خطوة خطوة، فلو فاتنا الخشوع في الركعة الأولى، لا نقل قد فاتنا الأمر، فلنرجع ونحاول في كل خطوة في الصلاة، عندما يفوتنا الخشوع ويخالجنا الندم، فنتوب،إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، فعلينا بإقامة ما تبقى من الصلاة، حتى ولو كنا في السجدة الأخيرة من صلاتنا وقد فاتنا الخشوع وإننا في آخر سجدة، فلنُطِلِ السجود، ولنكثر من الأدعية ولو كانت مخترعة تذللاً بين يدي الخالق سبحانه وتعالى.

فاتنا الخشوع في الصلاة، قلنا "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، الآن فلنعقب تعقيباً بليغاً مؤثراً، ولنُسبَّح تَسْبِيحَة الزَّهراء عليها أفضل الصلاة والسلام والتي لو كان هناك هدية في العرش أفضل من هذه الهدية لأهداها للزهراء عليه السلام، إذاً التدارك والتعويض ولو في المراحل الأخيرة من الصلاة بين يدي الله عزل وجل، وكل حركة وكلمة صادقة خالصة لوجه سبحانه وتعالى، هو حسيبنا{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ الله وَالله عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}...(195) سورة آل عمران، صلوا صلاة المودعين، صلاة العشاء، والتي بعدها سوف تنام، سوف تموت، {الله يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}...(42) سورة الزمر، حرارة اللقاء بين العبد وربه تعكس مدى قرب العبد مع الله عز وجل.

لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني وما قيمة عبدٍ صرف الله وجهه عنه وأوكل أمره إلى نفسه، جاء في أمالي الصدوق: 395 / 2 يقول الله تعالى: أيما عبد أطاعني لم أكله إلى غيري، وأيما عبد عصاني وكلته إلى نفسه، ثم لم أبال في أي واد هلك.

{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ الله قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون}...(127) سورة التوبة.

(الهداية الكبرى: 215، عيون المعجزات: 73، مناقب ابن شهر آشوب 4: 135، مدينة المعاجز: 293) روي أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان قائما في صلاته حتى زحف ابنه محمد، وهو طفل، إلى بئر كانت في داره بعيدة القعر، فسقط فيها، فنظرت إليه أمه فصرخت، وأقبلت تضرب نفسها من حوالي البئر، وتستغيث به وتقول له: يا بن رسول الله، غرق والله ابنك محمد. وكل ذلك لا يسمع قولها، ولا ينثني عن صلاته، وهي تسمع اضطراب ابنها في قعر البئر في الماء. فلما طال عليها ذلك قالت له جزعا على إبنها ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت النبوة !
فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا بعد كمالها وتمامها، ثم أقبل عليها فجلس على رأس البئر، ومد يده إلى قعرها، وكانت لا تنال إلا برشاء طويل فأخرج ابنه محمدا بيده وهو يناغيه ويضحك، ولم يبل له ثوب ولا جسد بالماء..!!
فقال لها: هاك هو يا قليلة اليقين بالله. فضحكت لسلامة إبنها، وبكت لقوله. فقال لها: لا تثريب عليك، لو علمت أنني كنت بين يدي جبار، لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني، فمن ترين أرحم بعبده منه؟!


¤ خلاصة الموضوع كله ¤



وخلاصة الموضوع كله ما جاء في كلمات السيد محمد كاظم اليزدي رضوان الله تعالى عليه في كتابه العروة الوثقى ج1 ص 468، حيث يقول: ينبغي للمصلي بعد إحراز شرائط صحة الصلاة ورفع موانعها:
¤ السعي في تحصيل شرائط قبولها ورفع موانعه، فإن الصحة والأجزاء غير القبول، فقد يكون العمل صحيحاً ولا يعد فاعله تاركاً، بحيث يستحق العقاب على الترك، لكن يكون مقبولاً للمولى،
¤ وعمدة شرائط القبول إقبال القلب على العمل، فإنه روحه، وهو بمنزلة الجسد، فإن كان حاصلاً في جميعه فتمامه مقبول، وإلا فبمقداره، فقد يكون نصفه مقبولاً، وقد يكون ثلثه مقبولاً، وقد يكون ربعه، وهكذا، ومعنى الإقبال أن يحضر قلبه ويتفهم ما يقول، ويتذكر عظمة الله تعالى، وأنه ليس كسائر من يخاطب ويتكلم معه، بحيث يحصل في قلبه هيبة منه، وبملاحظة أنه مقصر في أداء حقه يحصل له حالة حياء، وحالة بين الخوف والرجاء بملاحظة تقصيره مع ملاحظة سعة رحمته تعالى،
¤ وللإقبال وحضور القلب مراتب ودرجات، وأعلاها ما كان لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، حيث كان يخرج السهم من بدنه حين الصلاة ولا يحس به، وينبغي له:
¤ أن يكون مع الخضوع والخشوع، والوقار والسكينة،
¤ وأن يصلي صلاة مودع،
¤ وأن يجدد التوبة والإنابة والإستغفار،
¤ وأن يكون صادقاً في أقواله، كقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) وفي سائر مقالاته
¤ وأن يلتفت أنه لمن يناجي وممن يسأل ولمن يسأل،
¤ وينبغي أيضاً أن يبذل جهده في الحذر عن مكائد الشيطان وحبائله ومصائده التي منها إدخال العجب في نفس العابد، وهو من موانع قبول العمل، ومن موانع القبول أيضاً حبس الزكاة وسائر الحقوق الواجبة ومنها الحسد والكبر والغيبة، ومنها أكل الحرام وشرب المسكر، ومنها النشوز والإباق، بل مقتضى قوله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) عدم قبول الصلاة وغيرها من كل عاص وفاسق،
¤ وينبغي أيضاً أن يتجنب ما يوجب قلة الثواب والأجر على الصلاة، كأن يقوم إليها كسلا ثقيلاً في سكرة النوم أو الغفلة، أو كان لاهياً فيها أو مستعجلاً أو مدافعاً للبول والغائط أو الريح، أو طامحاً ببصره إلى السماء،
¤ بل ينبغي أن يخشع ببصره شبه المغمض للعين،
¤ بل ينبغي أن يتجنب كل ما ينافي الخشوع،
¤ ويتجنب كل ما ينافي الصلاة في العرف والعادة،
¤ ويتجنب كل ما يشعر بالتكبر أو الغفلة،
¤ وينبغي أيضاً أن يستعمل ما يوجب زيادة الأجر وإرتفاع الدرجة كإستعمال الطيب ولبس أنظف الثياب، والخاتم من عقيق، والتمشط، والإستياك ونحو ذلك.


¤ الختام ¤


أختم الحديث بقول سيد البلغاء أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام في حق المؤمنين المتقين وكيف يشتاق لهم،، فهنيئا لهم بك يا سيدي ومولاي يا أمير المؤمنين:
أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَبِلُوهُ وَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَ هِيجُوا إِلَى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقَاحِ إِلَى أَوْلَادِهَا وَ سَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا وَ أَخَذُوا بِأَطْرَافِ الْأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً وَ صَفّاً صَفّاً بَعْضٌ هَلَكَ وَ بَعْضٌ نَجَا لَا يُبَشَّرُونَ بِالْأَحْيَاءِ وَ لَا يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى مُرْهُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ صُفْرُ الْأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ أُولَئِكَ إِخْوَانِي الذَّاهِبُونَ فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ وَ نَعَضَّ الْأَيْدِي عَلَى فِرَاقِهِمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ وَ يُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً وَ يُعْطِيَكُمْ بِالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ وَ بِالْفُرْقَةِ الْفِتْنَةَ فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ وَ اقْبَلُوا النَّصِيحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَيْكُمْ وَ اعْقِلُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ.


جعلناالله وإياكم من المصلين الذاكرين بحق محمدٍوآله الطيبين الطاهرين

والحمدلله رب العالمين


نسألكم الدعاء

مفجرالثوره