من فقه أبي حنيفة: مسألة: المستأجرة للزنا أو للخدمة والمخدمة !

قاسم

New Member
18 أبريل 2010
245
0
0
قال ابن حزم في المحلى ج 11 ص 250

مسألة: المستأجرة للزنا أو للخدمة والمخدمة:

قال ابو محمد: حدثنا حمام، نا ابن مفرج، نا ابن الاعرابي، نا الدبري، نا عبد الرزاق، نا ابن جريج، نى محمد بن الحرث بن سفيان، عن ابي سلمة بن سفيان، ان امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت: يا امير المؤمنين أقبلت اسوق غنما لي، فلقيني رجل، فحفن لي حفنة من تمر، ثم حفن لي حفنة من تمر، ثم حفن لي حفنة من تمر، ثم أصابني .
فقال عمر: ما قلت ؟
فأعادت .
فقال عمر بن الخطاب ويشير بيده: مهر مهر مهر ثم تركها .

وبه إلى عبد الرزاق، عن سفيان بن عيينة، عن الوليد بن عبد الله - وهو ابن جميع - عن ابي الطفيل، ان امرأة اصابها الجوع، فأتت راعيا فسألته الطعام، فأبى عليها حتى تعطيه نفسها قالت: فحثى لي ثلاث حثيات من تمر، وذكرت انها كانت جهدت من الجوع، فأخبرت عمر فكبر وقال: مهر مهر مهر ودرأ عنها الحد .

قال أبو محمد رحمه الله: قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة، ولم ير الزنا إلا ما كان مطارفة، وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنا ولا حد فيه، وقال أبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، وأصحابنا، وسائر الناس، هو زنا كله وفيه الحد.

وأما المالكيون، والشافعيون فعهدنا بهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف إذا وافق تقليدهم وهم قد خالفوا عمر رضي الله عنه ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، بل هم يعدون مثل هذا إجماعا، ويستدلون على ذلك بسكوت من بالحضرة من الصحابة عن النكير .

لذلك (فان قالوا) : ان أبا الطفيل ذكر في خبره انها قد كان جهدها الجوع ...
(قلنا لهم) : وهذا أيضا أنتم لا تقولون به ولا ترونه عذرا مسقطا للحد فلا راحة لكم في رواية أبي الطفيل مع أن خبر أبي الطفيل ليس فيه أن عمر عذرها بالضرورة بل فيه أنه درأ الحد من أجل التمر الذي أعطاها وجعله عمر مهرا .

وأما الحنيفيون المقلدون لابي حنيفة في هذا فمن عجائب الدنيا التي لا يكاد يوجد لها نظير ان يقلدوا عمر في اسقاط الحد ههنا بأن ثلاث حثيات من تمر مهر، وقد خالفوا هذه القضية بعينها فلم يجيزوا في النكاح الصحيح مثل هذا وأضعافه مهرا، بل منعوا من أقل من عشرة دراهم في ذلك فهذا هو الاستخفاف حقا، والاخذ بما اشتهوا من قول الصاحب حيث اشتهوا، وترك ما اشتهوا تركه من قول الصاحب إذا اشتهوا، فما هذا دينا وأف لهذا عملا، إذ يرون المهر في الحلال لا يكون الا عشرة دراهم لا أقل، ويرون الدرهم فأقل مهرا في الحرام، ألا ان هذا هو التطريق إلى الزنا، وإباحة الفروج المحرمة، وعون لابليس على تسهيل الكبائر، وعلى هذا لا يشاء زان ولا زانية أن يزنيا علانية الا فعلا وهما في أمن من الحد بأن يعطيها درهما يستأجرها به للزنا فقد علموا الفساق حيلة في قطع الطريق بأن يحضروا مع أنفسهم امرأة سوء زانية وصبيا بغاء ثم يقتلوا المسلمين كيف شاءوا ولا قتل عليهم من أجل المرأة الزانية والصبي البغاء، فكلما استوقروا من الفسق خفت اوزارهم وسقط الخزي والعذاب عنهم ثم علموهم وجه الحيلة في الزنا، وذلك ان يستأجرها بتمرتين وكسرة خبز ليزني بها ثم يزنيان في أمن وذمام من العذاب بالحد الذي افترضه الله تعالى.

ثم علموهم الحيلة في وطئ الأمهات والبنات بأن يعقدوا معهن نكاحا ثم يطؤنهن علانية آمنين من الحدود.

ثم علموهم الحيلة في السرقة أن ينقب أحدهم نقبا في الحائط ويقف الواحد داخل الدار والآخر خارج الدار، ثم يأخذ كلما في الدار فيضعه في النقب، ثم يأخذه الآخر من النقب ويخرجان آمنين من القطع.

ثم علموهم الحيلة في قتل النفس المحرمة بأن يأخذ عودا صحيحا فيكسر به رأس من أحب حتى يسيل دماغه ويموت ويمضي آمنا من القود ومن غرم الدية من ماله.

ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذه الاقوال الملعونة وما قال أئمة المحدثين ما قالوا باطلا ونسأل الله السلامة ولو أنهم تعلقوا في كل ما ذكرنا بقرآن أو سنة لاصابوا بل خالفوا القرآن والسنة وما تعلقوا بشئ الا بتقليد مهلك ورأي فاسد واتباع الهوى المضل
.

قال أبو محمد رحمه الله: وحد الزنا واجب على المستأجر والمستأجرة بل جرمهما أعظم من جرم الزاني والزانية بغير استئجار لان المستأجر والمستأجرة زنيا كما زنى غير المستأجر ولا فرق، وزاد المستأجر والمستأجرة على سائر الزنا حراما آخر وهو: أكل المال بالباطل.

وأما المخدمة فروي عن ابن الماجشون صاحب مالك أن المخدمة سنين كثيرة لا حد على المخدم إذا وطئها وهذا قول فاسد ومع فساده ساقط ، أما فساده فاسقاطه الحد الذي أوجبه الله تعالى في الزنا، وأما سقوطه فتفريقه بين المخدمة مدة طويلة والمخدمة مدة قصيرة ويكلف تحديد تلك المدة المسقطة للحد التي يسقط فيها الحد فان حد مدة كان متزيدا من القول بالباطل بلا برهان، وان لم يحد شيئا كان محرما موجبا شارعا مالا يدري فيما لا يدري وهذه تخاليط نعوذ بالله منها، والحد كامل واجب على المخدم والمخدمة ولو أخدمها عمر نوح في قومه لانه زنا وعهر من ليست له فراشا ، وبالله تعالى التوفيق ...

ثم قال ابن حزم:

مسائل من نحو هذا:
قال علي: من زنى بامرأة ثم تزوجها لم يسقط الحد بذلك عنه لان الله تعالى قد أوجبه عليه فلا يسقطه زواجه إياها وكذلك إذا زنى بأمة ثم اشتراها وهو قول جمهور العلماء.
وقال أبو حنيفة: لا حد عليه في كلتا المسألتين.


قال أبو محمد رحمه الله: وهذه من تلك الطوام (فان قالوا) : كيف نحده في وطئ امرأته وأمته ؟
(قلنا لهم) : لم نحده في وطئه لهما وهما امرأته وأمته، وإنما نحده في الوطئ الذي كان منه لهما وهما ليستا امرأته ولا أمته، ثم يلزمهم على هذا الاعتلال الفاسد أن من قذف امرأة ثم تزوجها أن يلاعن ولا حد عليه وأنه إن زنى بها فحملت ثم تزوجها أو اشتراها أن يلحق به الولد والا فكيف ينفى عنه ولد امرأته منه أو ولد أمته منه ؟
(فان قالوا) : ليس ابن فراش .
(قلنا) : صدقتم ولذلك نحده على الوطئ السالف لانه لم يكن وطئ فراش .

قال أبو محمد رحمه الله: ولو زنى بامرأة حرة أو أمة ثم قتلها فعليه حد الزنا كاملا والقود أو الدية والقيمة لانها كلها حقوق أوجبها الله تعالى فلا تسقطها الآراء الفاسدة.

وروي عن أبي حنيفة أن حد الزنا يسقط إذا قتلها، فما سمع بأعجب من هذه البلية أن يكون يزني فيلزمه الحد فإذا أضاف إلى كبيرة الزنا كبيرة القتل للنفس التي حرم الله تعالى، سقط عنه حد الزنا نبرأ إلى الله تعالى من ذلك، ونحمده على السلامة منها كثيرا وبه نستعين .


انتهى كلام ابن حزم

المحلى لابن حزم - موقع الوراق