عقيدة العامة/ الأدِّلَة عَلى صِحَّةِ التَّوسُّل بِالنبي ص بعد وفاته..!!

18 أبريل 2010
131
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم،،،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

هذا بحث لأحد الأخوة السنة، وقمت بوضع بعض المصادر للبحث، وهذه هو:


الأدِّلَة عَلى صِحَّةِ التَّوسُّل بِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ بَعدَ وَفَاتِه

يتناول الآتي:
مَسْأَلة جَليلة في التَّوسُّل والوَسيلة

الأدِّلَة على عُمُوم التَّوسُّل

الأدِّلَة عَلى صِحَّةِ التَّوسُّل بِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ بَعدَ وَفَاتِه

التَّبَرُّك بآثَار رسُول الله صلَّى الله عَليه وسلَّم من الطَّعَام



مَسْأَلة جَليلة في التَّوسُّل والوَسيلة

قَالَ اللهُ تَعَالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ"
فَالخِِطابُ هُنَا للمُؤمنينَ الذِّين صَدَّقُوا اللهَ ورَسُولَهُ فيمَا أتَاهُم بِهِ رَسُولُ الله صلَّى اللهُ عَليه وسَلَمَ ِمن ِعندِ الله عزَّ وجَلَّ، وقَوْلُهُ " اتَّقوا اللهَ" يَقُولُ أجيبُوا الله فيمَا أمَرَكُم ونَهَاكُم، وحقِّقوا إيمَانَكُم وتَصديقَكم بِالصَّالِح ِمن أعمَالِكُم، "ابْتَغُوا إليه الوَسيلةَ" يقُول اطلُبُوا القُربَة إليهِ بالعمَل بِمَا يُرضيه، وأمَّا لفظُ الوَسيلَة يُرَادُ بِهِ ثَلاَثُ أمُورٍ، وهي كالأصُول يَتَفرَعُ عَنْهَا جَميعُ أنواع التَّوسُّل المَشْروعة.

الأمرُ الأوَّل:
يُرَادُ بِهَا القُربة، فَعنْ العلاّمة ابن جَرير الطَّبريّ رَحِمَه الله في كِتَابِه "جَامعُ البَيَان في تَفسير القرآن"، عندَ شَرحِهِ لهَذِهِ الآية قَالَ" الوسيلةُ هي القُربِة"، وبِنحو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَال أهْلُ التَأويل؛ فَعنْ مُجَاهد "وابتَغوا إليهِ الوَسيلة" قَالَ " هي القُربة". وعَن السَّدي "وابتَغُوا إليهَ الوَسيلة" قَال " هي المسألة والقُربَة"، وعَن قتَادة "وابتَغُوا إليهِ الوَسيلَةَ" أي تَقَرَّبُوا إليهِ بِطَاعتِهِ والعَمَلُ بما يُرضيه، وعن الحَسَن في قَولِهِ "وابتَغُوا إليه الوَسيلة" قَال"القُربة"؛ هذا مَا جَاء في التَفسير المُطَوَّل للطَّبري.

الأمْرُ الثَاني:
الوسيلة هي أعلى مَنِْزلة في الجنَّة، وهي مَنِزلةُ سيِّدنَا مُحَمَّد صلّى اللهُ عَليه (وآله) وسَلَّمَ والدَّليل على ذَلك قولهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ" ...... سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعتي".

أقول: راجعوا مثلاً: صحيح مسلم ج: 1 ص: 288: ح384، صحيح ابن خزيمة ج: 1 ص: 218: ح 418 ، مسند أبي عوانة 1 ج: 1 ص: 280: ح983، مسند أبي عوانة2 ج: 1 ص: 336، سنن البيهقي الكبرى ج: 1 ص: 409: ح1789، المعجم الأوسط ج: 9 ص: 133: ح9335، سند أحمد ج: 2 ص: 168: ح6568، الترغيب والترهيب ج: 1 ص: 114: رقم 389، عمل اليوم والليلة ج: 1 ص: 158: ح45، تهذيب الكمال ج: 17 ص: 30، تحفة المحتاج ج: 1 ص: 277: رقم224، المحلى ج: 3 ص: 148 وغيرها..!!

الأمرُ الثَالث:
الوسيلةُ هي مَا يُتوصَّلُ بِهِ إلى تَحصيل المَقصُود؛ قَال ابنُ كثير في تَفسيره لهذه الآية: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ" هي التي يُتَوصَّلُ بِهَا إلى تَحصيل المَقصود، أي كل مَا هُوَ مَحبوب ِعندَ اللهِ ومَشْروع بِكتَابِهِ وسُنَّةِ نَبيِّهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ يَجُوزُ التَّوسُّلُ بِهِ ولا حَرَج.

فقولُنَا كُلُّ مَا هُو مَحبُوبُ ِعند الله ومَشروع بِكتَابِهِ وسُنَّةِ رَسُولهِ يَجُوزُ التَّوسُلُ بِهِ، نعني بِذلك جَوازُ التَّوسُّل بِهِ؛ نَعني بِذَلكَ جَوَازُ التَّوسُّلُ بِالخَلقِ ولكِنْ على شَرطِ أنْ يَكُونَ ذَلك التَّوسُّلُ في حُدُودِ الشَّرع الكريم، والخلقُ صَنْفَان جَوْهرِّيٌ وعَرَضي، فَالجَوهري ِمثلُ الأنْبياء والمُرسَلين عليهم صلوَاتُ اللهِ وسَلاَمُهُ أجمَعين، وكذا الأوليَاءُ والصَّالحين رضوَانُ اللهِ عليهم، والعَرضي ِمثلُ أعمَال بَني آدم فإنَّها مَخْلوقةٌ بنصِّ القرآن الكريم لقَولِهِ تَعالى:" واللهُ خَلَقَكُم ومَا تَعمَلُون".

وبهذا النَّصِّ القرآني تَكُونُ الأعمَالُ مَخْلوقة كسَائر المخلُوقَات، وبِالصَالح ِمنْها يَجُوزُ التَّوسُّل كَمَا يَجُوزُ بالصَّالح منَ العِبَاد.

َومن الأدِّلَّة على جَواز التَّوسُّل بِمَا قُلنَاهُ؛ مَا جَاء عَنْ عُمرَ بن الخطَابِ - رَضي اللهُ عَنْهُ - قَال:" قَالَ رسُولُ الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ لَمَّا أذنَبَ آدمُ الذَنْبَ الَّذي أذْنَبَهُ رَفَع رَأسَهُ إلى العَرش فقَال أسألُكَ بحقِّ محمَّد صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ إلاَّ غَفرتَ لي فَأوحى إليهِ ومَن محمَّد صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ فقَال تَبَاركَ اْسمُك لَمَّا خَلقتَني رَفعتُ رَأسي إلى عَرشِك فإذَا فيه مَكتُوبٌ لا إلهَ إلاَّ الله مُحمَّد رَسُولُ الله فَعَلمتُ أنَّهُ ليسَ أحدٌ أعظَمُ قَدرًا ِممَّنْ جَعلتَ اسمَهُ مَعَ اسمك، فَأوحى اللهُ إليهِ يَا آدَمُ إنَّهُ آخِرُ النبيين ِمنْ ذُرِّيَّتِكَ وإنَّ أُمَّتَهُ آخِرُ الأُمَم ِمن ذُرِّيَّتِكَ ولَولاهُ يَا آدَمُ مَا خَلقتُكَ".[ رَوَاهُ الطَبَراني وغَيْرُه. وِروَاية غَير الطبرَاني" وإذ تَشفعتَ إليَّ بِهِ فقد غَفرتُ لك]

قال حَاكم صحيح الإسناد، ورَواهُ البيهقي في كِتَابِه ِ"دلائل النُبُوَّة" وقَال صحيحُ الإسنَاد.

أقول راجعوا: المعجم الأوسط ج: 6 ص: 313: ح6502، المعجم الصغير ج: 2 ص: 182: ح992، وذكر ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد ج: 8 ص: 253، وغيرها..!!

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلاً أعمَى أتَى إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكشِفَ لي عَنْ بَصري قَال أوَ تَصبِر، وفي ِروَاية أوَ أدَعُكَ، قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنَّهُ شَقَّ عَليَّ ذَهَابُ بَصَري قَالَ فَانطَّلِقْ فَتَوَضَّأ ثُمَّ صَلِّ رَكعَتَين ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أسأَلُكَ وأتَوَجَّهُ إليكَ بِنَبِّيكَ مُحَمَّد نَبِّي الرَحمَة يَا مُحَمَّد إنِّي أتَوَجَّهُ بِكَ إلى رَبِّي في حَاجَتي لِتُقْضَى. الَّلهُمَّ شَفِّعهُ في . فَرجَع وقَد كَشَفَ اللهُ عَنْ بَصره".[ رَوَاهُ التِّرمذي وخَرَّجَهُ البُخَاري في تَاريخِه وابنُ مَاجَة والحَاكم في المُستَدرَك بإسناد صَحيح, وذكرَهُ الجلال السيوطي في الجَاِمع الكَبير والصغير]

أقول راجعوا مثلاً: المستدرك على الصحيحين ج: 1 ص: 700: ح1909 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأيضأً ج: 1 ص: 707: ح1930، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وإنما قدمت حديث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج: 2 ص: 279: روى الترمذي وابن ماجه طرفا من آخره خاليا عن القصة وقد قال الطبراني عقبة والحديث صحيح بعد ذكر طرقة التى روى بها، السنن الكبرى ج: 6 ص: 168: ح10494، ح10496، مسند أحمد ج: 4 ص: 138، المعجم الصغير ج: 1 ص: 306: ح508، المعجم الكبير ج: 9 ص: 30: ح8311، وقال عبد العظيم بن عبد القوي المنذري في الترغيب والترهيب ج: 1 ص: 272: ح1018 وقال : رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب والنسائي واللفظ له وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم وليس ثم الترمذي ثم صل ركعتين إنما قال فأمره أن يتوضأ فيحسن الدفع ثم يدعو بهذا الدعاء فذكره بنحوه، ورواه في الدعوات ورواه الطبراني وذكر في أوله قصة، قال الطبراني بعد ذكر الإشارة والحديث صحيح ، عمل اليوم والليلة ج: 1 ص: 417: ح658، ح660 ، وقال أبو العلا المباركفوري في تحفة الأحوذي ج: 10 ص: 24: هذا حديث حسن صحيح غريب وأخرجه النسائي وزاد في آخره، وقال أيضاً: أخرجه أيضا ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وزاد فيه...!!

ولَقَدْ ثَبتَ العَمَلُ بِهَذَا الحَديث بَعد وَفَاةِ النَّبي صلّى اللهُ عَليه (وآله) وسَلَّمَ وذَلِكَ أنَّ رَجُلاً كَانَ يَخْتَلِفُ إلى عُثْمَان بنِ عَفَّان - رَضي اللهُ عَنْهُ - في حَاجِةٍ لَهُ وكَانَ عُثْمَان لا يَلتَفِتُ إليهِ ولا يَنظُرُ في حَاجَتِهِ، فَلقي عُثمَانَ بنِ حَنيف فَشَكا ذَلكَ إليهِ فَقَالَ لَهُ عُثمَانُ بنِ حَنيف: إئتِ المَيضأةَ فَتَوضَّأ، ثُمَّ إئتِِِ المَسجِدَ فَصلِّ فيهِ رَكعَتين ثُمَّ قُلْ: الَّلهُمَّ إنِّي أسألُكَ وأتَوَجَّهُ إليكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ نَبِّي الرَّحمَة يَا مُحَمَّد إنِّي أتَوَجَهُ بِكَ إلى ربِّي فَيَقضي حَاجَتي وتَذَكر حَاجَتَك ورُحْ إليَّ حتىَّ أروحَ مَعَكَ، فَانطَلقَ فصَنعَ مَا قَال لَهُ ثُمَّ أتَى بَابَ عُثمَان بنِ عَفَّانَ فَجَاء البَوَابُ حتَّى أخَذَ بِيَدهِ فأدخَلَهُ على عُثمَان بنِ عُفَّان فَأجلَسَهُ مَعَهُ على الطُّنْفَسَةِ، وقَالَ مَا حَاجَتُك؛ فذَكَرَ حَاجَتَهُ فَقَضاهَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ مَا ذَكرتُ حَاجَتكَ حتَّى كانت هذه السَّاعة، وقَال مَا كَانتْ لكَ ِمنْ حَاجَةٍ فَأتِنَا، ثمَّ إنَّ الرَّجلَ خَرجَ منْ عِنَدِهِ فَلقيَ عُثمَانَ بن حَنيف فَقَالَ لهُ "جَزاكَ اللهُ خَيرًا مَا كَانَ يَنظُرُ في حَاجتي ولا يَلتَفتُ إليَّ حتَّى كَلَّمتَهُ فيَّ، فقَال عُثمَانُ بن حَنيف واللهِ مَا كَلَّمتهُ، ولكِنْ شَهدتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهِ عَليه وسَلمَ وقَدْ أتَاهُ رَجُل ضَريرٌ فشَكا إليهِ ذَهَابَ بَصَره فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ أوَ تَصبر فقَالَ يَا رَسوُل اللهِ إنَّهُ لَيس لي قَائد وقَد شَقَّ عليَّ، فقَال لهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ إئتِ المَيضأةَ فَتَوضأ ثُمَّ صَلِّ رَكعتين ثُمَّ ادْعُ بهذِهِ الدَّعوات، فَقَال عُثمَانُ بن حنيف:" فَواللهِ مَا تَفَرَّقنَا، وطَال بِنَا الحَديثُ حتَّى دَخَلَ عَلينَا الرجُلُ كَأنَّهُ لمْ يَكُنْ بِهِ ضرٌّ قَط؛ قَال الطَبَراني، بعد ذِكِْر طُرقِهِ، والحديث صَحيح.

وعَن بِلال - رَضي اللهُ عَنْهُ - مُؤذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ قَالَ كَان رَسُولُ الله صَّلى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ إذا خَرَجَ إلى الصَّلاَة قَالَ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وبِحَقِّ مَخرَجِي هذَا فإنِّي لَمْ أخرُج بَطرًا وَلا أشِرًا ولا ِريَاءً ولا سُمْعةً خَرجتُ أبتَغي مَرْضَاتِك واتِّقَاء سَخَطِكَ أسألُك أنْ تُعيذَني ِمنَ النَّار وأنْ تُدخِلني الجنَّة وكانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يُعَلِّمُ هَذا الدُّعَاء أصْحَابَهُ ويَأمُرَهُم بِالإتيَان بِهِ؛ فَقد رَوى ابنُ مَاجة بِإسنَاد صَحيح عَنْ أبي سَعيد الخُدري - رَضي اللهُ عَنْهُ - قَال:" قَال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ مَنْ خَرَجَ ِمنْ بَيتِهِ إلى الصَّلاَة فَقَال: الَّلهُمَّ إنِّي أسألُكَ بِحَقِّ السَّائلينَ عَليكَ وأسألكَ بِحَقِّ مَمْشَايَِ هَذا إليكَ فَإنِّي لَم أخْرُج أشَرًا ولا ِريَاءً ولاسُمعَةً، خَرَجتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ وابتِغَاءَ مَرضَاتكَ فأسأَلُكَ أنْ تُعيذَني ِمنَ النَّار وأنْ تَغفِرَ لي ذُنُوبي فإنَّهُ لا يَغفِرُ الذُنُوبَ إلاَّ أنْتَ، أقْبَلَ اللهُ عَليهِ بِوَجْهِهِ واستغفَرَ لَهُ سَبعُونَ ألفَ مَلِك".

ورَوى البَيهَقي وابنُ أبي شَيبَة بإسنَاد صَحيح " أنَّ النَّاسَ أصَابَهُم قَحَط في خِلافةِ عُمَرَ - رَضي اللهُ عَنْهُ - فَجَاء بِلالُ بنِ الحَارث - رَضي اللهُ عَنْهُ - إلى قَبر رَسُول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ وقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ استَسقِ لأمَّتِكَ فَإنَّهُمْ هَلَكوا، فَأتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ في المَنَام فَأخْبَرَهُ أنَّهُم يُسقَون". فَإتيَانُ هذا الصَحَابي الجليل لقبِر النَّبي صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَمَ ونِدَاؤُهُ لَهُ وطَلَبهُ أنْ يستَسقي لأمَّتِهِ دَليل على أنَّ ذَلكَ جائز، وهُوَ مَوضعُ الاستدلال بِعَمل هذا الصَّحابي على صِّحةِ التَّوسُّل بِهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ سَواء في حَيَاتِهِ أو بعد وفَاتِهِ، وقَد تَوَسَّلَ بِهِ أبُوهُ آدم قَبْلَ وجُودِه صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ حينَ أكَل ِمنَ الشَّجَرَة الَّتي نَهَى اللهُ عَنْهَا، كَما تَقدَّمَ في الحديث. وقَد ثبتَ أيضًا التَّوسُّلُ بِهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ في قِصَّةِ الرَّجُل الَّذي كَانَ يَختَلفُ إلى عُثمَان بنِ عَفَّان - رَضي اللهُ عَنْهُ - في حَاجَةٍ لَهُ، وأنَّهَا لَمْ تُقض إلاَّ بَعد التَّوسُّل بِهِ صلَّى الله ُعَليه وسَلَّمَ وكذا قِصَّةُ بِلال بن الحَارث - رَضي اللهُ عَنْهُ - أنَّهُ لَمَّا أصَابَ النَّاسَ قَحطٌ في خِلافةِ عُمَرَ - رَضي اللهُ عَنْهُ - أتى إلى قَبِر النَّبيِّ صلَّى الله ُعَليهِ وسَلَّمَ وتَوَسَّلَ بِهِ قَائلاً:" يَا رَسُولَ الله استَسق لأُمَّتِكَ فَإنَّهُم هَلَكُوا فَأتَاهُ رَسُولُ اللهِ في المَنَام وأخْبرَهُ أنَّهُم يُسقَونَ".


الأدِّلَّة على عُمُوم التَّوسُّل

و ِمنً الأدِّلَّة على عُمُوم التَّوسُّل تَوَسُّلُهُ هُوَ نَفسُهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ بِالأنبِيَاء ِمن قَبلهِ في قِصَّةِ فَاطمة بنتِ أسَد - رَضي اللهُ عَنْهَا - التي رَواهَا الطَّبَرَاني في" الكبير الأوسط" وابنُ حبَّان والحَاكم وصحَّحُوه عَنْ أنس بنِ مَالك - رَضي اللهُ عَنْهُ - قَال:" لمَّا مَاتت فَاطِمةُ بنتُ أسَد - رَضي اللهُ عَنْهَا - وكَانَتْ رَبَّتْ النبي صلىَّ اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ وهي أمُّ علي بن أبي طَالب - رَضي اللهُ عَنْهُ - دَخَلَ عَليهَا رسُولُ اللهِ صلَّى الله ُ عَليه و سَلَّمَ فَجَلَسَ ِعند رأسِهَا، فَقَال: "رَحمَكِ اللهُ يا أمِّي بَعدَ أمِّي و ذَكَرَ ثَنَاءَهُ عَليهَا وتَكفينَهَا بِبُردِهِ وأمَرَهُ بِحفِر قَبِْرهَا، قَال فَلمَّا بَلغُوا اللَّحدَ حَفَرهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ بيدهِ و أخرَجَ تُرابَهُ بيَدهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ فاضطَّجَعَ فيهِ ثُمَّ قَالَ: اللهُ الَّذي يُحي ويُميتُ وهُو حيٌّ لا يَمُوتُ أغْفر لأمِّي فَاطمة بنتِ أسَد وَوَسِّع عَليهَا مَدخَلَهَا بِحقِّ نَبيِّكَ والأنبياء الَّذين من قَبلي فَإنَّكَ أرحمُ الرَّاحمين".

ورَوى ابنُ أبي شَيبة عَنْ جَابر - رَضي اللهُ عَنْهُ - ِمثلُ ذَلك وكَذا روى ابنُ عَبد البَّرْ عَنْ ابن عبَّاس - رَضي اللهُ عَنْهُمَا - ذَكَرَ ذَلكَ كُلَّهُ الحَافظُ السَّيوطي في "الجَامِع الكَبير". و ِمنْ ذَلكَ تَوسُّلهُ صلّى اللهُ عَليه (وآله) وسَلَّمَ ِبحَقِّ السَّائلينَ على اللهِ عزَّ وجَل، فَإنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ إذا خَرَجَ إلى الصَّلاَة قَالَ "بِسم اللهِ آمَنْتُ ِباللهِ وتَوَكَّلتُ عَلى اللهِ ولا حول ولا قُوَّة إلاِّ ِباللهِ. اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ ِبحقِّ السَّائلينَ عَليْكَ و ِبحَقِّ مَخْرَجي هَذَا....." إلى آخر الحَديث. و أمَّا التَّوسُّلُ ِبالأولِيَاء والصَّالحينَ فَهُوَ جَائز ِمثلُ جَواِزهِ ِبالأنْبياء والمُرسَلين صَلَوَاتُ اللهِ وسَلامُهُ عَليهم أجمَعين. و قَد بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ذَلكَ وأوضَحَهُ غَايَةَ الوُضُوح عَلى يَدِ عُمَرَ - رَضي اللهُ عَنْهُ - في تَوسُّله ِبالعبَّاس - رَضي اللهُ عَنْهُ - عَمِّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ إذْ قَالَ في الاستسقَاء " الّلهُمَّ إنَّا كُنَّا إذا أجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إليكَ ِبنَبيِّنَا فاسقِناَ ......" إلى آخِر الحَديث.

اقول: راجعوا صحيح البخاري ج: 1 ص: 342: ح964 ، وأيضاً في ج: 3 ص: 1360: ح3507، سنن البيهقي الكبرى ج: 3 ص: 352: ح6220، الطبقات الكبرى ج: 4 ص: 29.

ففي هَذِهِ القِصَّة فَائدَتَان:

الفَائِدة الأُولى:
هيَ أنَّ قَولَهُ - رَضي اللهُ عَنْهُ - " إنَّ كُنَّا نَتَوسَّلُ إليكَ ِبنَبيِّنَا" يُفيدُ أنَّ الصَّحَابة - رَضي اللهُ عَنْهُم- كَانُوا يَتَوسَّلوُنَ ِبالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ في حَيَاتِهِ.

الفائدة الثَانية:
هيَ إثْبَاتُ التَّوسُّل بغير النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ؛ والدَّليل عَلى ذَلكَ قَوْلُ عُمَر - رَضي اللهُ عَنْهُ - " ...وإناَّ نَتوَسَّلُ إليكَ ِبعمِّ نَبيِّنَا فَاسقِناَ". قَال الشَّيخُ يُوسُف إسمَاعيل النبَهَاني: " إنَّمَا استَسقى عُمَرُ - رَضي اللهُ عَنْهُ - ِبالعَبَّاس ولَمْ يستسقي ِبالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ ليُبَيِّنَ للنَّاس أنَّ التَّوسُّل ِبغير النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ جَائزْ ولا حَرَجَ فيهِ؛ لأنَّ الاستِسقاء بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ كَانَ مَعلومًا عِندَهُم. فَلَرُبَّمَا يَتَوهَّمُ بَعضُ النَّاس أنَّهُ لا يَجُوزُ الاستسقَاء ِبغير النَّبي صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ فَبيَّنَ لَهُم عُمَرُ - رَضي اللهُ عَنْهُ - الجَوَاز.

ولا يَصِحُّ أنْ يُقَال إنَّمَا استسقى ِبالعبَّاس ولَمْ يَستسق ِبالنَّبيِّ صلّى اللهُ عَليه (وآله) وسَلَّمَ لأنَّ العبَّاس حيٌّ والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ قَدْ مَات؛ لأنَّ الاستِسقَاء إنَّمَا يَكُونُ ِبالحيِّ، فهذا القَولُ باطِلٌ مَردُودٌ بأدِّلَّة كثيرة؛ ِمنْهَا تَوسُّلُ الصَّحَابة - رَضي اللهُ عَنْهُم بِهِ بَعد وفَاتِهِ كَما تَقدَّمَ في القِصَّة التي رَوَاهَا عُثمان بنُ حَنيف - رَضي اللهُ عَنْهُ - و كَمَا في حَديث ِبلال بن الحَارث المُتقدِّم ، وكَذَا تَوسُّل آدم الَّذي رَواه عُمَر - رَضي اللهُ عَنْهُ - كَمَا تَقَدَّم. فكيف يُعتقَدُ عَدَم التَّوسُّل أو عَدَم صِحتِّه بَعد وفَاتِهِ. وقَدْ صحَّ التَّوسُّل ِبهِ صلّى اللهُ عَليه (وآله) وسَلَّمَ في حَيَاتِهِ وبَعدَ وفَاتِهِ، وأنَّهُ يَجُوزُ التَّوسُّل أيضًا ِبغيره ِمن الأخيَار كَمَا فَعَلهُ عُمر - رَضي الله ُ عَنْهُ - حينَ استَسْقَى ِبالعبَّاس - رَضي اللهُ عَنْهُ - وذلك من أنواعِ التَّوسُّل كَمَا تَقَدم" ...انْتَهى كلامُ الشَّيخ النَّبَهَاني.

و قَال في مَوضع آخِر، أعني الشَّيخ النَّبَهَاني:" والحَاصِل أنَّ مَذهب أهِل السُّنَّة والجمَاعَة على صِحَّة التَّوسُّل وجَوَازُه ِبالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ في حَيَاتِهِ وبَعدَ وَفَاتِهِ، وكَذَا بِغيره ِمن الأنبيَاء والمُرسلين والأوليَاء والصَّالحين كمَا دلَّت عَليهِ الأحَاديث السَّابقة لأنَّنَا مَعَاشِر أهل السُّنَّة لا نَعتَقِدُ تَأثيرًا ولا خَلقًا ولا إيجَادًا ولا إعْدَامًا ولا نَفْعًا ولا ضَرًا إلاَّ للهِ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ. فَلا نَعتقِدُ تَأثيرًا و لا نَفعًا ولا ضَرًّا للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ، ولا لغيره ِمنَ الأحيَاء والأموَات.

فَلا فَرقَ في التَّوسُّل ِبالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ وغَيره ِمنَ الأنبياء والمُرسَلين صَلواتُ الله عَليهم أجْمَعين، وكَذَا ِبالأوليَاء الصَّالحين، لا فَرقَ بَينَ كَوْنِهم أحيَاءً أو أموَاتًا؛ لأنَّهُم لا يَخلُقُونَ شيئًا ولَيسَ لَهُم تَأثير في شيء، وإنَّمَّا يُتَبَرَّكَ ِبهم لِكَوِنهم أحِبَّاءُ اللهِ تَعَالى. والخَلقُ والتَأثيرُ للهِ وَحدَه لا شَريكَ لَهُ.


الأدِّلَة عَلى صِحَّةِ التَّوسُّل بِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ بَعدَ وَفَاتِه

ذَكَرَ العلاَّمَةُ السَيِّد السَّمهُودي في "خُلاصةُ الوَفَا" حَيثُ قَالَ:" رَوى الدَّارمي في صَحيحهِ عنْ أبي الجَوزَاء قَالَ: "قَحِطَ أهْلُ المَدينة قَحطًا شَديدًا، فَشَكوا إلى عَائشة - رَضي اللهُ عَنْهَا - فقَالت: انظُروا إلى قَبِْر رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ فَاجعَلوا ِمنْهُ كوة إلى السَمَاء حتَّى لا يَكُون بيْنَهُ و بين السَّمَاء سَقْفٌ فَفعَلوا فَمُطروا حتَّى نَبَتَ العُشبُ وسَمَنت الإبلُ حتَّى تَفَتقت ِمنَ الشَّحم فَسُمِّيَ عَامُ الفتق. وقَال العلاَّمةُ المَرَاغي: " وفَتحُ الكوَّة عِنْدَ الجَدْبِ سُنَّةُ أهلِ المدينة يفتَحُونَ كوَّة في أسفَل الحُجرة وإن كَانَ السَّقفُ حَائلاً بينَ القَبر الشَّريف والسَّمَاء. قَالَ السَّيِّد السَمهُودي:" وسُنَّتهُمْ اليَوم فتحُ البَاب المُوَاجه للوَجهِ الشَّريف والاجتِمَاع هُنَاكَ، ولَيسَ القصدُ إلاَّ التَّوسُّلُ ِبالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ إلى رَبِّهِ لِرفعَةِ قَدرهِ عِندَ الله تَعالى". وقَالَ أيضًا السَّيِّد السَّمهُودي في "خُلاصةُ الوفَا " :" التَّوسُّلُ والتَشَّفعُ بِه صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ وبِجَاهِهِ وبَرَكَاتِه من سُنَن المُرْسَلينِ وسيرَة السَّلف الصالحين".

وفي" المَوَاهب الَّلدنيَّة" للإمَام القسطَلاني :"عنْ الحَسَن البصري رضي الله عَنْهُ قال: وَقَفَ حاتمُ الأصَّم على قَبره صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ فقَال يَا ربِّ إنَّا زُرْنَا قَبرَ نَبيِّكَ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ فَلا تَرُدَّنَا خَائبين فَنُوديَ : يَا هذا مَا أذِّنَّا في الزيَارة لقبْر حَبيبنَا إلاَّ وقَدْ قَبلنَاكِ فارجِعْ ومَنْ مَعَكَ منَ الزُّوَّار مَغْفورًا لَكُم. وينْبَغي أنْ يَكُونُ ذَلكَ التَّوسُّل مَعَ الآداب الكاِملَة واجتِنَاب الألفَاظ المُوهَمة بتأثير غير الله".

و منْ أدِّلَّة جَواز التَّوسُّل قِصَّة بنُ قَارب - رَضي اللهُ عَنْهُ - الَّتي رَواهَا الطبراني في "الكبير" وفيهَا أنَّ سَوادَ بن قَارب - رَضي اللهُ عَنْهُ - أنْشَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ في قَصيدته الَّتي قَال فيهَا:

فَأشهَدُ أنَّ اللهَ لا رَبَّ غَيرَهُ ، وأنَّكَ مَأمُونٌ عَلى كُلِّ غَائب ، وأنّكَ أدنى المُرسلين وسيلةً ، إلى الله يَا ابنَ الأكرمين الأفَاضلُ ، فَمُرنَا بِمَا يَأتيكَ يَا خَير مُرسَلٍ ، و إنْ كَانَ فيمَا فيه شَيبَ الذَوائبُ ، و كُنْ لي شَفيعًا يَومَ لا ذُو شَفَاعةٍ ، بمغن فَتيلاً عَنْ سَواد بن قَارب

ِلَمْ يَنْكُر عَليه رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ قَولَهُ " أدنَى المُرسَلين وسيلَةً"؛ وقَولَهُ " كُنْ لي شَفيعًا".

وكذا ِمنَ أدِّلَّةِ التَّوسُّل مَا ذَكَرَهُ العَلاَّمةُ ابنُ حجر في كتَابِهِ المُسمَّى " الصواعق المُحرِّقة لأهْلِ الضَّلاَل والزَندقَة" أنَّ الإمَامُ الشَافعي - رَضي الله ُ عَنْهُ - توسَّلَ بِأهلِ البيتِ حَيثُ قَال:


آل البَيتِ ذَريعتي*** وهُم إليهِ وَسيلَتي
أرجو بِهم أُعطى*** غدًا بِيدِ اليمين صَحيفتي


وفي المَوَاهب أتلد نِّيَّة" رَثَتْهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ عَمَّتُهُ صَفيِّةُ بِمرَّاتٍ كثيرة؛ قَالت في مَطلَع قصيدة لهَا:

ألا يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ رَجَاؤنَا وكُنْتَ ِبنَا بَرًّا ولَمْ تَكُنْ جَافيًا

ففي هذا البيت نِدَاؤُهُ بعدَ وفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ ولَمْ يُنكِر عَليْهَا أحَد منَ الصَّحَابة ِرضوانُ اللهِ عليهم مَعَ حُضُورهِم.

وذَكَرَ الفُقَهَاء في آداب السَّفَر: "إنَّ المُسَّافر إذا انْفلَتت دَابَتُهُ بِأرضٍ لَيسَ فيهَا أنيس، فليقُل: يَا عِبَاد اللهِ احبِسُوا، وإذَا أضَّلَ شيئًا أو أرادَ عوْنًا فَليقُل: يَا عِبَادَ اللهِ أعينُوني أو أغيثُوني- فإنَّ لله عِبَادًا لم نَراهُم، واستَدلَّ على ذَلكَ بِمَا روى ابنُ السني عن عبدِ اللهِ ابنِ مسْعُود - رَضي اللهُ عَنْهُ - قَال :" قَال رسُولُ الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم:" إذا انْفَلَتَت دَابةُ أحَدِكُم ِبأرض فُلاة فليُنَادي يَا عِبَاد اللهِ احبِسوا فإنَّ للهِ عِبَادًا يُجيبُونَه".

فَفي هَذا الحَديث نِداء وطَلَبُ نِعَم التَسبُب في ذلكَ ِمن عِبَاد اللهِ الَّذين لَمْ يُشَاهدهُم. وفي حديث آخر أنَّهُ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قالَ:" إذَا أضَلَّ أحَدُكُم شَيئًا أو أرادَ عَوْنًا، وهُو ِبأرضٍ ليسَ فيهَا أنيس فَليَقُل: يَا ِعبَادَ الله أعينُوني" وفي ِروَاية "أغيثُوني..؛فإنَّ للهِ عِبَادًا لا تَرونَهُم".

أقول رَوَاهُ الطبرَاني، و قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج: 10 ص: 132: رواه الطبراني ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم إلا ان يزيد بن علي لم يدرك عتبة، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ينوي الشجر فإذا اصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله رواه الطبراني ورجاله ثقات..إنتهى..!!

وقَال ابنُ حجر في حَاشيتِهِ " إيضَاحُ المَسَالك" : "وهُو مُجرَب كَما قَالَ الرَّّاوي"..إنتهى..!!


التَّوسُّل بالعمل الصالح

وأمَّا التّوسُّل بالعَمَل الصَّالِح فَهُو جَائزٌ وقَدْ ثَبَتَ العَمَلُ بِهِ وتَحَقَّقَ نَفْعُهُ وفَائدَتُهُ؛ وذَلك مَا رَواهُ البُخَاري ومُسلم في صَحيحَيهمَا:-

عنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضي اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ يَقُولُ:"انطَلَقَ ثَلاثةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلا مَالاً فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُِرحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهلاً أَوْ مالاً فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ وَقَالَ الآخرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إلاَّ بِحَقِّهِ فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذي أَعْطَيْتُهَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الإبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْتَهْزِئُ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ ".

أقول راجعوا: صحيح البخاري ج: 2 ص: 793: ح2152، كرامات الأولياء ج: 1 ص: 84: رقم30 ، الترغيب والترهيب ج: 1 ص: 21: الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة رقم1 ، وأيضاً في ج: 3 ص: 193: رقم 3640، صحيح مسلم ج: 4 ص: 2099: باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال: ح 2743، صحيح ابن حبان ج: 3 ص: 178: ح897، مسند أبي عوانة 1 ج: 3 ص: 421: ح5549، ح5553، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج: 8 ص: 143: رواه البزار والطبراني في الأوسط بأسانيد ورجال البزار وأحد أسانيد الطبراني رجالهما رجال الصحيح، سنن البيهقي الكبرى ج: 6 ص: 117: ح11420، مسند أحمد ج: 2 ص: 116: ح5973، كناب الدعاء ج: 1 ص: 242: ح72، مسند الروياني ج: 1 ص: 197: ح265..!!

وبعد تَقديم مَا تيسَّر لَنَا من النُّصُوص في التَّوسُّل والأدِّلَّة الصَّحيحة على مَشروعيتِهِ؛ نَختمُ هذا البَاب بكلمةٍ وجيزة حول التَّبرُكْ ِبآثاره صلَّى اللهُ عَليه وسلَّم في حَيَاتِهِ وبعد وفَاتِهِ لارتِبَاطِهِ المَتِّين- أيْ التَّبرُّك بالتَّوسُّل.

فالتَّبرُك بشعِره صلَّى اللهُ عَليِهِ وسَلَّم وعَرَقِهِ ونُخَامه ووضُوئِه وأثَار أصَابِعه ِمنَ الطَّعَام بَعدَ فَرَاغِه مِنْهُ. فَكلُّ هذه الأصنَاف قد ثبَتَ التَّبرُّك ِبهَا وذلك بالنُّصوص الصَّحيحة التِّي جَرى بِهَا عَمَلُ الصَّحَابة في حَيَاتِه صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ وبَعد وفَاتِهِ.

فَمِنْ ذَلك مَا رواهُ البُخَاري في صَحيحهِ؛ عنْ إسرَائيل بن يُوسف عَنْ عُثمَان بن عَبد بن موهب قال:" أرسَلَني أهلي إلى أُمِّ سَلَمَة زوج النَّبيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثلاثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ فَاطَّلَعْتُ فِي الْجُلْجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا".

قال القسطلاني في شَرح هذا الحديث:" والحاصلُ من معنى الحديث أنَّهُ كانَ عند أمِّ سَلَمة شَعَراتٌ من شَعر النَّبيِّ صلَّى الله عَليه وسَلَّمَ حمر في جُلجُل لَهَا. والجُلجُل: وعَاءٌ بشبْهِ القَارورة يُحْفَظُ فيهِ مَا يُرَادُ صِيَانَتُهُ، وكانَ النَّاسُ يشتَفُون بهَا يعني الشعرَات من المَرَض. فتَارةً يَجعَلُونَها في قَدح من ماءٍ ويشرَبُونَهُ وتارةً في إجانة من الماء فيجلسوُنَ في المَاء الَّذي فيه الجُلجُل الَّذي فيه شعرُهُ الشَريف"....انتهى. يَعني أنَّهُم كَانُوا إذَا أصَابَ أحدَهُم عينٌ أو أصَابَهُ أيُّ مَرض أُرسِلَ إليهَا- أم سَلَمة - إنَاءًا فيه مَاءٌ فجعَلَت الشَعرَات في المَاء ثُمَّ أخَذوا الماءَ يَشرَبُونَهَ أو يَغسِلُونَ بِه تَوسُّلاُ للاستِشفَاء والتَّبرُّكِ.

و ِمن بين الأحاديث الصَّحيحة في هذا البَاب مَا روَاهُ البُخاري أيضًا في صَحيحه؛ في القِصَّة الطويلَة التِّي ذَكَرَهَا في صُلح الحُديبيَة عَنْ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ بن الحَكَم ؛ وفي القصَّة:".....فَواللهِ مَا تَنَخَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ نُخَامَةً إلاَّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، و إذا أمَرَهُم ابتَدروا أمرَهُ وإذا تَوضَّأ كادوا يَقتَتِلون على وضُوئِهِ و إذَا تَكلَّمَ خَفِظوا أصوَاتَهُم عِنْده و مَا يَحُدُّون إليه النظَرَ تَعظيمًا لَهُ".

وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ نِطَعًا فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ قَالَ فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ قَالَ فَجُعِلَ فِي حَنُوطِه.

أقٌول اجعوا: صحيح البخاري ج: 5 ص: 2316: ح 5925..!!

ولفظه " أنَّهُ صلَّى اللهُ عَليه وسلَّمَ كان يَدخُلُ بيتَ أمِّ سُلَيْم فَيَنَام على فِرَاشهَا ولَيْست هي في البيت، فَجَاءت ذَاتَ يَوم فنَام على فِرَاشِها فجَاءت أمُّ سُلَيم وقَدْ عَرَقَ رسُولُ الله صلَّى اللهُ عَليه وسلَّمَ واستَنْقَعَ عَرَقُهُ على قِطعة أديم على الفِراش، ففَتحتْ عتيدَتَهَا فجَعلَت تُنَشِّفُ ذَلك العرقَ فَتَعصِرُهُ في قَواريرهَا، فَأفاقَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَليه وسلَّمَ فَقَال:" مَا تصنعينَ يَا أمَّ سُلَيْمٍ فقالت نَرجُو بَرَكَتَهُ لِصبيَانِنَا قال أصبَتِ".

ففي هذه الأحاديث فَوائد كثيرةٌ نَذكُرُ منْهَا فائدَتان:

الفائدةُ الأولى:
هي إنَّ الَّذي يَبْدو جَليًّا من خِلال هذه الأحَاديث هُو أنَّ الصَّحابة لَم يكونوا يَسْتَشيرونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عَليه وسلَّمَ في التَّبرك ِبآثَاره ولَم يسألُوه عن ذلك بَل كانوا يَفعَلُونَهَ من تِلقَاء أنفُسهِم بِدافعٍ إيمَاني قوي ِملؤهُ المحبَّة الصَّادقة لرسول الله صلَّى اللهُ عَليه وسلَّمَ والتَعظيمُ اللاَّئقُ بِسُمُوِّ مَقَامهِ ورفيع مَكانتِه عند الله عزَّ وجلَّ وحده لا شَريكَ لَهُ. وهُم مَع عِلمهم هذَا يَعلمُون يَقينًا أنَّ غَيرَ الله تَعَالى لا يَملِكُ ضَرًّا ولا نَفعًا ولا تَأثيرًا ولا إيجَادًا ولا إعدَامًا؛...إلى آخر ذلك.

إذن ففعلُ التَّبرُك طَلبًا للخير والبَرَكة ودفْعًا للضرِّ وجَلبًا للنَّفع إذا صَدرَ من مُؤمن عَارف بشُؤون إيمَانِهِ وعقيدتهِ و معنى ذَلك أنْ يَكُونَ هذا المُؤمن حينَ تبَرُكِهِ بشيء ممَّا سبَقَ ذِكرُهُ يَرى أنَّ مَا يَفعَلُهُ من التَّبرُّك هو سَببٌ منَ الأسبَاب فَقَطْ والله هو الضَّار النَّافِعُ وأنَّ في عَمَلِه هذا خَيرٌ وبَرَكة ونَفعٌ، لأنَّهُ ِمنْ عَمَل الصَّحَابة - ِرضوان الله عَليهِم- خُصُوصًا وقَد أقَرَّهُ سيِّدُ المُرسَلين صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ الَّذي قَال في حَقِّه رَبُّ العَالمين

" مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى و َمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى" يَعني أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ لا يَصدُرُ ِمنْهُ شَيءٌ ِمنَ التَّشِْريعُ إلاَّ ِبإذن اللهِ تعَالى سَواءٌ كَان ذلك التَّشِْريعُ قَولاً أوْ فِعلاً أو إقْرَاراً والتَّبَرُّكُ مِمَّا أقَرَهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ، يَكفي دَلالةً في إقرَارهِ قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ لأُم سُلَيم حينَ كَانتْ تُنَشِّفُ عَرَقَهُ و تَعْصِرُهُ في قَوَاريرهَا؛ " مَا تَصْنَعينَ يَا أمَّ سُلَيم فقَالت يَا رسُولَ اللهِ نَرجُو بَرَكَتَهُ لصبيَانِنَا، قَالَ لَهَا:" أصبْتِ".

والحِكمةُ هُنَا هي أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ لَمْ يُخْبِرهَا بالإصَابة في عَمَلِهَا، إلاَّ بَعد أنْ استَفسَرَ عَنْ قَصدهَا ونِيَّتِهَا، فَلو كانَت نِيَّتُهَا لغَير اللهِ لأنكَرَ عَليهَا و نَهَاهَا عن صَنيعِهَا ذَلك، ولَكِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ لَمَّا أرَادَ أنْ يُبَشرُهَا بالإصَابةِ في قَصدِهَا سَألَهَا عَنِ السبَبِ الَّذي دَفعَهَا لجَمع عَرقِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ ثُمَّ بَشَرهَا بأنَّهَا على صَواب. إنَّه قَد صَدَرَ عَنْهُ ِمثْلُ ذَلك مَعَ أصحَابِهِ فيمَا رَواهُ الإمَامُ مُسلم في صحيحِهِ؛ عن مُعَاوية - رَضي اللهُ عَنْهُ - أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ خَرَجَ على حَلقَةٍ منْ أصحَابِهِ في المَسجِد، فقَال مَا أجلَسَكُم، قالوا جَلسنَا نَذكُرُ الله ونَحمَدُهُ علَى مَا هَدَانا للإسلاًم و منَّ عَليْنَا، قال آلله مَا أجْلَسَكُم إلاَّ ذلِكَ؛ قَالوا آلله مَا أجْلَسَنَا إلاَّ ذَلك فقَالَ لهُم أمَا إنِّي لَمْ أستَحلِفكُم تُهمَةً لَكُم ولكِنَّهُ أتَاني جِبريلُ فَأخبَرَني أنَّ الله يُبَاهي بِكُم المَلائكة".

وهَكَذا تَكُون حقيقةُ الإقْرَار: أنَّهَا تَكُونُ بعد الإطِّلاع على القَصدِ ِمنَ العمَل. و قَدْ يَكُونُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ قَد فَعَلَ ذَلكَ في القِصَّتينِ تَعليمًا لأُمَّتِهِ كيفيةُ النيَّةِ والقَصْدِ في سَائِر شُؤُونِهِم وخُصُوصًا ِمنْهَا جَانب التَّقَرُّبِ و العِبَادَات.

الفَائدةُ الثَانيةُ:
أنَّهُ لا يَجُوزُ للمُسلم أنْ يَحكُمَ على غيِْرهِ بِمُجَرَد رُؤيَتِهِ لظَاهِر العَمَل فَلا بُدَ من الاستِفسَار والإطِّلاعِ عَنْ إرَادَة العَمَل و نيَتِهِ، ويَكُونُ ذَلكَ بالسؤال فيَقُولُ للعامِل ماذَا تُريدُ بِعَمَلِك هَذَا، أو يَقُولُ لهُ لِمَاذا فَعَلتَ هَذا، أوْ مَا قَصدُكَ ونِيَّتُكَ من هَذَا العَمَل. و بَعد الإجابة يكُونُ الحُكمُ سَليمًا من الأهوَاء والأغرَاض ونَزَغَاتِ النَّفس والشَيْطَانِ. و مَا ذكَرنَاهُ منَ الاستِفسَار والإطِّلاعِ على النِّيَّة والقَصدِ من العَمَل قَبل الحُكمُ على صَاحبِهِ هُو المعتمدُ منَ السُّنَّة المُطَّهرة؛ كَمَا دَلَّ عليهِ الحديثَان السَابِقَان المَرويان في الصَّحيح.

و قَد رَوى أبُو دَاود في سُنَنِهِ" أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضربَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ قَالَ أَوْفِي بِنَذْرِكِ قَالَتْ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا مَكَانٌ كَانَ يَذْبَحُ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ لِصَنَمٍ قَالَتْ لا قَالَ لِوَثَنٍ قَالَتْ لاَ قَالَ أَوْفِي بِنَذْرِك".

و رَوى أبو داودُ أيضًا في سُنَنِه عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عَنْهُ - قَالَ كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ:" اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ. لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا".

فإنَّهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ لَمْ يَنهَاهمُ عَن رُقيَةِ الجَاهليةِ بُمَجَردِ سَمَاعِهِ ذَلك مِنْهُم ولكِنَّهُ أمَرَهُم أنْ يَعرضوا عَليهِ رُقَاهُم أولاً. وفي الأخير قال لهُم لا بَأسَ مَا لَم تَكُنْ شِركًا.


التَّبَرُّك بآثار أصَابع رسُول الله صلَّى اللهُ عَليه وسَلَّم من الطعَام


لقَدْ روى أبُو أيُّوب الأنصاري - رضي الله عَنْهُ - وهُو يُحدِّثُ عَنْ أيَام رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ عنْدَهُ. قَال لَمَّا نَزَلَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ في بَيتي نَزَل في أسفَل البيتِ وأنَا وأمُّ أيُوب في العُلُّو، فَقُلتُ لَهُ يَا نَبيَ الله، بأبي أنْتَ وأمي إنِّ لأكرَهُ وأعَظِّم أنْ أكونَ فوقَك وتَكُونَ تَحتي، فَاظْهَرْ أنتَ فَكُنْ في الأعْلى نَنِزلُ نَكُنْ في السُّفْلِ، فَقَالَ يا أبَا أيُّوب إنَّهُ لأرفَقُ بِنَا و ِبمَنْ يَغشَانَا أنْ نَكُونَ في أسفَل البَيتِ" إلى أنْ قال أبُو أيُّوب " وكُنَا نَضَعُ لَهُ العَشَاءَ، ثُمَّ نَبعَثُ بِهِ إليهِ فَإذا رَدَّ عَليْنَا فَضلهُ تَيمَمتُ أنَا و أمُّ أيُّوب مَوْضِعَ يَدَهُ، فَأكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغي بِذَلك البَرَكة حتَّى بَعَثْنَا إليهِ لَيلةً بِعَشَاء وقَد جَعلْنَا لهُ بَصلاً و ثُومًا فَردَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولَمْ أرَ ليَدِه أثَرًا، فَجِئتُهُ فَِزعًا فَقُلتُ يَا رَسُول الله بِأبي أنتَ وأمِّي، رَدَدتَ عَشَاءَكَ ولَمْ أرَ فيهِ مَوضِعَ يَدِكَ، وكُنْتُ حينَمَا تَرُدَّ عَلينَا فَضلَ طَعَامِكَ أتيمَّمُ أنَا وأمُّ أيُّوب مَوضِعَ يَدِكَ نَبتَغي بِذَلكَ البَرَكةَ، فَقَالَ: إنِّي وجَدتُ فيهِ ريحَ هذِهِ الشَّجرة وأنَا رَجلٌ أنَاجي، فَأمَّا أنتُم فَكُلوهُ. قَالَ فَأكلنَاهُ ثُمَّ لَمْ نضَع في طَعَامِهِ شَيئًا مِنَ الثُّوم والبَصل بَعدُ. انتَهى.

تَكشِفُ لَنَا هذِه الصُورة صُورةَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ في بَيتِ أبي أيُّوب رَضي اللهُ عَنْهُ عَنْ مَدى المَحبَّةِ الصَّادقةِ التِّي كَانت تَفيضُ بِهَا أفئِدَةُ الأنْصَار مِنْ أهلِ المَدينة ِرجَالاً وِنسَاءً وأطْفَالاً، والّذي يَهُمُّنَا مِنْ ذَلكَ هُنَا؛ هُوَ التَّأمُلُّ في تَبرُّكِ أبي أيُّوب وزَوجهِ، بآثَار أصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ في قِصعةِ الطَّعَام، حينَمَا كَانَ يَرُدُّ عَليْهِمَا فَضلَ طَعَامِهِ.

إذنْ فالتَّبرُّك بآثَار النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ أمْرٌ قَدْ أقَرَّهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ (وآله) وسَلَّمَ.

تمَّ بِعونِ اللهِ الكَلامُ على حُكم التَّوسُّل والوَسيلة، و بهَذِهِ المَسألة الجَليلة نَخْتِمُ هذه الرسَالة "رسَالةُ اليَّقين في مَسَائل ذاتُ أهميَّة في الدِّين" و صَلَّى اللهُ عَلى سَيِّدنَا مُحمد و عَلى آلهِ و أصحَابِهِ وسَلم تَسليمًا. إنتهى..!!

ولا بأس بمراجعة هذا الموضوع:
إسلام أون لاين، موقع الفتاوى/ زيارة مسجد الرسول وقبره : حكمها وآدابها، إضغط
هنا للمطالعة..!!

وأيضاً هذا الموضوع:
علماء أهل السنة يقرأون أسماء أهل البيت على المرضى للشفاء، إضغط
هنا للمطالعة..!!



والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين،،

mofajr_tran01_.gif


ansar_almahdi.gif

عَنْ أبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلام قَالَ لَهُ كَنْزٌ بِالطَالَقَانِ مَا هُوَ بِذَهَبٍ وَ لا فِضْةٍ وَ رَايَةٍ لَمْ تًنْشَر مُنْذُ طُوِيَتْ وَ رِجَالٌ كَانَ قُلُوبُهُمْ زُبُر الحُدِيد لا يَشُوبُهَا شَكٌ فِي ذَاتِ الله أشَدُّ مِنْ الحَجَر لَوْ حَمَلُوا عَلَى الجِبَالِ لأزَالُوهَا لا يَقْصُدُون بِرَايَاتِهم بَلْدَةٍ إلا خَرَّبُوهَا كَانَ عَلَى خُيُولِهِم العُقْبَان يَتَمَسَّحُون بِسَرْجِ الإمَام عَلَيْهِ السَّلام يَطْلِبُونَ بِذَلِكَ البَرَكَة وَ يَحْفُّونَ بِهِ يَقُونَهُ بَأنْفُسِهِم فِي الحُرُوبِ وَ يَكْفُونَهُ مَا يُرِيدُ فِيهِم رِجَالُ لا يَنَامُون اللَّيْل لَهُمُ دَوِيُّ فِي صَلاتِهِم كَدَوِيِّ النَّحْلِ يَبِيتُونَ قِيَامَاً عَلَى أطْرَافِهِم وَ يُصْبِحُون عَلَى خِيُولِهم رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ لِيُوثٌ بِالنَّهَارِ هُمْ أطْوَعُ لَهُ مِنْ الأمَةِ لِسَيِّدِهَا كَالمَصَابِيحِ كَأنَّ قُلُوبُهُم القَنَادِيل وَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ الله مُشْفِقُونَ يَدْعُونَ بِالشَّهَادِةِ وَ يَتَمَنَّونَ أن يُقْتَلُوا فِي سَبِيلِ الله شِعَارُهُم يَا لِثَارَاتِ الحُـسَيْن إذَا سَارُوا يَسِيرُ الرُّعْبُ أمَامَهُمُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ يَمْشُونَ إلى المَوْلَى إرْسَالاً بِهِم يَنْصُرُ الله إمَامَ الحَقِ.


اللهّــم صَــلِ عَلــى مُحَمَّــدٍ وآل مُحَمّــد وعَجِّل فَرجَهُم وأهْلِک أعْدَائَهم